الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - باب التيمم
قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].
(كتاب التيمم): هو لغةً: القصدُ، ويَمَّمه: قَصَدَه، وشَرعًا: قَصدُ مسحِ الوَجه واليدَينِ بغبارِ تراب بنيَّة مَخصوصةٍ.
(قول الله) مبتدأٌ، خبرُه:{فَلَمْ تَجِدُوا} [النساء: 43]، أي: قولُ الله في شأن التيمُّمِ هذه الآية.
والتيمُّمُ ثابتٌ بالكتاب والسنَّة والإجماع، خُصَّت به هذه الأمَّة، وأجمَعوا أنَّه في الوجه واليدَين سواء عن حَدَث أصغرَ أو أكبرَ، عن كلِّ الأعضاء أو بعضِها.
* * *
334 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِك، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِه، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءَ -أَوْ
بِذَاتِ الجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأقامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، أقامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَاضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ ناَمَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمنَعُنِي مِنَ التَّحَركِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّم فتيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ.
الحديث الأول:
(بعض أسفاره) قيلَ: غزوةُ بنِي المُصطَلِق بالمُرَيسِيع سنةَ ستٍّ.
(البيداء) بفتح الموَحَّدة والمدِّ.
(أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون المثنَّاة تحت وإعجامِ الشين، مَوضعانِ بين المدينةِ ومكَّةَ، والشَّكُّ هنا من عائشةَ رضي الله عنها.
(عقد) بكسر العَين؛ أي: قِلادَة، لأنَّها تُعقَدُ وتُقلَّد العُنُقَ، أي: تُعلَّقُ فيه.
(ما صنعت)؛ أي: تسبَّبَتْ في الإقامةِ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّاس، كذا للجُمهور بإثبات الألفِ من (ما)، وللحَمُّوِيِّ بِحَذفِها.
(يطعن) بضمِّ العَين، وحُكِيَ فتحُها، والضَّمُّ أكثرُ ما يستعمل في الطَّعنِ باليد على خلاف القياس، بخلافِ الطَّعن في النَّسَب، فإنَّ الأكثرَ فيه الفَتحُ، قاله (ن) وغيرُه.
(خاصرتي) بالخاء المُعجمة والصَّاد المهملة، هي الجَنْبُ أو الوَسَط.
(فخذي) بفتح الفاء وكسرِ الخاء وسكونها وبكسرِ الفاء مع الخاء أو مع سكونها، أربعُ لغاتٍ في كلِّ ما وسطُه حرفُ حَلقٍ من (فعل).
(أصبح) دَخَل في الصَّباح، فهو تامٌّ يكتفِي بِمَرفوعه فاعلًا، لا الذي هو من أخواتِ (كان)، فيحتاجُ لخَبَرٍ منصوبٍ.
(على غير) متعلق بـ (قامَ) و (أصبحَ) فتنازَعا فيه.
(فتيمموا) بلفظ المُضِيِّ، أي: تيمَّمَ الناسُ لأجلِ الآية، أو هو أمرٌ على ما هو بلفظِ القرآن، ذَكَرَه مُضافًا أو بدلًا عن آيةِ التيمُّمِ.
(أسيد) تصغيرُ أسَد.
(حضير) بالتَّصغيرِ أيضًا، وحاؤُه مُهمَلة وضادُه معجَمة، وفي بعضِها:(الحُضَير) باللام التي يُلمَح بِها الأصلُ كالحارِثِ.
(ما هي)؛ أي: البَرَكةُ التي حَصَلت للمسلمين برُخصَةِ التَّيمُّمِ، والبَرَكةُ: كثرةُ الخَير.
(أول) بالرَّفع والنَّصب على لُغَتَي إعمالِ (ما) وإهمالِها.
(يا آل) الآلُ: الأهلُ والعيالُ، أو الأَتباعُ، ولا تُستَعملُ إلا في الأكَابر، فلا يقال: آل الحجَّام؛ بل آلُ السُّلطان، ويُروى حذفُ الهمزة والألفِ من الآلِ تَخفيفا.
(عليه)؛ أي: راكبةً عليه.
(فأصبنا)؛ أي: وجَدْنا.
