الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال (ن): وأنَّ الكثير من العمَل كخُطُواتٍ إذا كان سَهْوًا لا يُبطِل، وإنْ كان المَشهور من المَذهب خلافُه، نعَمْ، تأويل الحديث ضعيفٌ.
قلتُ: ولذلك رجَّحَ في "التَّحقيق" أنَّها لا تبطُل بذلك.
* * *
89 - بابُ الْمَسَاجِدِ التِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضعِ التِي صلَّى فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
-
(باب المَساجِد التي على طُرُق المَدينة)، أي: مدينة النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
483 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ ابْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يتحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَحَدَّثَنِي ناَفِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي في تِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا وَافَقَ ناَفِعًا في الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنهمَا اخْتَلَفَا في مَسْجدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ.
الحديث الأَوَّل:
(المقدمي) بفتح الدَّال وتَشديدِها.
(يتحرى)؛ أي: يَقصِد، ويَختار، ويَجتهد.
(أباه)؛ أي: عبد الله بن عُمر.
(وأنّه رأى) إنْ كان الضَّمير لسَالمٍ فمُرسلٌ.
(وحدثني) عطفٌ على (رأَيتُ)، فيكون من كلامِ ابن عُقبة.
(وسألت) عطفٌ عليه أيضًا.
(شرَف) بفتح المُعجَمَة والرَّاء، وبالفاء: المَكان العالي.
(للروحاء) بفتح الرَّاء وسُكون الواو، ثم حاءٌ مُهمَلةٌ ممدودةٌ: بينَه وبين المدينة سِتَّةٌ وثلاثون مِيْلًا، ذكَره مسلم في (باب الأذان).
* * *
484 -
حَدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ المُنذِر، قَالَ: حَدَّثنا أَنسُ بنُ عِياضٍ، قَالَ: حَدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، عَن ناَفِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ، وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ، تَحْتَ سَمُرَةٍ في مَوْضعِ الْمَسْجدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ في تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَناَخَ بِالْبَطْحَاءَ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ، فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبحَ، لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ، وَلَا عَلَى الأكمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجدُ كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللهِ عِنْدَهُ، في بَطْنِهِ كُثُبٌ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحَا السَّيلَ فِيهِ بِالبَطْحَاءَ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ
المكَانَ الّذي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُصلِّي فِيهِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى حَيْثُ المَسْجدُ الصَّغيرُ الَّذِي دُونَ المَسْجدِ الَّذِي بِشَرفِ الرَّوحاءَ، وقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَعْلَمُ المَكَانَ الَّذِي كَانَ صلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ثَمَّ عَنْ يَمِينكَ حِينَ تَقُومُ في الْمَسْجدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى، وَأنتَ ذَاهِب إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأكبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
(المنذر) بإعجام الذَّال.
(الحزامي) بكسر المُهمَلة وبالزَّاي.
(الحُليفة) بضَمِّ المُهمَلة: المِيْقات المَشهور.
(يقول) ذكَره بالمُضارع؛ لأن عُمَرهُ متعددةٌ بخلاف قوله: (وفي حجَّتِه حين حَجَّ) لأنَّ ذلك مرَّةً واحدةً.
(سَمُرة) واحد السَّمُر بفتح السِّين وضَمِّ الميم: شجَرُ الطَّلْح، كِبَارٌ لها شوك.
(كان) صفةٌ لغَزْوٍ، وفي بعضها:(غَزْوَةٍ) بالتَّاء، فتذكير الضمير باعتبار تأويلها بسَفَر، أو راجعٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها:(وكاَنَ)، فالجُملة حاليَّةٌ، وإنَّما لم تُؤخَّر (كان) عن الحجِّ والعُمرة: لأنَّهما لم يَكوناَ إلا مِنْ تلك.
(البطحاء) مَسِيْلٌ واسعٌ فيه دِقَاق الحصَا، وكذا الأَبْطَح.
(شفير الوادي) بفتح المُعجَمَة، أي: حَرْفه وطَرَفه.
(الشرقية) صفة البَطْحاء.
(فعرس) هو نُزول المُسافِر آخر اللَّيل يَقَعون فيه وَقْعةَ الاستِراحة، ثم يرتَحلون.
(يقول: ثم) بفتح المُثلَّثة، أي: هناك.
(عن يمينك)، قال (ع): كذا في جميع النُّسَخ، وهو تصحيفٌ، وصوابه:(بعَواسِج عن يَمينكَ)، فصُحِّف بقوله:(يقول: ثم).
قلتُ: ونحو ذلك قولُه في "المَطالع": وقال الحُمَيْديُّ: إنَّ أصلَه: (ينزل ثم)، فصَحَّفه بـ:(يقول: ثم)، والإِشكالُ باقٍ، والأَوَّل أَبْيَنُ، انتهى.
(يصبح) تامَّة، أي: يدخلُ في الصَّباحِ.
