الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركن السادس ـ السجود مرتين لكل ركعة:
السجود لغة: الخضوع والتذلل، أو التطامن والميل، وشرعاً: أقله وضع بعض الجبهة مكشوفة على الأرض أو غيرها من المُصلَّى، لخبر:«إذا سجدت، فمكِّن جبهتك ولا تنقر نقراً» (1) وخبر خباب بن الأرت: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا، أي لم يزل شكوانا» (2). وأكمل السجود: وضع جميع اليدين والركبتين والقدمين والجبهة مع الأنف.
وهو فرض بالإجماع، لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج:22/ 77] ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره به المسيء صلاته:«ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً» ولإجماع الأمة.
والواجب عند المالكية (3): سجود على أيسر جزء من الجبهة: وهي ما فوق الحاجبين وبين الجبينين. ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها، ويندب السجود على أنفه أيضاً، ويعيد الصلاة لتركه في الوقت الضروري (وهو في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر وفي الصبح لطلوع الشمس) مراعاة لمن يقول بوجوبه، فلو سجد على جبهته دون أنفه، لم يكفه، والمشهور في المذهب: أنه يجزئ السجود على الجبهة بخلاف الأنف، وإن عجز عن السجود على الجبهة أومأ للسجود، كمن كان بجبهته قروح تؤلمه إن سجد.
وذكر الشافعية والحنفية والحنابلة: أن من منعه الزحام عن السجود على
(1) رواه ابن حبان في صحيحه.
(2)
رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه مسلم بغير جباهنا وأكفنا.
(3)
الشرح الصغير: 1/ 314، لقوانين الفقهية: ص63، بداية المجتهد: 1/ 133 ومابعدها.
أرض أو نحوها مع الإمام، فله السجود على شيء من إنسان أو متاع أو بهيمة أو نحو ذلك، لقول عمر فيما رواه البيهقي بإسناد صحيح:«إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه» .
وأما السجود على اليدين والركبتين وأطراف القدمين فهو سنة. ودليلهم حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ـ أعضاء ـ وجههُ وكفّاه وركبتاه وقدماه» (1).
واتفق العلماء (2) على أن السجود الكامل يكون على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين وأطراف القدمين، لحديث ابن عباس:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده على أنفه، واليدين، والرُّكبتين، والقدمين» (3) وفي رواية «أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعراً ولا ثوباًً (4): الجبهة واليدين والركبتين، والرِّجلين» والمراد من عدم كف الشعر والثوب: عدم رفع الثوب والشعر عن مباشرة الأرض، فيشبه المتكبرين.
ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب. ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده.
(1) رواه الجماعة إلا البخاري (نيل الأوطار: 2/ 257).
(2)
فتح القدير: 1/ 212ـ214، مراقي الفلاح: ص45، تبيين الحقائق: 1/ 116 ومابعدها، مغني المحتاج: 1/ 168ـ170، المغني: 1/ 515، 2/ 313، كشاف القناع: 1/ 453، مغني المحتاج: 1/ 298، المهذب: 1/ 75، الدر المختار ورد المحتار: 1/ 416.
(3)
متفق عليه بين البخاري ومسلم (نيل الأوطار: 2/ 258).
(4)
جملة معترضة بين المجمل والمبين، والمراد بالشعر: شعر الرأس، وظاهره أن ترك الكف واجب حال الصلاة، لاخارجها، ورده القاضي عياض؛ بأنه خلاف ماعليه الجمهور، فإنهم كرهوا ذلك للمصلي، سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها، والحكمة من المنع حتى لايشبه المتكبرين.
واتفق علماء الحنفية وغيرهم على أنه إن قتصر في السجود على الجبهة دون الأنف، جاز. لكن قال أبو حنيفة: يخير المصلي بين الجبهة وبين الأنف، فإن اقتصر على أحدهما، جاز ويكره، مستدلاً بالرواية السابقة لحديث ابن عباس المذكور؛ لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف، ولأن المأمور به في كتاب الله تعالى هو السجود {واسجدوا} [الحج:77/ 22]، والسجود المأمور به: هو وضع بعض الوجه الذي هو محل السجود إجماعاً، وهو يتحقق بالأنف، فاشتراط وضع آخر معه زيادة بخبر الواحد، فوجب أن يجوز الاقتصار عليه كالجبهة، بخلاف الذقن والخد ونحوهما، لأنه ليس بمحل للسجود إجماعاً، لكن ضم الأنف للجبهة في السجود واجب عندهم كما بينت.
وقال الصاحبان: لا يجوز الاقتصار في السجود على الأنف إلا لعذر، للحديث السابق الذي عُدّ فيه الجبهة في الأعضاء السبعة، وهذا هو الراجح عند الحنفية.
ووضع اليدين والركبتين سنة عند الحنفية لتحقق السجود بدونهما. وأما وضع القدمين فهو فريضة في السجود، كما ذكر القدوري.
والخلاصة: إن فرض السجود عند الحنفية والمالكية يتحقق بوضع جزء من الجبهة ولو كان قليلاً، والواجب عند الحنفية وضع أكثرها، ويتحقق الفرض أيضاً بوضع أصبع واحدة من القدمين، فلو لم يضع شيئاً من القدمين لم يصح السجود. وأما تكرار السجود فهو أمر تعبدي، أي لم يعقل معناه على قول أكثر مشايخ الحنفية، تحقيقاً للابتلاء (الاختبار) ولو سجد على كَوْر عمامته إذا كان على جبهته أو فاضل (طرف) ثوبه، جاز عند الحنفية والمالكية والحنابلة، ويكره إلا من عذر لحديث أنس «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة
الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن
يمكِّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» (1). ولا خلاف في عدم وجوب كشف الركبتين، لئلا يفضي إلى كشف العورة، كما لا يجب كشف القدمين واليدين، لكن يسن كشفها، خروجاً من الخلاف.
ودليل جواز ترك كشف اليدين: حديث عبد الله بن عبد الرحمن قال: «جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بنا في مسجد بني الأشهل، فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد» (2).
وقال الشافعية: إن سجد على متصل به كطرف كمّه الطويل أو عمامته، جاز إن لم يتحرك بحركته؛ لأنه في حكم المنفصل عنه. فإن تحرك بحركته في قيام أو قعود أو غيرهما كمنديل على عاتقه، لم يجز. وإن كان متعمداً عالماً، بطلت صلاته، وإن كان ناسياً أوجاهلاً، لم تبطل، وأعاد السجود. وتصح صلاته فيما إذا سجد على طرف ملبوسه ولم يتحرك بحركته. وضعف الشافعية الأحاديث الواردة في السجود على كور العمامة، أو أنها محمولة على حالة العذر (3).
والشافعية والحنابلة متفقون على وجوب السجود على جميع الأعضاء السبعة المذكورة في الحديث السابق، ويستحب وضع الأنف مع الجبهة عند الشافعية، لكن يجب عند الحنابلة وضع جزء من الأنف. واشترط الشافعية أن يكون السجود على بطون الكفين وبطون أصابع القدمين، أي أنه يكفي وضع جزء من كل واحد من هذه الأعضاء السبعة كالجبهة، والعبرة في اليدين ببطن الكف، سواء الأصابع والراحة، وفي الرجلين ببطن الأصابع، فلا يجزئ الظهر منها ولا الحرف.
(1) رواه الجماعة (نيل الأوطار: 2/ 260).
(2)
رواه أحمد وابن ماجه، وقال: على ثوبه (نيل الأوطار: 2/ 261).
(3)
نيل الأوطار: 2/ 260.