الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإِخبار الرَّسول صلى الله عليه وسلم.
(في طهوره) بضَمِّ الطَّاء، أي: التَّطهُّر.
(وترجله)؛ أي: تَمشيطِه الشَّعر.
(وتنعله)؛ أي: لُبْسِه النَّعل، فقوله:(في طُهوره) هو وما بعدَه بدلٌ من (شَأْن) بدلَ بعض؛ لأَنَّ الشَّأْن أَعمُّ لا سيَّمَا وأكُّد بـ (كُلٍّ)، لكنْ يقتضي حينئذٍ قَصْر الَّحَكم على البدَل، فيُجاب إما بأَنَّ ذكْر الثَّلاثة لشرَفِها، وبيانِ الاهتمام بها، لا لنفْي غيرِها، أو أنَّه بدَلُ كلٍّ من كلٍّ على أَنْ يكون الطُّهور مفتاح العبادات، والتَّرجُّل يتعلَّق بالرَّأس، والتَّنعُّل يتعلَّق بالرِّجل، وأحوال الإنسان مُنحَصرةٌ في الأَعلى والتَّحْت والأَطراف، فنبَّهَ على كل منها بمثالٍ.
* * *
48 - بابٌ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكي الْجَاهِلِيةِ، ويُتَّخَذُ مَكانُهَا مَسَاجِدَ
؟
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ في الْقُبُورِ.
وَرَأَى عُمَرُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، وَلَمْ يَأمُرْه بِالإعَادَةِ.
(باب: هل تُنبش قُبور مُشركي الجاهلية) إلى آخره.
(مكانها) بالنَّصْب.
(مساجد) بالرَّفْع نائبُ الفاعل في (يُتَّخَذ)، ثم إنْ قُلنا: إنَّه مُتعدٍّ لواحدٍ فنَصْب مكانها على الظَّرفيَّة، أو لاثنين، فيكون مكانها هو المفعول الثَّاني بعد نيابة مساجد عن الفاعل، ويجوز العكس، فيُجعل النَّائبُ مكانها، ويُنصب مساجد؛ لأنَّهما معرفتان، كما يجوز مثل ذلك في مفعولَي أعطى؛ لأنَّه بمعناه.
(لقول النبي صلى الله عليه وسلم) وجْهُ الاستدلال أنَّ اللَّعنة لهم لاتخاذهم قُبور الأنبياء، فجاز أن يُتخذ قبورُ غيرهم، أي: تُبنى المَساجِدُ عليها بعد ذَهاب أثَرها.
(وما يكره) عطفٌ على (هل تُنبَشُ)؛ أي: باب الحكم في الأمرَين: اتخاذ المَساجِد مكان القُبور، أو اتخاذها بين القُبور، وهو وإن كان عطفَ خبريَّةٍ على طلبيَّةٍ، لكن جاز؛ لأنَّ الاستفهام التَّقريريَّ في حكم الخبَريَّة.
(القبر) منصوبٌ على التَّحذير، محذوفُ العامل وجوبًا، وفي بعضها قرنه بهمزة الاستفهام للإنكار، أي: أتصلِّي عند القَبْر؟، فيُكره؛ لأَنَّ عدَمَ الأمر بالإعادة دليل الجواز، وهذا الأثر عن عمر شاهدٌ لصدر التَّرجَمة، والحديث الآتي في بناء مسجده صلى الله عليه وسلم شاهدٌ لآخرها.
* * *
427 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرتا لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالح فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
الحديث الأَوَّل:
(كنيسة) بفتح الكاف: مَعبَدُ النَّصارى.
(رأتاها) بالتَّثنية، وفي بعضها:(رأَيْنَها)، بنون الجمع، إما لأَنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو معهما غيرهما من النِّسوة.
(فمات) عطفٌ على (كان).
(بنوا) جواب (إذا).
(أولئك) -بكسر الكاف- (شرار) جمع شَرٍّ، كخِيَار جمع خَيْر.
