الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - بابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرٌ وَأبَو سَعِيدٍ في السَّفِينَةِ قَائِمًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ، تَدُورُ مَعَهَا وَإِلَّا فَقَاعِدًا.
(باب الصَّلاة على الحَصِير)
(في السَّفِيْنةِ قَائِمًا) متعلِّقان بكل من جابر وأبي سعيد، وفي بعضها:(قياما).
(تَشُقُّ) بضَمِّ الشّين.
(تَدُورُ مَعَهَا) جملةٌ حاليَّةٌ من أَصحابك، والضَّمير في (معها) راجعٌ إليها.
قال (ط): أجازَ قومٌ من السَّلَف أَنْ يُصلُّوا في السَّفينة جُلوسًا، وهو قول أبي حنيفة.
ووجْهُ مُطابقة الصَّلاة في السَّفينة للتَّرجمة: أَنَّ الصلاةَ لمَّا لم يُشترطْ فيها مُباشَرة الأرض، وجازَتْ على السَّفينة، فكذا الحَصِيْر، حتى لا يُتخيَّل غيرُ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:"عَفِّرْ وَجْهَكَ بالأَرْضِ".
(وإِلَّا فقَاعِدًا)؛ أي: فَصَلِّ قَاعِدًا، فنصبَه بالفعل.
* * *
380 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فَلأُصلِّ لَكُمْ"، قَالَ أَنسٌ: فَقمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ وَالْيتيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ركعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
(جَدَّته)؛ أي: جَدَّة إسحاق، فالضَّمير عائدٌ إليه لا إلى أنس؛ لأنَّها أُم أنَس.
(مُلَيْكَة) بضَمِّ الميم: هي أُمُّ سُلَيم، وقيل: ليس اسم أُمِّ سُلَيم مُلَيْكَة، وإنَّ الضَّمير في جَدَّته عائدٌ إلى أنس، لكنَّ الأَوَّل أَشهَر، فقد رُوي: أَن أنسًا كان إذا قال: إِنَّ جَدَّتَه يُشير بيده إلى إسحاق.
(فَلأُصلِّ) رواية الكُشْمِيْهَني: (فأُصَلِّي) بغير لامٍ ساكنةِ الياء، وهي واضحةٌ، ورَواها غيرُه بوجوهٍ:
الأَوَّل: (فَلأُصَلِّي) بلامٍ مكسورةٍ وفَتح الياء، على أنَّها لامُ (كي)، والفِعل بعدَها منصوبٌ بأَنْ مُضمرةً، إما على زيادة الفاء على رأْي الأَخْفَش، واللَّام مُتعلِّقةٌ بـ (قُومُوا)، أو أَنَّ المَصدر المُؤَوَّل خبرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: فقِيامكم لصَلاتي لكم.
الثَّاني: (فَلأُصلِّي) بكسر اللَّام وسُكون الياء، فيحتمل أنَّها لامُ كي، وسُكِّنت الياءُ تخفيفًا، وهي لغةٌ مشهورةٌ، خُرِّج عليها قراءةُ الحسَن:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]، أو لامُ أمرٍ وتَثبتُ
الياء في الجَزْم إجراءً للمُعتلِّ مجرى الصَّحيح، كقراءة قُنبُل:{من يتقي ويصبر} [يوسف: 90].
الثَّالث: بفَتح اللَّام مع تَسكين الباء، فهو كقوله تعالى:{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا} [الفرقان: 42] فاللَّام للابتِداء، وهي لامُ الأَمْر، فُتِحت على لُغة سُلَيم، وتُسكَّن الباءُ حينئذ كما سبق.
قال (ك): أو جَواب قَسَمٍ محذوفٍ، والفاء جوابُ شَرطٍ محذوفٍ، أي: إِنْ قُمتُم فواللهِ لأُصَلّ لكم.
قال (ش): غلَّط ابن السِّيْد مَنْ تَوهَّم أنَّه قسَمٌ؛ لأنَّه لا وَجْهَ للقسَم، ولو أُريدَ ذلك لقال: فلأُصليَنَّ بالنُّون، ولهذا قال صاحب "المُفْهِم": إِنَّ فتح اللَّام وتَسكينَ الياء أَشبَهُ الرِّوايات.
الرَّابع: قال ابن السِّيْد: إنَّ الرِّواية الصَّحيحة: (فلأُصَلِّ) بكسر اللَّام وحَذْف الياء؛ لأَنَّ الأَمرَ إذا كان للمُتَكلِّم أو غائبٍ كان باللَّام أبدًا، أو لمُخاطَبٍ كان باللَّام وبغير اللَّام.
قال ابن مالك: وأَمْر المُتَكلِّم نفسَه بفعلٍ مَقرونٍ باللَّام، فصيحٌ قليلٌ في الاستِعمال، ومنه:{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]، نعمْ، سُلَيم تَفتح لام الأَمر، كما سبَق، وقُرَيش تُسَكِّنُ بعد الواو والفاء وثم.
(لَكُمْ)؛ أي: لأَجلكم، وإِنْ كان الظَّاهر أن يقول: بكُم.
(واليتيْمُ) بالرَّفْع؛ نَعَمْ، في روايةٍ إسقاطُ (أنا)، فيَكون عطْفًا
على الضمير المَرفوع المُتصِل بلا فَصْلٍ، والغالِب إنَّما هو مع التَّأكيد نحو:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35] وجوز نَصْبُ (اليتيم) على المَفعول معَه، وهو ضُمَيرة -بضَمِّ المُعجَمَة وسُكون المُثنَّاة تحت وبالرَّاء- ابن سَعيد الحِمْيَري، وهو جَدُّ حُسين بن عبد الله بن ضُمَيْرة.
(والعَجُوزُ)؛ أي: أُمُّ سُلَيم السَّابقة.
(مِنْ وَرَائِنَا) بالكَسْر على المَشْهور، وجُوِّز فيه الفَتح على أَنَّ (مَنْ) مَوصولةٌ.
(انْصَرَفَ)؛ أي: من الصَّلاة، أو مِنْ دارهم، ففي الحديث إجابةُ الدَّاعي في غَيرِ وليمةِ عُرسٍ، والأكَلُ من طَعامها، وصلاةُ الجماعة في النَّفْل، وفي البُيوت، وفي دار الدَّاعي، وتَبرُّكُه بها، قيل: ولعلَّه أَرادَ تعليمَهم الصَّلاةَ مُشاهدة؛ فإِنَّ المرأة قَلَّ ما تُشاهد ذلك في المَسجِد، وتَنظيفُ مكان المُصلِّي، وتَبريدُه، وقيامُ الطِّفل مع الرَّجل في صَفٍّ، وصحَّةُ صلاة المُمَيِّز، وتأخيرُ النِّساء، وأنَّها تَقف وَحْدَها إذا لم تَكُن امرأةٌ أُخرى، وأَنَّ الأَفضَل في نافِلَة النَّهار رَكعتان كاللَّيل، وأَخَذَ منه المَالكيَّة أنَّه لو حَلَف لا يَلبَس ثَوبًا فافتَرشَه حَنِثَ.
قال (ن): أجابَ أصحابُنا: بأنَّه لا يُسمَّى لُبْسًا عُرفًا، والأَيمانُ مَنُوطةٌ بالعُرف، وحُمِلَ في الحديث اللُّبْسُ على الفِراش إنَّما هو للقَرينة، ولأنَّه المَفهوم منه، ثم نَضْحُه إنَّما كان ليَلينَ؛ لأنَّه كان من جَرِيْد، ولذَهابِ الغُبار ونحوِه، وقال (ع): إنَّه للشَّكِّ في نَجاستِه،