(أكمَة) بفتح الكاف والهمزة والميم: واحدُ آكَام بالفتح، وجمعه إِكَامٌ كجِبَال، وجمعُه أُكُم ككُتُب، وجمعُه آكَام كأَعْنَاق، وهو من الغَرائِب.
(الخليج) بفتح الخاء المُعجَمَة وكسْر اللَّام: النَّهْر.
(كُثُب) بكافٍ ومثلَّثةٍ مضمومتَين: جمعُ كَثيْب، وهي تِلال الرَّمْل.
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو مُرسَلٌ من نافِع.
(فدحا) هو فعلٌ ماضٍ من الدَّحْو، وهو البَسْط أو الدَّفعْ، وفي بعضها:(قَدْ جَاءَ) بلفظ: (قد فَعَلَ) من المَجيء، وهو مَقول نافعٍ.
(حيث) بمُثلَّثةٍ، وفي بعضها:(جُنُب) بجيمٍ فنونٍ فمُوحَّدةٍ.
(المَسجد) على رواية الحاء بالرَّفْع؛ إِذْ لا تُضاف (حيث) إلا إلى جُملةٍ، والتَّقدير: حيثُ هو المَسجِد، وأما على نُسخةِ الجيم فمَجرورٌ بالإضافة.
(ثم) خبَرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: المَكان المَوصوف ثَمَّةَ.
(حافة) بتَخفيف الفاء، أي: جانب.
* * *
486 -
وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءَ، وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ، دُونَ الْمَسْجدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجدٌ، فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللهِ يصلِّي في ذَلِكَ الْمَسْجدِ، كانَ يتركُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ، ويصلي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ، وَكانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءَ، فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْح بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ.
(العرق) بكسر المُهمَلة وسُكون الرَّاء: جُبَيلٌ صغيرٌ، ويُقال: الأَرض المَالِحة التي لا تُنْبِت.
(المنصرف) بفتح الرَّاء.
(ووراءه) بالجرِّ عطفًا على يَساره، وبالنَّصْب بتقديرِ (في) ظَرفًا.
(أمامه)؛ أي: قُدَّامَ المَسجِد.
(السحر): ما بين الفَجْر الكاذِب والصَّادق.
(أو من آخر السحر)، أي: فيكون أقلَّ من ساعةٍ، حتَّى يُغاير الذي قبلَه، أو أُريد الإبهام ليَتناولَ قَدْر السَّاعة وأَقلَّ وأكثَر.
* * *
487 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّويثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ في مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ، حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أكمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّويثَةِ بِمِيلَيْنِ، وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلَاهَا، فَانْثنى في جَوْفهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ.
(سَرْحة) بفتح المُهمَلة وسكون الرَّاء وبالمُهمَلة: واحدُ السَّرَح، وهو شجَرٌ عِظامٌ.
(دون)؛ أي: تَحتَ، أو قَريبَ.
(الرُوَيْثة) بضَمِّ الرَّاء وفتح الواو وسُكون التَّحتانيَّة وبالمُثلَّثة: اسم مَوضِع، وفي بعضها:(الرَّقشة) بفتح الرَّاء وسكون القاف وإعجام الشِّين.
(وُجاه) بضَمِّ الواو وكَسْرها، أي: مُقابِل، عطفٌ على اليمين، وفي بعضها بالنَّصْب على الظَّرفيَّة.
(بطح) بكسر الطَّاء وسكونها؛ أي: وَاسِعٍ.
(يفضي)، أي: يُخرج من أَفْضَى، خرَج إلى الفَضاء، أو بمعنى يَدْفَع كالإِفاضة من عَرَفات، أو الوُصول، والضَّمير في (يُفضي) عائدٌ للرَّسول، أو المَكان، وفي بعضها بتاءِ الخِطَاب.
(دوين) تَصغيرُ دُوْن ضِدِّ فَوْق، ويُقال: هو دُون ذلك، أي: أَقْرَبُ منه.
(البريد)؛ أي: مَوضع البَريد الذي هو المرتَّب، قيل: وسُمِّي البَريد بَريدًا؛ لأنَّه يسير في البَريد، ويحتمل أنَّ المُراد بالبريد: الطَّريق.
* * *
488 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى في طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءَ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلَاثةٌ، عَلَى الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ في ذَلِكَ الْمَسْجدِ.
(تَلْعة) بفتح المُثنَّاة فوقُ، وسكون اللَّام والمُهمَلة: ما ارتَفَع من الأَرض وما انْهَبَط، فهو من الأَضداد، وقيل: التِّلاع مَجاري أَعلا الأَرض إلى بُطون الأَودِيَة.
(العَرْج) بفتح المُهمَلة، وسكون الرَّاء، وبالجيم: مَنْزِلٌ بطَريق مكَّة، وفي بعضها بفتح الرَّاء.
