الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستحب ذلك عند الشافعية إن لم يخش تلويثه، فلأن المسجد أشرف، وعملاً بما ثبت في السنة عن عائشة:«والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه» وفي رواية: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في جوف المسجد» (1)، وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد» (2).
ويظهر لي أن الاتجاه الثاني أقوى؛ لأن حديث أبي هريرة غير ثابت، أو غير متفق على ثبوته، قال النووي: إنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به. وقال أحمد بن حنبل: حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوءمة، وهو ضعيف.
الفرض الرابع ـ دفن الميت:
وفيه بحث ما يأتي:
أولاً ـ حمل الميت لغير بلد موته
، ثانياً ـ حمل الجنازة، ثالثاً ـ سنن الجنازة، رابعاً ـ وجوب الدفن وندب تعجيله، خامساً ـ مكروهات الجنازة، سادساً ـ صفة القبور واحترامها والجلوس عليها والاتكاء عليها، وما يوضع على القبر من آس ونحوه، وما يكتب عليه وعلى الكفن، سابعاً ـ أحكام الدفن (كيفيته، مكانه، زمنه، ما يقال عند الدفن، التلقين بعد الدفن، ستر القبر، الدفن في تابوت)، ثامناً ـ زيارة القبور للرجال والنساء والسلام على الميت، واجتماع الأرواح.
أولاً ـ حمل الميت لغير بلد موته: للفقهاء آراء ثلاثة في نقل الميت لغير بلد موته: الكراهة لغير غرض صحيح، والإباحة، والتحريم (3):
(1) اللفظ الأول رواه مسلم، والثاني رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار:68/ 4، نصب الراية:276/ 2).
(2)
رواه سعيد وروى الثاني مالك (نيل الأوطار، المكان السابق).
(3)
كشاف القناع:97/ 2 - 98، المغني:510/ 2 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص96، مراقي الفلاح: ص102، رد المحتار والدر المختار:840/ 1، مغني المحتاج:365/ 1.
فقال الحنابلة: السنة دفن الميت في مكان صرعه أو موته، لقوله صلى الله عليه وسلم:«تدفن الأجساد حيث تفيض الأرواح» (1)، وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه، لما نقل عن عائشة أنه «لما مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبَش ـ وهو مكان بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلاً ـ ونقل إلى مكة، أتت قبره، وقالت: والله لو حضرتك مادفنتك إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك» (2) وهو محمول على أنها لم تر غرضاً في نقله، وأنه تأذى به.
فإن كان النقل لغرض صحيح فلا كراهة، لما في الموطأ عن مالك أنه سمع غير واحد يقول:«إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق، فحملا إلى المدينة، ودفنا بها» وقال سفيان بن عيينة: مات ابن عمر ههنا، وأوصى أن لا يدفن ههنا، وأن يدفن بسَرَف (3).
وقال الحنفية والمالكية: لا بأس بنقل الميت من بلد إلى آخر إن كان لم يدفن، والنقل عند الحنفية جائز قدر ميل أو ميلين، لكن يندب دفنه في جهة موته، أي في مقابر أهل المكان الذي مات فيه أو قتل، للحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أُحد في مضاجعهم، مع أن مقبرة المدينة قريبة، ودفنت الصحابة الذين فتحوا دمشق عند أبوابها، ولم يدفنوا كلهم في محل واحد.
وقال الشافعية: يحرم نقل الميت قبل دفنه إلى بلد آخر، ليدفن فيه، وإن لم يتغير، لما فيه من تأخير دفنه، ومن التعريض لهتك حرمته.
(1) روى الخمسة (أحمد وأصحاب السنن الأربعة) وصححه الترمذي عن جابر قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا نقلوا إلى المدينة» وروى البزار بإسناد حسن عن أبي سعيد مثله (نيل الأوطار: 112/ 4، مجمع الزوائد:43/ 3).
(2)
رواه الترمذي.
(3)
ذكره ابن المنذر.