الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورأى قوم كأبي يوسف وابن الهمام أنه لا يصلى عليه، لما في صحيح مسلم أنه عليه السلام أتي برجل قتل نفسه، فلم يصل عليه (1).
وقال المالكية (2): ولا يصلي الإمام على من قتله في حد أو قصاص، ويصلي عليه غيره، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز، ولم ينه عن الصلاة عليه (3).
وقال المالكية أيضاً: وينبغي لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على المبتدعة، ومظهري الكبائر، ردعاً لأمثالهم.
واستثنى الحنابلة من فرضية صلاة الجنازة الشهيد والمقتول ظلماً، كما استثنى الجمهور غير الحنفية الشهيد كما سيأتي. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على الغالّ (الخائن) من الغنيمة، وقاتل نفسه (4).
ثانياً ـ من الأولى بالصلاة على الجنازة
؟ للفقهاء آراء ثلاثة (5):
الرأي الأول ـ للحنفية: السلطان إن حضر أو نائبه أحق بالصلاة على الميت بسبب السلطنة، ولأن في التقدم عليه ازدراء به، فإن لم يحضر فالقاضي؛ لأنه
(1) رواه مسلم عن جابر بن سمرة.
(2)
بداية المجتهد:231/ 1 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص94، شرح الرسالة:276/ 1.
(3)
أخرجه أبو داود.
(4)
الأول رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عن زيد بن خالد الجهني، والثاني رواه الجماعة إلا البخاري عن جابر بن سمرة (نيل الأوطار:46/ 4 - 47).
(5)
فتح القدير:457/ 1،463، الدر المختار:823/ 1 ومابعدها، اللباب:131/ 1 ومابعدها، مراقي الفلاح: ص98، بداية المجتهد:233/ 1، القوانين الفقهية: ص94، الشرح الصغير:558/ 1، مغني المحتاج:346/ 1 ومابعدها، المغني:480/ 2 - 485، كشاف القناع:127/ 2.
صاحب ولاية، فإن لم يحضر فيقدم إمام الحي؛ لأنه رضيه في حياته، فكان أولى بالصلاة عليه في مماته، ثم يقدم الولي الذكر المكلف بترتيب عصوبة أو أولياء النكاح إلا الأب فيقدم على الابن، ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم في ولاية الزواج. ولمن له حق التقدم أن يأذن لغيره. ومن له ولاية التقدم أحق ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه على المفتى به؛ لأن الوصية باطلة.
فإن صلى عليه غير الولي والسلطان ونائبه، فللولي إعادة الصلاة، ولو على قبره إن شاء، لأجل حقه، لا لإسقاط الفرض. وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يُصلي عليه بعده؛ لأن الفرض تأدى بالأول، والتنفل بالصلاة على الجنازة غير مشروع.
فإن دفن ولم يُصَلَّ عليه، صلِّي على قبره، ما لم يغلب على الظن تفسخه، لاختلاف الحال والزمان والمكان.
الرأي الثاني ـ للمالكية والحنابلة: أحق الناس بالصلاة على الميت: من أوصى الميت أن يصلي عليه، عملاً بفعل الصحابة، فقد أوصى أبو بكر أن يصلي عليه عمر، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وعائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة، وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد
…
إلخ، ثم الوالي أو الأمير، للحديث السابق:«لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه» ، ثم الأولياء العصبات على ترتيب ولايتهم في النكاح، فيقدم الأب وإن علا، ثم الابن وإن سفل، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات، فيقدم الأخ، ثم العم ثم ابن العم، وهكذا.
لكن يقدم الأخ وابنه عند المالكية على الجد؛ لأنه يدلي بالبنوة، والجد يدلي
بالأبوة. ويصلي النساء في المذهب المالكية عند عدم الرجال دفعة واحدة أفذاذاً، إذ لا تصح إمامتهن لديهم.
ويقدم الأفضل فالأفضل، فيقدم الرجال على النساء، والكبار على الصغار، ومن له مزية دينية، فإن استووا قدم بالسن، فإن استووا قدم بالقرعة أو التراضي. هذا قول المالكية. وعبارة الحنابلة: يقدم الأحق بالإمامة في المكتوبات، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» .
الرأي الثالث ـ للشافعية في الجديد: أن الولي أولى بالإمامة من الوالي، وإن أوصى الميت لغير الولي، لأن الصلاة حقه، فلا تنفذ وصيته بإسقاطها كالإرث، لأن المقصود من الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت، ودعاء القريب أقرب إلى الإجابة لتألمه وانكسار قلبه. وأما وصايا الصحابة بالصلاة عليهم، فمحمولة على أن أولياءهم أجازوا الوصية. فيقدم الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه وإن سفل، ثم الأخ، والأظهر تقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم لأب، ثم بقية العصبة النسبية على ترتيب الإرث، فيقدم عم شقيق ثم لأب، ثم ابن عم شقيق ثم لأب.
ثم ذوو الأرحام، يقدم الأقرب فالأقرب، فيقدم أبو الأم، ثم الأخ لأم، ثم الخال، ثم العم لأم.
ولو اجتمع وليان في درجة كابنين أو أخوين، وكلاهما صالح للإمامة، فالأسن في الإسلام العدل أولى من الأفقه ونحوه.