(هضبة) هي الجبَل المُنبَسِط على وجْه الأرض.
قال التيمي: هو فَوق الكَثِيْب ودُون الجبَل.
(رَضْم) بفتح الرَّاء وسكون المُعجَمَة: صُخورٌ عِظَامٌ يُرضَم بعضُها فَوق بعضٍ في الأبْنية.
(السلمات) بفتح المُهمَلة واللَّام: واحدُ سلَمَة، شجَرةٌ يُدبَغ بوَرَقها الأَديم، ورُوي بكسر اللَّام والفتح للشَّجَرة، والكسر للصَّخْرة.
(بين أولئك) وفي بعضها: (مِنْ أُولئِكَ)، وهو في النُّسخة الأُولى ظاهرُ التَّعلُّق بما قبلَه، وفي الثَّانية بما بعدَه.
(الهاجرة) نِصْف النَّهار عند اشتِداد الحَرِّ.
* * *
489 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، في مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ الْمَسِيلُ لَاصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ، هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ.
(سرحات) بفتح الرَّاء.
(هرْشا) بفتح الهاء، وسكون الرَّاء، وإعجام الشِّين، وبالقصر: ثَنِيَّةٌ معروفةٌ في طَريق مكَّة قريبًا من الجُحْفَة يُرى منها البَحْر.
(كراعها) ما يُقَدُّ منها دُون سَفْحها.
(غلْوة) بفتح المُعجَمَة وسُكون اللَّام: غَايَةُ ما يَصِلُ إليه رَمْيةُ سَهْمٍ ثُلُثا مِيْلٍ، وقيل: مئة بَاعٍ.
* * *
490 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ في الْمَسِيلِ الَّذِي في أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ، قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ في بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ.
(مَرّ) بفتح الميم وشَدَّة الرَّاء: قريةٌ ذاتُ نَخْلٍ وثمارٍ، (الظُّهران) اسمٌ للوادي، بظاءٍ معجمة مفتوحةٍ، وهاءٍ ساكنةٍ، على أَميال من مكَّة إلى جِهَةِ المَدينة، وهو: بَطْنُ مَرٍّ، والعامة تقول: بَطْن مَرْوٍ.
(قِبَل) بكسر القاف، أي: مُقابِل.
(الصَّفراوات)؛ أي: الأَودية والجِبَال، وفي بعضها:(وَادي الصَفْراوات).
(تنزل) بتاءِ الخِطَاب.
(ذي طُوى) بالضَّمِّ: موضعٌ بمكَّة، قاله الجَوْهَري، وأما طِوَى فموضع بالشَّام، تُكسر طاؤه وتُضَمُّ، يُصرف ولا يُصرف، وجوَّز (ن)
ذلك كلَّه في الأُولى، قال: وهو موضعٌ بمكَّة بأسفلها.
(أسفل) بالرَّفْع خبرُ مبتدأ محذوفٌ، وبالنَّصْب، أي: في أسفل.
* * *
492 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبةِ، فَجَعَلَ الْمَسْجدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأكمَةِ، وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأكَمَةِ السَّوْداءَ، تَدَعُ مِنَ الأكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ.
(فُرْضتي) بضَمِّ الفاء، وسكون الرَّاء، وبإعجام الضَّاد، والفُرْضة: المُقتَطَع، وفُرضَة النَّهر: ثَلْمَتُه التي يُستقَى فيها.
(نحو)؛ أي: ناحيةَ، تعلَّق بالطَّويل، أو ظَرْفٌ للجبَل، أو بدلٌ من الفُرضة.
(فجعل) الظَّاهر أنَّه من كلام نافِع، وفاعله عبد الله.
(ويسار) مفعولٌ ثانٍ لـ (جعَلَ).
(بطرف) صفةٌ للمَسجد الثَّاني.
واعلم أَنَّ قوله في الأَوَّل: (أَنَّ عبدَ اللهِ أَخْبَرَهُ)، وفي السَّبْعة البواقي:(حَدَّثَه) على قول من فَرَّق بأَنْ أخبَر في القِراءة على الشَّيخ، وحدَّث في قراءة الشَّيخ واضحٌ، لكنَّ الظَّاهر أنَّهما هنا بمعنًى.
قال (ط): إنَّما كان ابن عمر يُصلِّي في هذه المواضع للتَّبرُّك، فلم يَزَل النَّاس يتبرَّكون بمواضع الصَّالحين، وأما ما رُوي من كراهة عمر لذلك، فلأنَّه خَشِيَ أن يلتزمَ النَاس الصَّلاة فيه، فيُشكلَ على مَن يأتي بعدهم، فيَراه واجبًا، فيَنبغي للعالِم إذا رآهم التزَموا نَفْلًا رخَّص لهم في تَركه مرَّةً ليُعلم أنَّه غير واجبٍ كما فعَلَ ابن عبَّاس في تَرْك الأُضحية.
* * *