قال (ط): فيه جوازُ السَّفَر بالنِّساء، والنهيُ عن إِضاعةِ المال؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم أقامَ على تفتِيش العِقْد، ورُوي أنَّه كانَ ثَمنُه اثنَي عشَر دِرهما، وفيه سُكونُ المَرأة إلى أبيها، وإن كان لها زَوجٌ، وإن كان للأبِ أن يَدخلَ على ابنتِه وزوجُها معها إذا عَلِمَ أنَّه في غيرِ خلوةٍ مباشرة، وأنَّ له أنْ يُعاتِبَها في أمرِ الله ويضربَها عليه، ومعاتبةُ مَن نُسِبَ إلى ذنبٍ، ونسبةُ الفعلِ إلى المُتَسبِّبِ فيه، وأنَّ الوُضوءَ كان لازمًا لهم قبل نزولِ آيةِ التيمُّمِ، وأنَّ الذي طَرأَ عليهم حكمُ التيمُّمِ لا حكمُ الوُضوء، وهو رفقٌ من الله بالعباد.
قال (ن): وفيه جوازُ اتخاذِ القلائدِ، والاعتناءُ بحفظِ حقوقِ المسلمين وأموالِهم ولو قلَّتْ، وجوازُ الإقامةِ بمَوضعٍ لا ماءَ فيه.
* * *
335 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ (ح) قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سَيَّارٌ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الفَقِيرُ- قَالَ: أَخْبَرَناَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْركَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً).
الحديث الثاني:
(سنان) بمهمَلةٍ مكسورَة وتخفيفِ النُّونِ الأولى.
(هشيم) بضمِّ الهاء وفتحِ المُعجَمة: ابنُ بَشير، بفَتح المُوحَّدة وكَسر المُعجَمة.
(سعيد بن النضر) بالنون والضَّاد المُعجمَة، ويوجد قبله في نُسَخ (ح) لأجلِ تَحويلِ السَّنَد.
(سيار) بفتحِ المهملة وتشديدِ المثنَّاة تحتُ.
(يزيد) من الزِّيادَة.
(الفقير) لكَسرِ فِقارِ ظَهرِه؛ لا فَقيرًا من المَال.
(خمسًا)؛ أي: خمسَ خِصال.
(بالرعب)؛ أي: يُرْعَب منِّي ويَخافُ من مسيرةِ شَهر.
(وطهورًا) بفتح الطَّاء على المشهور، بمعنَى: مُطَهِّر، ففيه أنَّ التيمُّمَ مُطَهِّر، وإن لم يرفَع الحدَث.
(فأيما) هي (أيُّ) الشَّرطيَّةُ زِيدَ عليها (ما) لزيادةِ التَّعميم.
(رجل) مضافٌ إليه (أي)، وفي بعضِها:(بعدَه من أمَّتِي).
(فليصل)؛ أي: حينَ أدركَته الصَّلاةُ، وقيلَ: معناه: فَلْيتيمَّمْ، وليُصَلّ، لتناسُبِ الأمرَين المذكورَين.
وقال (خ): خُصَّ من ذلك مَواضعُ النَّهي، والمَوضعُ النَّجسُ بالإجماع.
(الغنائم): جمعُ (غنيمَة) وهي: ما حَصَل من الكفَّار بقَهْر، وفي بعضِها:(المغانِم)، وهو بمعناه، ووَجهُ الخُصوصِيَّة: أنَّ مَن قبلَه إمَّا لا يُجاهدُ، أو إذا غَنِموا لا يَحِلُّ له بل تجيءُ نارٌ تَحرقُه.
(الشفاعة): سؤالُ الخَيرِ للغَير على سبيلِ الضَّراعةِ، والمُرادُ بالتي تختصُّ به الشفاعةُ العُظمَى في الحَشرِ حين يَفزعُ الخَلقُ إليه، وهي المرادُ بالمَقامِ المَحمودِ، أو الشفاعةُ التي لا تُردُّ، أو لِمَن كانَ في قَلبه مِثقالُ ذرَّةٍ من إيمان.
وقال (ن): هي خَمسةٌ، وهي: الإراحةُ من هَول المَوقِف وطولِ الوقوف، وفي إدخالِ قوم الجنَّةَ بلا حسابٍ، ولقَومٍ استوجَبوا النَّار، ممن دخلوا النَّار مع المُذنبين، وفي زيادةِ الدَّرجاتِ في الجنَّة لأهلِها.
(عامة)؛ أي: من الجنِّ والإنسِ، والعَرَب والعَجَم، الأسودِ والأحمرِ، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28].
قال (ط): فيه أنَّ الجنَّة تلزمُ بالخبَرِ كالمُشاهدة، وأنَّ معجزتَه