الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قال الحنابلة (1) وغيرهم: ولا يتصدق على سائل وقت الخطبة؛ لأن السائل فعل ما لا يجوز له فعله، فلا يعينه المرء على مالا يجوز، قال أحمد: وإن حصب السائل كان أعجب إلي؛ لأن ابن عمر فعل ذلك لسائل سأل، والإمام يخطب يوم الجمعة، ولا ينال السائل الصدقة حال الخطبة؛ لأنه إعانة على محرم.
فإن سأل أحد الصدقة قبل الخطبة، ثم جلس للخطبة، جاز التصدق عليه ومناولته الصدقة.
وأجاز الحنابلة الصدقة حال الخطبة على من لم يسأل، وعلى من سألها الإمام له.
والصدقة على باب المسجد عند الدخول والخروج أولى من الصدقة حال الخطبة.
المطلب السابع ـ سنن الجمعة ومكروهاتها:
يسن لصلاة الجمعة
ما يأتي (2):
1ً - الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة: سنة عند الجمهور، مستحب عند المالكية، لحديث أبي هريرة السابق في التبكير إلى الجمعة:«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بَدَنة .. » ولخبر البيهقي بسند صحيح: «من أتى الجمعة من الرجال والنساء، فليغتسل، ومن لم يأتها فليس
(1) كشاف القناع: 53/ 2 ومابعدها، المغني: 326/ 2.
(2)
البدائع: 269/ 1 ومابعدها، الدر المختار: 772/ 1، الشرح الصغير: 503/ 1 - 509، بداية المجتهد: 158/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص81، مغني المحتاج: 290/ 1 - 295، حاشية الباجوري: 228/ 1 - 230، المهذب: 113/ 1 ومابعدها، كشاف القناع: 46/ 2 - 53، المغني:350/ 2 - 355،365 ومابعدها
عليه غسل». وقد سبق ذكر حديثين في الأغسال المسنونة وهما: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» والوجوب محمول على السنية، للحديث الثاني:«من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» . وروى البخاري ومسلم: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» .
ووقت الغسل من فجر الجمعة إلى الزوال، وتقريبه من ذهابه للصلاة أفضل؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة، ويشترط عند المالكية: اتصاله بالرواح إلى المسجد، ولا يضر الفصل اليسير، فإن فصل كثيراً أو تغذى خارج المسجد، أو نام خارجه اختياراً أو اضطراراً، أعاده لبطلانه فلا يجزئ الغسل عندهم قبل الفجر، ولا غير متصل بالرواح. ويفتقر الغسل إلى النية؛ لأنه عبادة محضة، فاحتاج إلى النية كتجديد الوضوء، فإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلاً واحداً، ونواهما، أجزأه بلا خلاف. والغسل سنة مؤكدة.
وأما التطيب ولبس أحسن الثياب أو التجمل فلحديث: «من اغتسل يوم الجمعة، ومسَّ من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن الثياب ثم خرج وعليه السكينة، حتى يأتي المسجد، فيركع إن بَدَا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه، حتى يصلي، كانت له كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى» (1) والمندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فالثياب البيض أفضل الثياب لحديث «البسوا الثياب البيض، فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم» (2).
2ً - التبكير للجمعة ماشياً بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام. والاشتغال في طريقه بقراءة أو ذكر؛ لما ثبت في السنة، كحديث أبي هريرة السابق، وخبر:
(1) رواه أحمد عن أبي أيوب رضي الله عنه (نيل الأوطار: 236/ 3.
(2)
رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم عن سمرة، وهو صحيح حسن.
وقال المالكية: الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، وتبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال. وفي حديث آخر مفاده أن الاقتراب من الإمام مطلوب:«احضروا الذِّكْر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد، حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها (2)» والمشي بالسكينة، لحديث الصحيحين:«إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة يجوز الركوب لعذر في الذهاب والإياب.»
والاشتغال بالقراءة أو الذِّكر: لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما لم يحدث، وإن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه» (3) فدل أن شأن المصلي الاشتغال بالقراءة والذكر. والتبكير للجمعة سنة لغير الإمام، أما هو فلا يسن له التبكير ......
3ً - تنظيف الجسد وتحسين الهيئة قبل الصلاة: بتقليم الأظفاروقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك كإزالة الرائحة الكريهة بالسواك للفم وغيره من مواطن الرائحة في الجسم. ويسن للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعِمَّة والارتداء، اتباعاً للسنة، ولأنه منظور إليه.
(1) رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه وأبو داود وابن ماجه. وقوله غسل: يجوز بالتشديد والتخفيف أرجح، والمراد: غسل ثيابه ورأسه ثم اغتسل، أو غسل زوجته بأن جامعها فألجأها إلى الغسل ثم اغتسل، كما هو السنة عند الحنابلة في يوم الجمعة، أو غسل أعضاء الوضوء بأن توضأ ثم اغتسل.
(2)
رواه أبو داود، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(3)
رواه الشيخان.
وكما يسن أخذ الظفر إن طال يوم الجمعة، يسن أيضاً يوم الخميس، ويوم الاثنين، دون بقية الأيام.