ووجْه تعلُّق التَّرجَمة بهذا الحديث مع أنَّه ما دلَّ إلا على مَذَمَّةِ مَنِ اتَّخذ القَبر مَسجِدًا، ولا يُناسب صدرَها؛ لأنَّه عكسه، ولا آخرَها، لأنَّها كراهةٌ، وهذا تحريمٌ، [إلا] أن يُقال: المَذَمَّة على التَّصوير، وهو حرامٌ لا على الاتخاذ، ولئِنْ سُلِّم فمُراد التَّرجَمة اتخاذ قُبور غَير الأَنبياء، ومَنْ في حُكمهم من الصَّالحين، فقد تعلَّق بأوَّل التَّرجَمة؛ لأنَّه موافقٌ لحديث:"لَعَنَ اللهُ اليَهود"، وبآخرها من حيث إنَّ بناء المَسجِد على القبر مُشعِرٌ بالصَّلاة فيها، وحينئذ إمَّا أن يُريد بالكراهة
التَّحريم، فهو المُراد بالمَذَمَّة، أو التَّنزيه، فتُعاد المَذَمَّة للتَّصوير لا للاتخاذ، نعَمْ، قوله:(شِرار الخَلْق)، يقتضي الكُفر، والمُصَوِّر عاصٍ لا كافِرٌ؟ فيُجاب عنه بأنَّهم إذا صَوَّروها عبَدُوها فهم كفَّارٌ.
قال (ط): نُهوا عن اتخاذهم القُبورَ، وجعلها آلهة.
* * *
428 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ، في حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كأنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى ألقَى بِفِنَاءَ أَبِي أيُّوب، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْركَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي في مَرَابِضِ الْغَنَم، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءَ الْمَسْجدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ:"يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ هَذَا"، قَالُوا: لَا وَاللهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ، فَقَالَ أَنسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أقولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجزُونَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
"اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ
…
فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"
الحديث الثَّاني:
(أبو التياح) بفتح المُثنَّاة فوقُ، وتشديد المُثنَّاة تحتُ، وآخره حاءٌ مُهمَلةٌ: يزَيْد الضَّبْعي.
(حي)؛ أي: قَبِيْلة.
(عمرو) بالواو.
(عَوْف) بالفاء.
(أربع عشر) ولبعضهم روايتُها: (أربعًا وعشرين).
(النجار) بتشديد الجيم، أبو قبيلةٍ من الأنصار.
(متقلدين) نصبٌ على الحال.
(السيوف) منصوبٌ به، ويُروى:(مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ) بالإضافة، والتَّقليد: جَعْلُ نِجاد السَّيف على المَنْكِب، وحكمةُ مجيئهم كذلك خَوف اليهود، وليُروا ما أَعدُّوه لنُصرته.
(راحلته) هي المَركِب من الإبِل ذكرًا كان أو أُنثى.
(رِدفه) هو المُرتَدِف، أي: يَركب خلْفَ الرَّاكب.
(ملأ) بفتح الميم واللَّام وبالهمز، أي: جماعةٌ أشرافٌ.
(ألقى)؛ أي: رحلَه.
(بفناء) بكسر الفاء: هو ما امتدَّ من جوانب الدَّار.
(أبي أيوب) خالد.
(ويُصلِّي) عطفٌ على يُحبُّ، لا على يُصلِّي.
(مرابض) جمع مَرْبِض، وهو مَأوى الغنَم، ورُبوض الغنَم مثل بُروك الإبل.
(أمر) بالبناء للفاعل، وفي بعضها مبنيٌّ للمفعول، أي: من عند الله.
(ثامنوني)؛ أي: اذكُروا لي ثَمنَه، وبِيْعوني بالثَّمَن.
(إلا إلى الله عز وجل لم يقولوا: من الله؛ لأنَّه ضُمِّن معنى يُصرَف ثَمنُه في المُستقبل إلى الله، فلا نطلبُه من أحدٍ.
(قبور) بالرَّفْع بدلٌ من (ما أقول)، أو بيانٌ.
(خرب) بمعجمةٍ مفتوحةٍ وراءٍ مكسورة، واحدُه خَرِبَة كنَبِقٍ ونبِقَة، ورُوي بكسر الخاء وفتح الرَّاء جمع خِرْبة كنِقْمَةٍ ونِقَمٍ.
وقال (خ): لعلَّ الصَّواب خُرب جمع خُربة بضَمِّ الخاء فيهما، وهو الخُروق التي في الأرض، أو جِرَف بكسر الجيم وفتح الرَّاء جمع جِرْفة التي هي جمعُ جَرَف بفتح الجيم والرَّاء كقُرْطَة جمع قَرَط، وهو ما تَجرَّفتْه السُّيول وأكلَتْه من الأَرض.
قال: ومَنْ رواه بالحاء المُهمَلة والمُثلَّثة أراد المَحرُوث للزَّرع.
قال: وأحسنُ منه لو ساعدَتِ الرِّوايةُ حَدَب بالحاء والدَّال المُهمَلَتين جمع حَدْبة لقوله: (فسُوِّيَتْ)، وإنَّما يُسوَّى المكان المُحدَودِب، وأما الخَرِبة -بالخاء المُعجَمَة والرَّاء- فتُبنَى وتُعمَّر، انتهى.