الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تَمكين الجبهة من الأرض، وأَبعَدُ من هيئات الكُسَالى؛ فإنَّ المُنبَسِطَ يُشبه الكلب، ويُشعر حالُه بالتَّهاون بالصَّلاة.
(ولا يبسط): بالجَزْم، أي: المُصلِّي، وفي بعضها:(لا يَبسُطْ أَحَدُكُمْ).
(يناجي): سبَق في (باب حَكِّ البُزاق باليَد)، وفيما بعده من الأبواب معنَى المُناجاة، والجمع بين الرِّوايات، نعمْ، جعَل المُناجاة هنا علَّةً للبُزاق بين يدَيه وعن يَمينه، وهناك إنَّما جعلَه علَّةً للأول، وعلَّل الثَّاني بأنَّ عن يَمينه ملَكًا، ولا مُنافاةَ؛ لأَنَّ الشَّيء قد يُعلَّل بعلَّتَين؛ لأَنَّ العِلَل الشَّرعيَّة معرِّفاتٌ، فإن قيل: عادةُ المُناجى أن يكون قُدَّام؟ قيل: المُناجى الشَّريف قد يكون أيضًا يَمينًا.
ووجه تعلُّق الباب بالمَواقيت: أنَّ أوقات الصَّلاة أوقاتُ مناجاةٍ، وأنَّ الصَّلاة أفضلُ الأعمال لحصول المُناجاة فيها، فينبغي فيها إحضارُ النيَّة، والإخلاصُ، والخُشوعُ.
* * *
9 - بابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ في شِدَّةِ الْحَرِّ
(باب الإِبْرادِ بالظُّهْر)
قال الزَّمَخْشَريُّ في "الفائِق": حقيقة الإبراد الدُّخول في البَرْد، والباء للتَّعدية، والمعنى إدخال الصَّلاة في البَرْد.
533 -
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
534 -
وَناَفِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
الحديث الأَوَّل:
(أبو بكر) هو عبد الحَمِيْد بن أبي أُوَيْس الأَصبَحي.
(ونافع) بالرَّفْع عطفٌ على الأَعْرَج.
(أنهما)؛ أي: أنَّ أبا هُريرة وابن عُمر.
(أبردوا) بفتح الهمزة، أي: أخِّرُوها إلى حينِ يَبْرُد النَّهار، مِن أَبرَد: دَخَلَ في وقت البَرْد، والصَّارف عن الوُجوب إلى النَّدب الإجماعُ.
(بالصَّلاة)؛ أي: بالظُّهر كما في الرِّواية الأُخرى، والمُطلَق يُحمَل على المُقيَّد.
* * *
535 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ، سَمِعَ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَالَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ- انْتَظِرِ انْتَظِرْ"، وَقَالَ:"شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ"، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ.
الثَّاني:
(غُنْدَر) بضَمِّ المُعجَمَة، وفتح الدَّال.
(الظُّهر) كذا وقَع في هذه الرِّواية، فيُحمل على نَزْع الخافض، أي: بالظُّهر، أو للظُّهر كما في بقيَّة الأحاديث، وكذا في "مسلم".
(عن الصَّلاة)(عن) بمعنى الباء، كـ: رمَيْتُ عن القَوس، أو ضُمِّن أَبرَدَ معنى التَّأَخُّر فعُدِّي بـ (عن)، أو (عن) زائدةٌ؛ لأنَّه يُقال: أَبرَد كذا: إذا فعلَه في البَرْد، كما يُقال: أَبرَدْتُه.
قال (خ): الإِبراد انكِسَار شِدَّةِ حَرِّ الظَّهيرة، فسُمِّي فُتور الحَرِّ بالنِّسبة إلى وَهْج الحرِّ بَرْدًا، فالتَّأخير إليه لا إلى آخِر بَرْدَي النَّهار، وهو بَرْدُ العَشِيِّ؛ لأنَّه إخراجٌ عن الوقت.
(حتَّى رأيناها) الغاية فيه، إمَّا مُتعلِّقةٌ بـ (قال)، أي: كان يَقول ذلك إلى أَنْ رأَيناهُ، أو بالإِبراد؛ أي: أَبرَد إلى أن يَرَى الفَيءَ، أو بقَدْر، أي: أخَّرنا.
