الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثلِه في علمِهِ وفِقهِه، وتلَخَّص من القِصَّة: أنَّ رأيَ عمرَ وعبدِ الله انتقاضُ الطَّهارة بملامَسَةِ البَشَرتَين، وأنَّ عمارًا حين رأى التّرابَ بدلًا عن الماء استَعمله في جَميع ما يأتي عليه الماء.
قال (ط): وفيه جوازُ التيمُّمِ للخائف من البَردِ، وأنَّ العَطشانَ يتيَمَّمُ، وأنَّ الجُنُب كذلك، إلا ما ذُكِرَ عن عمرَ وابنِ مَسعود لآية:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وآية:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، ولِما كان من رَأيهما أنَّ المُلامَسة ما دونَ الجِماع، وأنَّ التيمُّمَ بدلٌ من الوُضوء لا من الغُسل، وأنَّ الانتقالَ في الحِجاجِ مما فيه خلافٌ إلى ما فيه وِفاقٌ، وذلك جائزٌ عند تعجيل القَطع والإِفحامِ للخَصمِ كما في محاجَجَةِ إبراهيمَ عليه السلام نُمْرُودَ.
* * *
8 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ
(بابٌ: التيمم ضربة) بالنَّصب على الحال إن أَضفتَ (باب)، وإن نوَّنتَه فما بعدَه مرفوعان، مبتدأٌ وخبرٌ.
347 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ أبو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أبو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجدِ المَاءَ
شَهْرًا، أَمَا كانَ يتيَمَّمُ وَيُصَلِّي، فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]؟
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يتيَمَّمُوا الصَّعِيدَ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا، قَالَ: نعمْ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فتمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابّهُّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(إِنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنعَ هَكَذَا)، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أفلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.
وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أبو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثنِي أَناَ وَأنتَ فَأَجْنَبْتُ فتمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْناَهُ فَقَالَ:(إِنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا)، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكفَّيْهِ وَاحِدَةً.
(أبو معاوية)؛ أي: محمَّدُ بنُ خَازِمٍ -بالمُعجمة والزاي- الضَّريرُ.
(الأعمش) سليمانُ.
(أما كان) الهمزة مُقحَمَةٌ، أو للتَّقرير، وعليهما فهو جواب (لو) لكنْ بتقدير القَولِ قبلَ (لو)، أي: يقولُ: لو أنَّ رجُلًا
…
إلى آخره،
فكيفَ تصنَعُ بالآية مع قَولكم: لا يتيمَّم، أو الاستفهامُ باقٍ بتقدير قَولٍ قبلَه، وهو جوابُ (لو)، أي: لو أنَّ رجُلًا أجنبَ يقال في حقِّه: أمَا يتيمم، ويحتملُ أنَّ الجوابَ على هذا فكيفَ تصنَعون؟
(في سورة المائدة) خُصِّصَ بِها، وإن كانت الآيةُ في سورة النِّساء أيضًا؛ لأنَّها آخرُ السُّوَر نزولًا، أو لأنَّ تناولَها للجُنُب أظهرُ؛ لتقديمِ حُكمِ الوُضوءِ فيها.
(قلت) هو مقولُ شقيقٍ.
(هذا)؛ أي: أنَّ الجُنُب لا يتيمَّمُ.
(لذا)؛ أي: للزومِ تيمُّمِ صاحبِ البَرد.
(تمرغ) بالرَّفع، وأصلُه: تتَمَرَّغُ، فحُذِفَت إحدَى التَّاءَين.
(ضربة
…
) إلى آخره، ففيه إِشكال من وجوه:
أحدها: كونُه بضَربَةٍ، وفي الطُّرقِ غيرِها:(ضَربتان)، وكذا رجَّحه (ن): وقال: إنَّ الأصحَّ المنصوصَ: ضَربتان.
ثانيها: الاكتِفاءُ بِمَسحِ ظهرِ كَفٍّ واحدةٍ، والإجماعُ على وجوبِ مَسحِ الكفَّين.
ثالثها: إذا استَعمَلَ التُّراب في ظَهر الشِّمالِ، فكيف يَمسحُ به الوَجهَ، وهو مُستعمَل؟
رابعها: عدمُ مسحِ الذِّراعَين.
خامسها: عدمُ التَّرتيبِ في تقديم الكَفِّ على الوَجه.
