الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قُلوبهم، وفي جميع أعضائهم، وبين أيديهم، ومِنْ خَلْفهم في الدُّنْيا والآخِرة، فهما ممن جُعِلَ النُّورُ بين أيديهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"بَشِّرِ المَشَّائِيْنَ في الظُّلَمِ إلى المَساجِدِ بالنُّورِ التَّام يَومَ القِيَامةِ"، فجعل لهذَين منه في الدُّنْيا ليَزدادوا إيمانًا بالنبي صلى الله عليه وسلم".
* * *
80 - بابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ في الْمَسْجِدِ
(باب الخَوْخَة) بفتح المُعجَمَة، أي: الباب الصَّغيرة، وقال الجَوْهَري: هو كوَّةٌ في الجِدار تؤدي الضَّوءَ.
466 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ الله خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ"، فَبَكَى أَبو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ في نفسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إنْ يَكُنِ اللهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أبو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! لَا تبكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ في الْمَسْجدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا
بَابُ أَبِي بَكْرٍ".
(النضر) بالمُعجَمَة، وفي بعضها:(أبو النَّضْر، عن بُسْر بن سعيد، عن أبي سعيد)، وفي بعضها:(أبو النَّضْر، عن عُبيد، وعن بُسر، عن أبي سعيد) بواو العطف، وفي بعضها:(أبو النَّضْر، عن عُبيد، عن بِشْر، عن أبي سعيد) بلا واوٍ، أو بينهما أو، وهذه الرَّابعة خطأٌ كما نقلَه الغَسَّاني، عن الفَرَبْري، عن البُخاري؛ لأَنَّ عُبيدًا لم يَروِه عن بُسْر، قال: ولكنْ لعلَّ فُلَيحًا كان يُحدِّث به مرَّة عن عُبيد، ومرَّةً عن بُسْرٍ، ومرَّة عنهما، وكلٌّ صوابٌ، وسيأتي في (باب مناقب أبي بكر) بيانُه.
الحديث الأَوَّل:
(ما عنده)؛ أي: عند الله، وهو الآخرة.
(ما يُبكي) بضَمِّ أوَّله.
(إن يكن) جواب هذا الشَّرط محذوفٌ، يدلُّ عليه السِّيَاق، أو (إنْ) بمعنى: إذ، وفي بعضها:(أَن) بالفَتح، وجعلَه (ش): من تَجويز السَّفَاقُسِي، أي: لأَجْل أَنْ، لكن يُشكل الجَزْم حينئذٍ، فقال ابن مالك: يُقال فيه كما قِيْل في حديث: (لَنْ تُرَعْ)، فإنَّه سكَّن مع أَنَّ (لَنْ) ناصبةٌ، وأن عينَ تُراع سُكِّنتْ للوَقْف، فأشبَه المَجزوم، فحُذفت الأَلف كما تُحذَف في المَجزوم، ثم أَجرَى الوَصْل مَجرَى الوَقْف.
(هو العبد)؛ أي: المُخيَّر.
(أعلمنا)؛ أي: حيثُ فَهِمَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُفارِق الدُّنْيا، فبكَى حُزْنًا
على فِراقه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:(عَبْدًا) بالتنكير؛ ليُظهِرَ نبَاهة أهل العِرفان في تَفسير هذا المُبهَم.
(أَمَنَّ)؛ أي: أكثَر جُودًا بنفسهِ ومالهِ، أي: بلا استِثابةٍ على ذلك، كما في:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] أي: لا تُعْطِ لتَأخُذَ أكثر مِمَّا أَعطَيتَ، لا من المَنِّ الذي يُفسِد الصَّنِيْعة؛ فإنَّه لا مِنَّةَ عليه صلى الله عليه وسلم، بل مِنَّتُه على جميع الخلْق، وفي بعضها:(من أمَنُّ)، فيُشكِل قولَه: أبو بكر، فيُؤَوَّل على أنَّ (مِن أمَنِّ) صفةٌ لمَحذوفٍ، أي: أنَّ رجلًا مِنْ أمَنِّ.
قلتُ: أو يُضمَر الشَّأنُ في (أنَّ)، كما قيل به في حديث:"إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ".
(خليلًا) فَعِيْلًا بمعنى مَفعول، قال الزَّمَخْشَري: هو المُخَالُّ الذي يُخالُّكَ، أي: يُوافقُك في خِلالِكَ، ويُسَامرُك في طريقتِك، من الخِلِّ وهو الطَّريق في الرَّمْل، أو يَسُدُّ خلَلَكَ كما تَسُدُّ خلَلَه، أو يُداخلُك خِلالَ مَنازلِك وحجَبك، وقيل: من الانقِطاع، فخليلُ الله المُنقطِع إليه، والمعنى هنا: لو كنتُ مُنقطِعًا إلى غير الله لانقطَعتُ إلى أبي بكر، أو لو اتَّسَعَ قلبي لغير الله لاتَّسَعَ له، أو نحو ذلك، أي: لَم يُبْقِ فيه مَوضعًا لغيره، فأمَّا قولَ بعض الصَّحابة: سمعتُ خَليلي صلى الله عليه وسلم فانقِطاعٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك انقِطاع إلى الله، أي: فهو اتَّخَذَ النبيَّ - صلى الله عليه 7 وسلم - خليلًا، لا أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَه خَليلًا.
(ولكن أخوة الإِسلام) مبتدأٌ حُذِفَ خبرُه، أي: أَفضَلُ كما صرَّح
بذلك في الحديث الذي بعدَه، وللأَصِيْلي بحذْف الهمزة (خوة)، قال (ط): كذا وقَع، ولا أَعرِف معناه.
