الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمالهم، وهو عالمٌ بها، والمَلائكة هم الحفَظة على قول الأكثر، ويحتمل أنَّهم غيرهم، وفيه أنَّ ملائكة اللَّيل لا يَزالون حافظين العباد إلى الصُّبح، وذكْرُ الذين باتُوا دون الذين ظلُّوا إما للاكتِفاء نحو:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل:81]، وإما لأَنَّ اللَّيل مَظِنَّةُ المعصية ومَظِنَّة الرَّاحة، فلمَّا لم يعصُوا أو اشتَغلوا بالطَّاعة، فالنَّهار أَولى بذلك، وإما لأَنَّ طرَفَي النَّهار يُعلم من طرَفي اللَّيل.
واعلم أنَّ القَضاء على مُصلِّي العصر بذلك يَصدُق بفعلها في أيِّ وقتٍ كان من أوقاتها الخمْسة المَذكورة في الفقه: وقت الفَضِيْلة، والاختِيار، والجَواز، والكَراهة، والعُذْر بالتَّقديم في الجمْع.
* * *
17 - بابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ
(باب مَنْ أَدرَك ركْعةً من العَصْر)
556 -
حَدَّثنَا أَبُو نَعِيمٍ، قَالَ: حَدَّثنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ".
الحديث الأَوَّل:
(سجدة)؛ أي: ركعةً برُكوعها وسُجودها، فأطلَق البعضَ على الكُلِّ.
فيه دليلٌ على أبي حنيفة في قوله: إذا طلَعت الشَّمسُ وهو في صلاة الصُّبح تبطُل؛ لأنَّه دخَل وقتُ النَّهي عن الصَّلاة بخلاف الغُروب، فالنَّصُّ مقدَّمٌ على القِياس، أما [ما] دونَ الرَّكعة، فلا يُدرك به الوقت؛ لأنَّ قَدْر الصَّلاة يُدرَك به اتفاقًا، وقَدْرُ الرَّكعة بالنَّصِّ فدُونَه لا دليلَ فيه كالتَّكبيرة وما يَقرُب منها، أو لا يكاد يُحَسُّ.
(فليتم)؛ أي: يُتمُّها أداءً كما هو الصَّحيح من الأَوجُه في المَسألة، ثالثها تلك الرَّكعة أداءٌ وما بعدها قَضاءٌ، وفائدة الخلاف: في مسافرٍ نَوى القَصْر وصلَّى ركعةً في الوَقْت، فإنْ قُلنا: الجميعُ أداءٌ فله قَصْرها، أو قضاءٌ أو بعضُها وجَبَ إتمامُها بناءً على أنَّ فائتة السَّفَر تَتِمُّ في القَضاء.
قلتُ: لكن الأَصحُّ جوازُها قصْرًا، أمَّا دُون الرَّكعة فالكلُّ قضاءٌ عند الجمهور.
* * *
557 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ
صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيراطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا! أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيراطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللهُ عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ".
(بقاؤكم فيما سلف) ليس المُراد في الزَّمنِ السَّالِف؛ لأنَّه محالٌ، إنَّما المراد في جُملة من سلَف، أي: في نِسْبتكم إليهم كنِسْبة وقْت العصْر إلى تَمام النَّهار.
(إلى غروب) كان القياس: (ومِنْ)، لكنْ فيه حذْفٌ، أي: من أَجزاء وقت صلاة العصر المُنتهية إلى غُروب.
(عجزوا)؛ أي: انقطَعوا، وماتوا.
(قيراطًا) أصلُه: نِصْفُ دانقٍ، والمُراد به هنا النَّصيب، وسبَق أنَّ أصلَه قِرَّاط بالتشديد؛ بدليل جمعه على قَرارِيْط، وسبَق البحث فيه في (باب اتباع الجنائز من الإيمان)، وكرَّر قيراطًا؛ لأجل القسمة على متعدِّد.
(أي) من حُروف النِّداء، أي: يا.
(أكثر عملًا) هو في اليهود ظاهرٌ، وفي النَّصارى كذلك إذا قُلنا:
أوَّل وقْتِ العصْر مصيرُ ظِلِّ الشَّيء مثلَيه كما يقوله الحنفيَّة، أمَّا من يقول: يدخل بمصير ظِلِّ الشَّيء مثلَه كالشَّافعية، فمُشكِلٌ، فلذلك جعلَه الحنفية من أدلة مذهبهم، وجوابُه: مَنْعُ أن لا يكون من الزَّوال، ومصير الظِّل مثلَه أكثر مما بينه وبين الغُروب، ولئنْ سُلِّم، فمجموعُ عمل الفَريقين أكثرُ، وإنْ لم يكُ عمل أحدهما أكثرُ، وأنَّه لا يَلزم من أنَّهم أكثر عملًا أنَّ زمان عملهم أكثر؛ لجواز أن يكون عملٌ أكثرُ في زمانٍ أقلَّ، وسيأتي في آخِر الصَّحيح في (كتاب السُّنَّة): أنَّ أهل التَّوارة قالوا ذلك، لكنْ قال ابن الجَوْزِي: بين عيسى ومحمَّد صلى الله عليه وسلم ستُّ مئةٍ، وهذه الأُمة قاربتْ ستَّ مئةٍ، فكيف يكون زمانُها أقلَّ؟ قال: وجوابه: أنَّ عملَها أسهَل، وأَعمارُ المُكلَّفين أقصَر، والسَّاعة إليهم أَقْرب، فجاز أَنْ يكون زمانُ عمَلهم أقصَر، انتهى.
أما باعتبار قَول هؤلاءِ في ذلك، فإنَّما هو لتَقرير الله لهم لا أنَّ قولَهم حُجَّةٌ.
(ظَلَمْتُكم)؛ أي: نَقَصْتُكم، فإنَّ الظُّلم تارةً بالزِّيادة، وتارةً بالنَّقص.
(فهو فضلي)؛ أي: كلُّ ما أعطيتُه من الثَّواب؛ فلا عُلْقة للمُعتزلة في قولهم: ثَوابُ قَدر العمَل مُستحَقٌّ، والزَّائد هو الفضل.
ووجه مطابقة الحديث للترجمة من قوله: (إِلَى غُرُوبِ)، فدل أنَّ الغُروب آخِرُ الوقْت، وأن العمل قَبلَه معتبرٌ في الإدراك، ويحتمل أنَّهم
لمَّا عملوا أقلَّ من عملهم وأُثيبوا بقَدْر ما أخَذ أولئك وأكثَرَ كان تَنبيهًا على أنَّ حُكم البعض في الإدراك حكمُ الكلِّ فيه.
* * *
558 -
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاستَأْجَرَ آخَرِينَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا، فَاستَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ".
الحديث الثَّاني:
(أبو كُريب) محمَّد بن العلاء.
(أبو أُسامة) حَمَّاد.
(كمثل رجل) إنَّما لم يقُل: أقوامٍ، لأَنَّ المُراد تشبيهُ مركَّبٍ بمركَّبٍ، لا مفردٍ بمفردٍ، حتَّى تدخل الكاف على المُشبَّه.
(لا حاجة)؛ أي: فنَتركُ العملَ، فالمُراد اللَّازم لنَفي الحاجة.
(حين) منصوبٌ خبرُ (كان)، أي: كان الزَّمان زمان الصَّلاة، أو