الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن تعددت الجمعة لحاجة، بأن عسر اجتماع بمكان، جاز التعدد، وصحت صلاة الجميع على الأصح، سواء وقع إحرام الأئمة معاً أو مرتباً، وسن صلاة الظهر احتياطاً، فالاحتياط لمن صلى ببلد تعددت فيه الجمعة لحاجة، ولم يعلم سبق جمعته: أن يعيدها ظهراً، خروجاً من خلاف من منع التعدد، ولو لحاجة. وينوي آخر ظهر بعد صلاة الجمعة أو ينوي الظهر احتياطاً، خروجاً عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر.
و
صلاة الظهر بعد الجمعة:
إما واجبة إن تعددت الجمع لغير حاجة، أو مستحبة إذا كان التعدد بقدر الحاجة فقط، أو زائداً عليها ولم يدر هل التعدد لحاجة أو لا، أو حرام فيما إذا كان بالبلد جمعة واحدة فقط كبعض قرى الأرياف.
وكذلك قرر المالكية على الراجح: أنه يمنع تعدد الجمعة في مسجدين أو أكثر في مصر واحد، ولا تكون الجمعة إلا متحدة في البلد، فإن تعددت صحت جمعة الجامع الأقدم أو العتيق: وهو المسجد الذي أقيمت فيه أول جمعة في البلد، ولو تأخر بناؤه عن غيره، كما بينا (1).
والحنابلة مع الشافعية والمالكية فيما ذكر (2): وهو إن كان البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع أو في حال خوف الفتنة بأن يكون بين أهل البلد عداوة، أو في حال سعة البلد وتباعد أطرافه، فصلاه الجمعة في جميعها جائزة؛ لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة، فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد، وقد ثبت أن علياً رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى، ويستخلف على ضعَفَة الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم. وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إقامة
(1) الشرح الصغير: 500/ 1، القوانين الفقهية: ص80 ومابعدها.
(2)
المغني: 334/ 2 ومابعدها، كشاف القناع: 42/ 2 - 44.
جمعتين، فلعدم الحاجة إليه، ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته عليه السلام، وشهود جمعته، وإن بعدت منازلهم، لأنه المبلغ عن الله تعالى.
ولما دعت الحاجة إلى تعدد الجمعات في الأمصار، صليت في أماكن، ولم ينكر أحد، فكان إجماعاً.
وإن تحققت الحاجة بجمعتين اثنتين، لم تجز الجمعة الثالثة لعدم الحاجة إليها، وهكذا الرابعة والخامسة.
ويحرم إقامة الجمعة والعيد بأكثر من موضع من البلد لغير حاجة، ويحرم إذن الحاكم في إقامة جمعة زائدة عند عدم الحاجة إليها، كما يحرم الإذن فيما زاد على قدر الحاجة.
فإن أقيمت الجمعة في موضعين فأكثر مع عدم الحاجة، فجمعة الإمام (الحاكم) التي باشرها أو أذن فيها: هي الصحيحة؛ لأن في تصحيح غيرها افتياتاً عليه، وتفويتاً لجمعته.
فإن استويا في الإذن وعدم إذن الإمام، فالسابقة هي الصحيحة، والثانية باطلة. والسبق يكون بتكبيرة الإحرام، كما قال الشافعية، لا بالشروع في الخطبة ولا بالسلام. وإن تقارنتا معاً، واستوتا في الإذن أو عدمه، بطلتا؛ لأنه لا يمكن تصحيحهما.
وإن جهلت الجمعة الأولى ببلد لغير حاجة، أو لم يعلم سبق إحداهما، أو علم الحال ثم أنسي، صلوا ظهراً.
والخلاصة: إن رأي الجمهور (المالكية على المشهور، والشافعية والحنابلة) والكاساني من الحنفية: هو عدم جواز التعدد إلا لحاجة.
أما الحنفية (1) على المذهب وعليه الفتوى فقالوا: يؤدى أكثر من جمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة دفعاً للحرج؛ لأن في إلزام اتحاد الموضع حرجاً بيناً، لتطويل المسافة على أكثر الحاضرين، ولم يوجد دليل على عدم جواز التعدد، والضرورة أو الحاجة تقضي بعدم اشتراطه، لا سيما في المدن الكبرى.
والحق: رجحان هذا الرأي، لاتساع البنيان، وكثرة الناس، وللحاجة في التيسير عليهم في أداء الجمعة، ولأن منع التعدد لم يقم عليه دليل صحيح، قال ابن رشد (2): لو كان شرط عدم التعدد، واشتراط المصر والسلطان واشتراط مالك المسجد شروطاً في صحة صلاة الجمعة، لما جاز أن يسكت عنها عليه الصلاة والسلام، ولا أن يترك بيانها، لقوله تعالى:{لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل:44/ 16]، ولقوله تعالى:{إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} [النحل:64/ 16]، وتعدد الجمع اليوم يتفق مع مبدأ يسر الإسلام ودفع الحرج عن المصلين، ولا تجب صلاة الظهر على أحد من المصلين، كما قرر بعض الشافعية كالرملي في المدن الكبرى كالقاهرة وبغداد ودمشق، وأما كون الجمعة لمن سبق فمعناه زيادة الأجر لمن بكر في المجيء للمسجد. قال ابن تيمية: إقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء، ولهذا لما بنيت بغداد ولها جانبان أقاموا فيها جمعة في الجانب الشرقي، وجمعة في الجانب الغربي، وجوز ذلك أكثر العلماء (3).
(1) الدر المختار ورد المحتار: 755/ 1 ومابعدها. قال في شرح المنية: الأولى هو الاحتياط: لأن الخلاف في جواز التعدد عدمه قوي، وكون الصحيح جواز التعدد للضرورة للفتوى: لايمنع شرعية الاحتياط للتقوى.
(2)
بداية المجتهد: 154/ 1.
(3)
فتاوى ابن تيمية 208/ 24.