قال ابن مالك: مع ضَمِّ النُّون من (لكن)، وسُكونها، فصارتْ ثلاثة أوجهٍ:
الأُولى: السُّكون مع ثبوت الهمزة، وهي الأصل.
والثَّانية: نُقلت ضمَّة الهمزة للسَّاكن قبلَها، وهو النُّون.
والثَّالثة: كذلك، لكن استُثقلتْ ضمةٌ بين كسرةٍ وضمَّةٍ، فسُكِّنت النُّون تَخفيفًا، فهذه فرعُ الفَرعِ.
(ومودته) هي بمعنى الخُلَّة، ففي "الصِّحاح": الخَلِيْل: الصَّديق، أي: الوَدود، ويدلُّ على ذلك أيضًا ما في الحديث الثَّاني:(ولكِنْ خُلَّةُ الإِسلامِ أَفْضَلُ)، وعلى هذا فنَفي الخُلَّة أوَّلًا، وإثباتُ المَوَدَّة ثانيًا، إمَّا لاختلاف متعلَّقهما، فالمُثبَتة ما كانت بحسَب الإِسلام، والمَنفيَّة بجهةٍ أُخرى، يدلُّ عليه:(ولكِنْ خلَّةُ الإِسلام أَفْضَلُ)، وإما لأَنَّ الخُلَّة أخصُّ وأعلا مرتبةً، فاكتفَى من حيث خصوصُها، والإِثبات من حيث العُموم.
قلت: وهو يَرجع إلى الأَوَّل، فإن قيل: الصَّحابة كلُّهم مشتركون معه في أُخوَّة الإِسلام، والسِّيَاق لبيان أَفضلية أبي بكر، قيل: المَودَّة الإِسلاميَّة متفاوتةٌ بحسب التَّفاوت في إعلاء كلمة الله، وتحصيل كَثْرة الثَّواب، فكان أفضلَ من هذه الحيثيَّة، ومما ذُكر من خصوصيَّاته، أو
أَنَّ مَودَّة الإِسلام معه أفضلُ من مودَّته مع غيره.
(لا يُبقين) روي بالبناء للمفعول، وللفاعل، ونونُه مشدَّدةٌ للتَّوكيد، والنَّهي راجعٌ للمُكلَّفين لا إلى الباب، فكنَّى بعدَم البقاء عن عدم الإِبقاء؛ لأنَّه لازِمٌ له كأنَّه قال: لا تُبقُوه، فلا يبقَى كما في: لا رأيتُك هنا، أي: لا تقعُدْ هنا، فلا أَراكَ.
(إلا سُدَّ)؛ أي: إلا بابًا سُدَّ، فالمحذوف هو المُستثنَى، والفعل صفتُه، ثم استثنَى ثانيًا من هذا، أو يُقال: الاستِثناء مُفرَّغٌ، أي: لا يبقَى بابٌ بوجهٍ من الوُجوه إلا بوَجْه السَّدِّ إلا بابُه.
وفي الحديث خصوصيَّةٌ شديدةٌ لأبي بكر حيث تُسَدُّ الأبواب إلا بابه، وأنَّه مُفرَدٌ بأمرٍ لا يُشارَك فيه، وأَولى ما يُصرف ذلك للخلافة بعدَه، ويُؤكِّده أمره بالإمامة في الصَّلاة التي بُني لها المَسجِد، ولأجلها يَدخل إليه من أبوابه، قاله (خ)، قال: ولا أَعلَم في إثباتِ القِياس أَقوَى من إجماع الصَّحابة على استِخلاف أبي بكر مُستدلِّين في ذلك باستخلافه صلى الله عليه وسلم إيَّاه في أعظم أُمور الدِّين، وهو الصَّلاة، فقاسُوا عليها سائر الأُمور.
قال (ن): وأَنَّ المَساجِد تُمنعَ من التَّطرُّق إليها من خَوْخَةٍ ونحوِها إلا لحاجةٍ مهمةٍ إنْ حُمل الحكم على سائر المَساجِد لفظًا، أو كان المُراد مسجدَه صلى الله عليه وسلم، لكنْ يُقاس غيرُه عليه.
قال (خ): وفيه التَّعرُّض بالعِلم للنَّاس، وإنْ قَلَّ فُهماؤُهم خشيةَ أن يدخل عليهم مَساءةٌ أو حُزْن، وأنَّه لا يستحقُّ أحدٌ العلم حقيقةً إلا
مَن فَهِمَ، والحافظ لا يَبلغُ درجةَ الفَهْم، وإنَّما يُقال: عالمٌ بالنَّصِّ لا بالمَعنى، وأنَّ أبا بكر أَعلَمُ الصَّحابة، والحَضُّ على اختيار ما عند الله، والزُّهد في الدُّنْيا، والإعلام بمن اختار ذلك من الصَّالحين، وأنَّ على السُّلطان شُكرُ مَن أحسَن صحبتَه ومعونتَه بنفسه وماله، واختصاصه بما لم يُشارَك فيه، وأنَّ الخليل فَوق الصَّديق والأَخ.
* * *
467 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرج رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ في هَذَا الْمَسْجدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ".
الحديث الثَّاني:
(عاصبًا) قيل: المَعروف: عَصَبَ تَعصيبًا.
(فحمد الله)؛ أي: على وُجودِ الكَمالِ.
(وأثنى)؛ أي: على عدَم النُّقصان.