الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ التَّاسِع: أَنواعٌ خاصَّة من السّجود وقضاء الفوائت
وفيه مبحثان:
المبحث الأول ـ أنواع خاصة من السجود (سجود السهو، وسجدة التلاوة، وسجدة الشكر):
هنا سجدات ثلاث ليست من صلب الصلاة هي: سجود السهو والتلاوة والشكر.
المطلب الأول ـ سجود السهو: حكمه، أسبابه، محله وصفته:
السهو في الشيء: تركه من غير علم، والسهو عن الشيء: تركه مع العلم به.
والفرق بين الناسي والساهي: أن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي.
أولاً ـ حكم سجود السهو:
لا مرية في مشروعية سجود السهو، قال الإمام أحمد: نحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلم من اثنتين فسجد، سلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة،
والنقصان، وقام من اثنتين ولم يتشهد. وقال الخطابي: المعتمد عليه عند أهل العلم: هذه الأحاديث الخمسة: يعني أحاديث ابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وابن بُحينة، وعمران بن حصين.
أما حديث أبي سعيد الخدري فهو كما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً، فلْيطْرح الشك، وليَبْن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، فإن كان صلى خمساً شفَعْن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان» (1).
وشرع سجود السهو جبراً لنقص الصلاة، تفادياً عن إعادتها، بسبب ترك أمر غير أساسي فيها أو زيادة شيء فيها.
ولا يشرع سجود السهو في حالة العمد، لما رواه الطبراني عن عائشة:«من سها قبل التمام، فليسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم» ، فعلق السجود على السهو؛ ولأنه يشرع جبراناً للنقص أو الزيادة، والعامد لا يعذر، فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي.
وسجود السهو واجب على الصحيح عند الحنفية، سنة في الجملة في المذاهب الأخرى (2). قال الحنفية: يجب سجود السهو على الصحيح، يأثم المصلي بتركه، ولا تبطل صلاته؛ لأنه ضمان فائت، وهو لا يكون إلا واجباً، وهو يرفع الواجب من قراءة التشهد والسلام، ولا يرفع القعدة لأنها ركن.
(1) رواه أحمد ومسلم (نيل الأوطار:116/ 3). قال ابن المنذر: حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب.
(2)
انظر كل ما يتعلق بالسهو في فتح القدير:355/ 1 - 374، البدائع: 163/ 1 - 179، اللباب:95/ 1 - 100، مراقي الفلاح: ص79 - 81، الشرح الصغير:377/ 1 - 400، القوانين الفقهية: ص73 - 79، مغني المحتاج:204/ 1 - 214، كشاف القناع:459/ 1 - 481.
وإنما يجب على الإمام والمنفرد، أما المأموم (المقتدي) إذا سها في صلاته، فلا يجب عليه سجود السهو (1)، فإن حصل السهو من إمامه، وجب عليه أن يتابعه، وإن كان مدركاً أو مسبوقاً في حالة الاقتداء (2)، وإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم؛ لأن متابعته لازمة، لكن المسبوق يتابع في السجود دون السلام.
ووجوب سجود السهو إذا كان الوقت (أو الحالة) صالحاً للصلاة، فلو طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر، أو احمرت الشمس في صلاة العصر، سقط عنه السهو؛ لأن السهو جبر للنقص المتمكن كالقضاء، ولا يقضى الناقص. وإذا فعل فعلاً يمنعه من البناء على صلاته: بأن تكلم أو قهقه، أو أحدث متعمداً أو خرج عن المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له، سقط عنه السهو ضرورة، لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة.
والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين إذا حضر فيهما جمع كبير، لئلا يشتبه الأمر على المصلين. وإذا سها في سجود السهو فلا سجود عليه.
ودليل وجوب سجود السهو: حديث ابن مسعود: «وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين» (3). وحديث ثوبان: «لكل سهو سجدتان بعدما يسلم» (4)، فيجب تحصيلهما تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في خبره، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته عليه، والمواظبة دليل الوجوب،
(1) لأنه إذا سجد وحده كان مخالفاً لإمامه، وإن تابعه ينقلب الأصل تبعاً.