والجواب كما قرره (ك): إنَّ الضَّربةَ الواحدة لأحَدِ ظَهري
الكَفِّ، والتقدير: ثمَّ ضرَبَ ضَربةً أُخرى، ومسحَ بِها يدَيه، للإجْماعِ على عَدَمِ الاكتِفاءِ بمسحِ إحدى الكفَّين، فيكونُ المَسحُ الأوَّلُ ليس لكَونه من التيمُّمِ، بل فعلَه صلى الله عليه وسلم خارِجا عنه لتَخفيفِ التُّراب، أو لبيانِ أنَّ تَمَعُّكَ عمَّار تغليظٌ للأمر، والواجبُ دونَه، أو أنَّ الضَّرب ما كانَ للتَّعليمِ بصورةِ الضَّربِ وتخفيفِ الأمرِ على عمَّار، أو أنَّ الواجبَ إيصالُ التُّرابِ للوَجه والكفَّين بضَربةٍ أو أكثرَ كما رجَّحَه الرَّافعيُّ، وهو الأَرجحُ.
وأمَّا مسحُ الذِّراعَين فهو وإن كان أشبهَ بالأصولِ، لكنَّ الأصحَّ رواية مسحُ الكفَّين، وأمَّا الترتيبُ فمحلُّ خلاف، فأبو حنيفةَ لا يوجِبُه، وأمَّا احتمالُ أنَّ التُّرابَ صارَ مُستعملا فيحتملُ أن يكونَ المُراد بالكفِّ الجنسَ، حتى يتناولَ الكفَّين، فمَسح بإحدى الكفَّين ظَهرَ الشِّمال، ثم دلكَ الكفَّ المستعملةَ على غير المُستعملِ، ثم مَسحَ بِها وجهَه.
قال: وأمَّا الجوابُ عن مَسحِ واحدة الظَّهرَ، فهو أن تُحمَلَ (أو) الفاصلةَ على الواو الوَاصلَةِ جَمعًا بين الدَّلائل، أي: تُجعلُ (أو) بمعنَى الواو، انتهى مُلخَّصًا.
(زاد يعلى) بفتح المُثنَّاة وبسكون المهملة وفتح اللام، أي: ابنُ عبيدٍ الطَّنَافِسِيُّ، وقد وَصَل هذا التَّعليقَ أحمَدُ، وابنُ حِبان والإسماعيليُّ، على أنَّه كما قال (ك): يحتملُ أنَّه أدخل تحتَ إسناِد محمَّدِ بنِ سلَّام، أو أنَّ البخاريَّ سَمِعَه منه؛ لأنَّه أَدرَك عَصرَه.
(أنا وأنت) إنَّما أكَّد بِهما الضَّميرَ المَنصوب، وكان الوَجهُ: إيايَ
وإيَّاك؛ لأنَّ الضَّمائِرَ تتقارض، فيحِلُّ بعضُها محلَّ بَعضٍ.
(واحدة) إدخالُ البخاريِّ له في التَّرجَمة يقتضي أنَّه ضَربةٌ واحدة، لكنْ يحتملُ وهو أظهرُ أن يُرادَ مسحةٌ واحدةٌ، وأمَّا الضَّربُ فضَربتانِ، وعلى تقدير ضَربَة، فيُقالُ: كيفَ استَعمَله في الوَجه، ثُمَّ مَسحَ به الكفَّين؟ فجوابُه: أنَّ مَن لا يصيرُ التُّرابُ عندَه مُستعمَلًا بذلك فالسُّؤالُ ساقِطٌ، ومَن يراه مُستَعمَلًا فوَجهُه أن يَمسَحَ الوَجه بكف واحدةٍ ثم ينفُضَ الغُبارَ منَ الكَفِّ غيرِ المُستعمَلة إلى الأُخرى، أو يَدلُكَ إحدى اليدَين بالأُخرى، ثم يَمسحَهُما بذلك.
قال (ط): أخذَ أحمدُ بهذا الحديث أنَّ ضَربةً واحدةً للوَجه والكفَّين.
قال: ولأنَّه إذا بدأَ بمَسحِ وَجهِه فإلى أن يَبلُغَ حدَّ الذَّقنِ لا يبقى في يَدِه شيءٌ من التُّراب، فإذا لم يَحتَج إلى ضَربةٍ أُخرى لباقي الوَجهِ فلا يحتاجُ في اليدِ إلى أُخرى؛ إذ ليسَ هو كالماءِ الذي يجبُ أن يَماسَّ كلَّ جُزءٍ من العُضوِ، وقالَ الثَّلاثة: ضَربتان؛ ضربةٌ للوَجه وضربةٌ لليدَين، كما في الوُضوء؛ [ماءٌ] للوَجه، وماءٌ لليدَين، لكنْ عندَ مالكٍ إلى الكوعَين.
قال: وفي الحديثِ تركُ التَّرتيبِ في التيمُّمِ.
* * *