الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسنفصل الكلام في هذه الأركان كلها، علماً بأن النية بحثت في الشروط عملاً بمنهج الحنفية والحنابلة وبعض المالكية (ابن رشد وابن جزي)، والمعتمد عند المالكية أن النية ركن، وأن الإحرام عبارة عن النية والتكبير.
أركان الصلاة المتفق عليها:
يلاحظ أن الفقهاء اتفقوا على ستة فروض أو أركان وهي: التحريمة، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود، والقعدة الأخيرة مقدار التشهد إلى قوله:«عبده ورسوله» .
الركن الأول ـ التحريمة أو تكبيرة الإحرام:
هي أن يقول المصلي قائماً مسمعاً نفسه: (الله أكبر)(1) إلا في حال العجز عن القيام، وذلك بالعربية، لمن قدر عليها، لا بغيرها من اللغات، وبلا فصل بين المبتدأ والخبر عند المالكية والحنابلة بكلمة أخرى ولا بسكوت طويل.
هذا إذا كان المصلي غير إمام، فأدناه أن يسمع نفسه، فإن كان إماماً يستحب له أن يجهر بالتكبير ليسمع من خلفه (2) والتكبير ركن لا شرط، فلا تنعقد الصلاة إلا بقول (الله أكبر)، وإن عجز عن التكبير كأن كان أخرس أو عاجزاً عن التكبير بكل لسان، سقط عنه. وإن قدر على الإتيان ببعضه، أتى به، إن كان له معنى (3).
(1) سميت هذه التكبيرة بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يحرم على المصلي ما كان حلالاً له قبلها من موانع الصلاة كالأكل والشرب والكلام ونحوذلك، ويقصد بها الذكر الخالص لله تعالى الذي يحرم به المصلي على نفسه الاشتغال بما سوى الله.
(2)
المجموع:258/ 3، المغني:462/ 1.
(3)
الشرح الصغير:305/ 1 ومابعدها، المغني:460/ 1 - 464، كشاف القناع:451/ 1.
ودليلهم على اشتراط لفظ (الله أكبر) وأنه ركن: هو قوله تعالى: {وربَّك فكبر} [المدثر:3/ 74]، والحديث السابق عن علي:«مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير» (1) وحديث رفاعة بن رافع: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر» (2)، وقال عليه السلام للمسيء صلاته:«إذا قمت إلى الصلاة فكبر» (3) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» قرن التكبير بالقراءة، فدل على أنه مثله في الركنية.
وقال الشافعية ومحمد من الحنفية (4) كالمالكية والحنابلة: التكبير ركن لا شرط، إلا أن الشافعية قالوا: لا تضر زيادة لا تمنع اسم التكبير، مثل (الله الأكبر)؛ لأنه لفظ يدل على التكبير، وعلى زيادة مبالغة في التعظيم، ومثل (الله الجليل أكبر) في الأصح، وكذا كل صفة من صفاته تعالى، إذا لم يطل بها الفصل، لبقاء النظم. ويشترط إسماع نفسه التكبير كالقراءة وسائر الأركان القولية، ويُبين التكبير كما أوضح الشافعية والحنابلة، ولا يمد في غير موضع المد، فإن فعل بحيث تغير المعنى، مثل أن يمد الهمزة الأولى، فيقول (آلله) أو يمد (آكبر) أو يزيد ألفاً بعد باء (أكبر)، لم يصح؛ لأن المعنى يتغير به. والأصح عند الشافعية: أن من عجز عن التكبير بالعربية أتى بمدلول التكبير بأي لغة شاء. ووجب التعلم إن قدر عليه. ومن عجز عن النطق بالتكبير كأخرس، لزمه تحريك لسانه، وشفتيه ولهاته ما أمكنه، فإن عجز نواه بقلبه.
(1) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن علي بن أبي طالب.
(2)
رواه أصحاب السنن الأربعة والطبراني.
(3)
متفق عليه.