(2)
المدرك: هو الذي أدرك الإمام أول صلاته، وفاته بعضها بعد الشروع بسبب النوم أو الحدث السابق، بأن نام خلف الإمام، ثم انتبه وقد سبقه الإمام بركعة. والمسبوق: الذي سبقه الإمام بركعة أو أكثر. وإن سها المسبوق فيما يتمه يسجد له، وإن سبق له سجود مع الإمام.
(3)
رواه الجماعة إلا الترمذي (نصب الراية:167/ 2، نيل الأوطار:117/ 3).
(4)
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وهو ضعيف.
ولأنه شرع جبراً لنقصان العبادة، فكان واجباً كدماء الجبر في الحج، تحقيقاً لكمال أداء العبادة.
وقال المالكية: سجود السهو سنة مؤكدة للإمام والمنفرد. أما المأموم حال القدوة فلا سجود عليه بزيادة أو نقص لسنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين؛ لأن الإمام يتحمله عنه. فلو سها فيما يقضيه بعد سلام الإمام، سجد لنفسه.
وأما المسبوق الذي أدرك ركعة مع إمامه، فيسجد مع إمامه السجود القَبْلي المترتب على الإمام، قبل قضاء ما عليه، إن سجد الإمام، وإن لم يسجد الإمام، وتركه، سجد المأموم لنفسه، قبل قضاء ما عليه، وأخَّر السجود البَعْدي الذي ترتب على إمامه، ويسجده بعد سلامه، فإن قدمه بطلت صلاته.
وقال الشافعية: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يسجد لسهو نفسه خلف إمامه المتطهر، ويتحمل الإمام عنه سهوه في حال قدوته، كما يتحمل عنه القنوت وغيره، أما المحدث فلا يتحمل عنه، ولا يلحقه سهوه، إذ لا قدوة في الحقيقة.
ويجب سجود السهو في حالة واحدة: وهي حالة متابعة المقتدي لإمامه ولو كان مسبوقاً، فإن سجد لسهو وجب أن يسجد تبعاً لإمامه؛ لأن المتابعة لازمة، فإن لم يسجد بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها إن لم يكن قد نوى المفارقة، إلا إن علم المأموم خطأ إمامه في السجود للسهو، فلا يتابعه. ولو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه أو قبله في الأصح، فالصحيح أنه يسجد معه، ويستحب أن يسجد أيضاً في آخر صلاته، لأنه محل السهو الذي لحقه.
وإذا ترك الإمام سجود السهو، لم يجب على المأموم أن يسجد، بل يندب.
ولو سها إمام الجمعة وسجدوا، فبان فوتها، أتموا ظهراً وسجدوا ثانياً آخر الصلاة؛ لأنه تبين أن السجود الأول ليس في آخر الصلاة.
ولو ظن المصلي أو اعتقد سهواً، فسجد، فبان عدم السهو، سجد في الأصح، لأنه زاد سجدتين سهواً. وضابط هذا: أن السهو في سجود السهو لايقتضي السجود، والسهو به يقتضيه.
وقال الحنابلة: سجود السهو واجب، وقد يكون مندوباً، وقد يصبح مباحاً. ويجب سجود السهو لما يأتي:
أـ لكل ما يبطل عمده في الصلاة بالزيادة أو النقص كترك ركن فعلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في حديث أبي سعيد وابن مسعود، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» .
ب ـ لترك كل واجب سهواً كترك التسبيح في الركوع أو السجود.
جـ ـ للشك في الصلاة في بعض صوره كالشك في ترك ركن أو في عدد الركعات.
د ـ لمن لحن لحناً يغير المعنى، سهواً أو جهلاً.
ويندب سجود السهو: إن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام سهواً أوعمداً كالقراءة أو القعود، وكالتشهد في القيام، وكقراءة سورة في الركعتين الأخريين.
ويباح سجود السهو لترك سنة من سنن الصلاة.
هذا التفصيل بالنسبة للإمام والمنفرد، أما المأموم فيجب عليه متابعة إمامه في السجود ولو كان مباحاً، فإن لم يتابعه بطلت صلاته. وعلى المسبوق أيضاً متابعة