ودليل كون التحسين يوم الجمعة ما روى البغوي بسنده عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة» .
وقال الحنفية (1): الأفضل حلق الشعر وقلم الظفر بعدها أي بعد الجمعة، ويكره ذلك في يوم الجمعة قبل الصلاة، لما فيه من معنى الحج، والحلق ونحوه قبل الحج غير مشروع.
4ً - قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وليلتها: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (2) وفي رواية: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أو ليلتها، وقي فتنة الدجال» وقراءتها نهاراًآكد، والحكمة من قراءتها: أن الساعة تقوم يوم الجمعة، كما ثبت في صحيح مسلم، والجمعة مشبهة بها لما فيها من اجتماع الخلق، وفي الكهف ذكر أهوال القيامة.
5ً - الإكثار من الدعاء يومها وليلتها: أما يومها فلرجاء أن يصادف ساعة الإجابة؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي، يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها» (3) وفي رواية لمسلم: «وهي ساعة خفيفة» والصواب في ساعة الإجابة ـ كما بينا ـ ما ثبت في صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي ما بين أن يجلس الإمام، إلى أن يقضي الصلاة» .
(1) الدر المختار ورد المحتار: 772/ 1،788.
(2)
رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وروى الدرامي والبيهقي: «من قرأها ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» وفي بعض الطرق: «غفر له إلى الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام، وصلى عليه ألف ملك، حتى يصبح وعوفي من الداء، وذات الجنب والبرص والجذام وفتنة الدجال» .
(3)
رواه الشيخان، وذكر في رواية: وهو قائم يصلي، والمراد بالصلاة: انتظارها، وبالقيام: الملازمة.
6ً -الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وليلتها: لخبر: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» (1) وخبر: «أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فمن صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً» (2).
وصيغة الصلاة أن يقول: (اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي) أو (اللهم صل على محمد، كلما ذكرك الذاكرون، وصل على محمد وعلى آل محمد، كلما غفل عن ذكره الغافلون).
7ً - يقرأ الإمام جهراً بعد الفاتحة في الركعة الأولى «الجمعة» وفي الثانية «المنافقون» اتباعاً للسنة ـ رواه مسلم. وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة: سبح اسم ربك الأعلى، و:«هل أتاك حديث الغاشية» .
8ً - قراءة: الم. السجدة، و: هل أتى على الإنسان: سنة في صلاة الصبح يوم الجمعة: لما روى ابن عباس وأبو هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: الم. تنزيل و: هل أتى على الإنسان حين من الدهر» (3) ولا تستحب المداومة عليها؛ لأن لفظ الخبر يدل عليها، وخشية ظن افتراضها.
9ً - صلاة أربع ركعات قبل الجمعة، وأربع بعدها، كالظهر مستحب عند الجمهور: لأن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يركع من قبل الجمعة أربعاً» (4) وكان الصحابة يصلون قبل الجمعة أربع ركعات، وكان ابن مسعود يصلي قبل الجمعة أربع ركعات، وبعدها أربع ركعات (5).
(1) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة.
(2)
رواه البيهقي بإسناد جيد.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه ابن ماجه.
(5)
رواه سعيد بن منصور.
وروى الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم ركعتين» (1). وأكثر السنة بعدها ست ركعات لقول ابن عمر: «كان صلى الله عليه وسلم يفعله» (2)، أو أربع ركعات لما رواه مسلم عن أبي هريرة. والتنفل قبل الجمعة ما لم يخرج الإمام إلى المنبر إلا تحية المسجد، لما رواه أحمد عن نبيشة الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة، ثم أقبل إلى المسجد، لا يؤذي أحداً، فإن لم يجد الإمام خرج، صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج، جلس، فاستمع وأنصت، حتى يقضي الإمام جمعته، إن لم يُغفر له في جمعته تلك ذنوبُه كلها: أن تكون كفارة للجمعة التي تليها» .
وقال المالكية (3): يكره التنفل عند الأذان الأول، لا قبله، لجالس في المسجد، لا داخل يقتدي به من عالم أو سلطان أو إمام، لا لغيرهم، خوف اعتقاد العامة وجوبه. ويكره التنفل بعد صلاة الجمعة أيضاً إلى أن ينصرف الناس.
ويسن لمن صلى السنة: أن يصليها عند الحنابلة في مكانه في المسجد، وأن يفصل عند الشافعية والحنابلة بينها وبين الجمعة بكلام أو انتقال من مكانه، أوخروج إلى منزله، لما روى السائب بن يزيد، قال:«صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة، فلما سلَّم الإمام قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعُد لما فعلت، إذا صليت الجمعة، فلا تصليها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك ألا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج» قال الشافعية (4): يسن ألا يصل صلاة الجمعة بصلاة، للاتباع، ورواه مسلم، ويكفي الفصل بينهما بكلام أو تحول أو نحوه.
(1) رواه أبو داود من حديث ابن عمر. وروى الجماعة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته (نيل الأوطار: 280/ 3).
(2)
رواه أبو داود.
(3)
الشرح الصغير: 511/ 1.
(4)
مغني المحتاج: 295/ 1.