(4)
مغني المحتاج:150/ 1 ومابعدها، اللباب:68/ 1.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف (1): التحريمة شرط، لا ركن، وقولهما هو المعتمد لدى الحنفية، لقوله تعالى:{وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى:87/ 15] قالوا: المراد بالذكر هنا التحريمة، وهي غير الصلاة، بدليل العطف عليها، والعطف يقتضي المغايرة، ولأن حديث علي السابق «وتحريمها التكبير» أضيف التحريم فيه إلى الصلاة، والمضاف غير المضاف إليه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
وتظهر ثمرة الخلاف بين الشيخين (أبي حنيفة وأبي يوسف) القائلين بالشرطية وبين محمد القائل بفرضية التكبير. فيما لو أحرم حاملاً النجاسة، فألقاها فور فراغه من التكبير، أو كان مكشوف العورة، فسترها عند فراغه من التكبير، أو كان منحرفاً عن القبلة، فاستقبلها عند الفراغ من التكبير، أو شرع في التكبير بالظهر قبل الزوال مثلاً، ثم زالت الشمس بعد فراغه من التكبير، تجوز الصلاة عند الشيخين، ولا تجوز عند محمد.
وكذلك إذا فسدت الفريضة، تنقلب نفلاً عند الشيخين، وعند محمد: لاتنقلب. واتفق الحنفية على أن التحريمة ركن في صلاة الجنازة كبقية تكبيراتها.
وقد عرفنا في بحث واجبات الصلاة: أنه يجب عند الحنفية بدء الصلاة بلفظ (الله أكبر) ويكره تحريماً الشروع بغير هذا اللفظ.
وأجاز أبو حنيفة ومحمد افتتاح الصلاة بكل تعبير خالص لله تعالى، فيه تكبير وتعظيم، كقول المصلي: الله أجل، الله أعظم، وكبير أو جليل، والرحمن أعظم، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والحمد لله، ونحوه، لأن ذلك كله يؤدي
(1) فتح القدير:192/ 1،198 ومابعدها، الدر المختار ورد المحتار: 411/ 1،421، تبيين الحقائق: 103/ 1، اللباب، المكان السابق، الدرر شرح الغرر:66/ 1.
معنى التكبير، ويشتمل على معنى التعظيم، فأشبه قوله:(الله أكبر) ولو افتتح الصلاة بـ (اللهم اغفر لي) لا يجوز؛ لأنه مشوب بحاجته، فلم يكن تعظيماً، ولو افتتح بقوله:(اللهم) فالأصح أنه يجزئه؛ لأن معناه: يا الله.
وخص أبو يوسف الافتتاح بالتكبيرومشتقاته، مثل:(الله أكبر) والكبير، والكُبَّار، وتردد في (الله كبير) ومن عجز عن التكبير كالأخرس، سقط عنه ذلك، لتعذر الواجب في حقه، وتكفيه النية عن التحريمة.
وقال أبو حنيفة: إنه يجزئ التكبير بغير العربية، لقول الله تعالى:{وذكر اسم ربه، فصلى} [الأعلى:15/ 87]، وهذا قد ذكر اسم ربه.
أما الصاحبان فقالا كالشافعية: إن كان لا يحسن العربية أجزأه غيرها، فإن كان يحسنها وكبر بغير العربية لا يجزئه لقوله صلى الله عليه وسلم:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (1).
واشترط الحنفية لأداء تكبيرة الإحرام عشرين شرطاً: وهي دخول الوقت، واعتقاد دخوله أو غلبة الظن به، وستر العورة، والطهر من الحدث والنجاسة المانعة عن البدن والثوب والمكان، والقيام لقادر عليه في غير نفل، وفي سنة فجر، ونية اتباع الإمام (وهو في الواقع شرط لصحة الاقتداء لا لصحة التحريمة)، والنطق بها:(وهو أن يسمع بها نفسه، فمن همس بها أو أجراها على قلبه لا تجزئه، كجميع أقوال الصلاة)، وتعيين الفرض أنه ظهر أوعصر مثلاً، وتعيين الوجوب كركعتي الطواف والعيدين والوتر والمنذرو وقضاء أفسده، وأن تكون بجملة ذكر خالص لله غير مشوب بحاجته وأهوائه، ولا يصح باستغفار نحو اللهم اغفر لي، وصح بلفظ (اللهم) في الأصح: مثل (الله أكبر) فلا يصير شارعاً بأحدهما في
(1) رواه البخاري وأحمد.