الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 - بابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أَن يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ
(باب حدِّ المَريض أنْ يَشهَد الجَماعةَ)، حَدُّ بالمُهمَلة، أي: حِدَّتُه وحِرْصه على شُهودها، وقيل: بالجيم من الاجتهاد.
664 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ الأَسْوَدُ، قَالَ: كنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَذَكَرْناَ الْمُوَاظَبةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:"إِنكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَخَرَجَ أبو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فأراد أبو بَكْرٍ أَنْ يتأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ، قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأبَو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نعمْ، رَوَاهُ أبو داوُدَ، عَنْ شُعْبة عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ، وَزَادَ أبو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ، عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أبو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا.
الحديث الأَوَّل:
(والتعظيم) منصوبٌ عطفٌ على المُواظبة.
(فأذِّن) مبنيٌّ للمفعول.
(فليصل) عطفٌ على (مُرُوا)، أي: فقولوا له ذلك، وقد خرَج بهذا الأمر أنْ يكون من قاعدة الأَمْر بالأَمْر بالفعل؛ فإنَّ الصَّحيح في ذلك أنه ليس أمرًا بالفعل.
(أَسِيف)؛ أي: شديدُ الحُزْن، رَقيق القلب، سَريع البكاء.
(لم يستطع)؛ أي لشِدَّة الحُزن، وغلَبة البكاء.
قال الزَّمَخْشَري في "الفائق": ويُقال فيه أيضًا: أَسِفٌ وأَسُوفٌ.
(وأعادوا)؛ أي: الحاضرون.
(صواحب)؛ أي: مثلُهنَّ في التَّظاهر على ما يُرِدْنَ، وكثْرةِ الإلحاح فيما يَمِلْنَ إليه؛ لأنَّ عائشة وحفصة بالَغتا في المُعاودة إليه في كونه أسِيفًا لا يستطيع ذلك.
(يُهادَى) بالضَّمِّ مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي بينهما معتمدًا عليهما من ضعفه متمايلًا إليهما.
(يخطان)؛ أي: لم يَقدر على رفعهما من الأرض.
(أَنْ مكانك) بفتح الهمزة، وسكون النُّون، ونَصْب مكان، أي: الْزَمْ مكانَك.
(به)؛ أي: بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(بصلاة أبي بكر)؛ أي: يُصلُّون بصلاته، وفي بعضها التَّصريح به، وليس ذلك من الاقتداء بمأمومٍ؛ لأنَّهم إنَّما يَقتدون بصَوته الدَّالِّ على فِعْل الإمام، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فهو مُبلِّغ عنه.
(رواه أبو داود)؛ أي: سليمان الطَّيالِسي، وقد وصلَه البيهقيُّ.
(وزاد أبو مُعاوية)؛ أي: محمَّد بن خازم بالمُعجَمَة، والزَّاي: الضَّرير، وقد وصلَه البُخاري في (باب يأتَمُّ الرَّجل بالإمام).
وفي الحديث: جواز الأخْذ بالشِّدَّة دون الرُّخصة؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُمكِنُه التخلُّف للمرَض، وأنه يجوز أن يقتدي بإمامٍ فيُفارقُه، ويقتدي بآخر، وإنشاءُ القدوة في أثناء الصَّلاة، وجوازُ المرَض على الأنبياء لتكثير الأجر، ولتَسلِيَةِ النَّاس بهم، ولئلَّا يُفتتن النَّاس بهم، فيعبدونَهم، ومُعاودة وليِّ الأمر على وجْهِ العَرْض والمُشاورة فيما يظهر لهم أنَّه مصلحةٌ، وجوازُ الاستِخلاف، وفضْل أبي بكر وترجيحه على سائر الصَّحابة، وأنَّه أحقُّ بالخلافة، واتباع صوت المُكبِّر، وصحَّة صلاة المُسمِع والسَّامع، ولا حاجةَ لإذْن الإمام، والالتفات في الصَّلاة، وملازمة الأدَب مع الكبار، وخرْق الإمام الصَّفَّ للحاجة، واقتداءُ المُصلِّي بمن يُحرِم بعده، لأنَّه صلى الله عليه وسلم إنَّما أحرَم بعد إحرام أبي بكر، وصلاةُ القائم خلْف القاعد خلافًا للمالكيَّة، وفيه الحُجَّة على أحمد في أنَّ الإمام إذا صلَّى قاعدًا يُصلُّون خلْفه قعودًا؛ لأنَّ هذا آخر عهده صلى الله عليه وسلم.
* * *
665 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرني عُبَيْدُ الله بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَينَ رَجُلَينِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
الحديث الثَّاني:
(ثقل)؛ أي: اشتَدَّ مرَضه، وركَدت أعضاؤه عن خِفَّة الحرَكات.
(فأذن) مبنيٌّ للمفعول من الإذْن، وفي بعضها:(أَذَّنَ) بتشديد النُّون والبناء للفاعل.
(لم تسم)؛ أي: تُسَمِّ لما سيأتي لا لعداوةٍ ولا احتقارٍ.
قال (ن): وثبت أيضًا أنَّه جاء بين رجلَين أحدهما: أُسامة، وأنَّ الفضْل بن العبَّاس كان آخذًا بيده الكريمة، ووجْهُ الجمْعِ أنهم كانوا يَتناوبون، والعبَّاس ملازم للأخْذ باليد إكرامًا باختصاصه بذلك لما له من السِّنِّ والعُمومة وغيرها، ولذلك اقتصرت عائشة على ذكره دون الآخر؛ لعدَم ملازمة غيره، وفيه فضل عائشة على سائر زوجاته، وأنَّ القَسْم كان واجبًا عليه.
* * *