(الفيء) هو ما بعد الزَّوال من الظِّلِّ؛ لأنَّه يَرجع من جانبٍ إلى جانبٍ، قال ابن السِّكِّيت: الظِلُّ ما نَسختْه الشَّمسُ، والفَيءُ ما نسَخَ الشَّمس، وقيل: الفَيءُ بعد الزَّوال، والظِّلُّ أعَمُّ.
وفي بعضها: (فَيُّ) بالياء المُشدَّدة للإدغام، نَعَم، دُخول وقت الظُّهر لا بُدَّ فيه من فَيءٍ، فالمُؤذِّن لا يُؤذِّن إلا عند وُجوده، فيُحمل الفَيء هنا على الزَّائد على هذا القَدْر، أو أنَّ ذلك في مِثْل مكَّة ونواحيها إذا استوتْ فَوق الكعبة في أَطوَل يومٍ من السَّنة؛ فإنَّه لا يُرى لشيءٍ من جوانبها ظِلٌّ، فإذا زالتْ ظهَرَ الفَيءُ قَدْر الشِّراك من جانب الشَّرق، قاله (خ).
قال (ك): لكن التُّلول لانبِساطها لا يَظْهر فيها عَقِبَ الزَّوال، بل لا فَيءَ لها عادةً إلا بعد الزَّوال بكثيرٍ، بخلاف الشَّاخص المُرتَفِع كالمَنارة.
* * *
537 -
: "وَاشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَارَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ في الشِّتَاءَ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".
الحديث الثَّالث:
(اشتكت) إلى آخره، قيل: إسنادُ ذلك كلِّه إلى النَّار حقيقةً؛ لأَنَّ الله تعالى جعَل لَها إِدْراكًا، وتَمييزًا، ونُطْقًا. وقيل: مجازًا على جِهَة التَّشبيه، والصَّواب الأَوَّل؛ إذ لا مانِعَ من الحقيقة، وقرَّر البَيْضاويُّ الثَّاني، بأنَّها لكثْرتها وغلَيانها وازْدِحام أجزائها بحيثُ يَضيقُ عنها مكانُها، فيَسعَى كلُّ جُزءٍ في فَناءِ الآخَرِ والاستِيلاء على مكانه، ونَفَسُها
لَهَبُها، وخُروج ما يَبرُز منها، فأحوالُ هذا العالَم عَكْس ذاكَ العالَم، فكما جُعل مُستطابُ الأشياء شِبْهَ نَعِيْم الجِنَان ليَكونوا أَميَلَ إليها جُعل للشَّدائد أُنْموذجًا لأحوال الجحيم ليزيْدَ خوفُهم بما يخرُج من حَرِّها ومن بَردها.
(أشد) بالجرِّ بدَلٌ أو بيانٌ، وفي بعضها بالرَّفع خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو أشدُّ كما صرِّح به في روايةٍ، أو (أشدُّ) مبتدأٌ والخبر محذوفٌ، أي: منه، وسيَأتي في (بَدء الخلق) في (باب صفة النَّار):(فأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ)، فيكون الخبر محذوفًا، وصَرَّح به النَّسائي في روايةٍ في (التَّفسير)، وهي:(فأَشَدُّ ما تَجدُونَ من البَرْدِ مِنْ بَردِ جهنَّمَ، وأَشَدُّ ما تَجدُون مِنَ الحَرِّ، من حَرِّ جَهنَّم)، وفيه لَفٌّ ونَشْرٌ غير مُرتَّبٍ.
(من الزمهرير)؛ أي: من طبقةٍ من جهنم زَمْهريريَّةٍ، فجهنَّم هي المُراد بالنَّار؛ لأَنَّ الزَّمهرير يكون من نفس حقيقة النَّار، وتَشهدُ له رواية النَّسائي السَّابقة.
قال (ن): والجمْع بين هذا الحديث وبين حديث خَبَّاب: (شَكَوناَ إليهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فلَمْ يُشْكِنَا)؛ أي: لم يُزِلْ شَكْوانا، قيل: لأَنَّ الإبراد رُخصةٌ، والتَّقديم أَفضَل، وقيل: الإبراد مُستحبٌّ لكثرة أحاديث فعلِه والأَمرِ به، ويُحمل حديث خَبَّاب على أنَّهم طلبوا زائدًا على قَدْر الإبراد؛ لأنَّه بحيث يحصُل للحيطان ظِلٌّ يَمشُون فيه، وكذا قال (خ): في الجمع بينهما.