الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 -
كِتَابُ الأَذانِ
هو لغةً: الإِعلام، واصطِلاحًا: إعلامٌ بدُخول أوقات الصَّلوات الخمس بكلماتٍ مخصوصةٍ.
وذُكر في حِكْمته أربعة أشياء: إِظْهارُ شِعارِ الإسلام، وكلمةُ التَّوحيد، والإعلامُ بالوَقْت، ومكانُ الصَّلاة، والدُّعاء إلى الجماعة.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
1 - بابُ بَدْء الأَذَانِ
وَقَوْلهِ عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} ، وَقَوْلُهُ:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} .
(باب بَدْءِ الأَذان)
(ناديتم)؛ أي: أذَنتم.
(للصلاة) اللَّام للاختِصاص بخلاف الآية الأُولى، فإنَّه رُوعيَ
فيها معنى الانتِهاء، فأتَى بـ (إلى).
* * *
603 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُؤتِرَ الإقَامَةَ.
الحديث الأَوَّل:
(أبو قِلابة) عبد الله، ورجال السَّنَد بصْريُّون.
(والناقوس) هو ما يُضرَب به النَّصارى لصلاتهم، أي: خشَبةٌ طويلةٌ تُضرَب بأصغرَ منها.
(أمُر) بالضَّمِّ، أي: أمرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه الآمِر النَّاهي، هذا الصَّواب الذي عليه أكثَر خلافًا لمَنْ قال: إنَّ مثلَه موقوفٌ لاحتمال أنَّ الآمر له غير الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ورُدَّ بأنَّ الخبَر عن الشَّرع لا يحتمل إلا على أمر الرَّسول صلى الله عليه وسلم.
(يشفع) -بفتح الياء والفاء-: يَأتي بأَلفاظه مثنَّاةً.
(ويوتر بالإقامة) وهي إعلامٌ بالشُّروع في الصَّلاة بألفاظٍ مخصوصةٍ، فإيتارُها أن يأتي بها فُرادى، وهذا حُجَّةٌ على الحنفيَّة في تَثنيتِها.
قال (خ): الإفراد هو ما جرَى به العمل في الحرَمين والحِجاز والشَّام واليمَن ومصر والمَغرب إلى أَقصى بلاد الإسلام، ومَذْهب العامَّة تثنيةُ لفْظِ الإقامة إلا مالِكًا، فإنَّه قال بإفرادها في الأشْهَر عنه.
واعلم أنَّ ظاهر أمْرِه الوُجوب، والجمهورُ أنَّه سُنَّةٌ، فيُجاب: الذي للوجوب صيغةُ افعَلْ، لا لفظ: أمَرَ بكذا، لكنَّ الصِّيغة الشَّرعية واجبة في الشَّيء ولو كان نفلًا كالطهارة لصلاة النفْل، أو يُقال: بأنَّه فَرْض كفايةٍ كما هو وجْهٌ عندنا، أو الإجماعُ منَع حَمْله على ظاهره.
قال (ك): واختيار الدُّعاء بالقَول أنَّه كيفيَّة تَعرِض للنَّفَس الضَّروري، والإعلامُ به أسهَل، وعدم الحاجة إلى آية:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]، والحِكْمة في تَثنية الأذان أنّه إعلامٌ للغائبين، وإفرادُ الإقامة؛ لأنَّها إعلامُ الحاضرين، ولئلَّا يَلتبس الإِعلامان على السَّامعين، وإنَّما كرَّر لفظ الإقامة، لأنَّها هي المقصودُ فيها، وأما تكرير: الله أكبر، فهو تثنيةٌ صورةً، ولكنَّه مفردٌ حُكمًا، ولذلك يُستحبُّ أنْ يُقالا بنفَسٍ واحدٍ، ويُقالا في الأذان كذلك مرَّةً ثم مرَّةً.
قال (ع): الأذان كلمةٌ جامعةٌ لعقيدة الإيمان بجمعِ نَوعَيه العقليِّ والنَّقليِّ، وإثباتِ الذَّات وما تستحقُّه من الكمال من الوصف الوجوديِّ والتَّنزيهي، ولفظ: الله أكبر مع اختصارها دالَّةٌ على ما ذكرناه، ثم إثباتُ الوَحدانيَّة، ونَفي الشِّركة، وذلك عُمدة الإيمان، والشَّهادة بالرِّسالة التي هي قاعدة جميع العبادات، وموضعها بعد التَّوحيد؛
لأنَّها من الجائز الوقوع، والسَّابق من الواجب الوقوع، وبعد تمام العقيدة الدُّعاء للصَّلاة، ثم إلى كلِّ فَلاح، وهو الفَوز والبقاء في النَّعيْم المُقيم، وهو إشعار بأمور الآخرة من البَعْث والجزاء، وقد كمُل بذلك العقائد الإسلاميَّة، ثم كرَّر ذلك بإقامة الصَّلاة للإعلام بالشُّروع مضمَّنٍ لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكْرِه عند الشُّروع في العبادة بالقلب واللِّسان ليدخل المُصلِّي على بيِّنةٍ من أمره وبَصيْرةٍ من إيمانه، ويَستشعرَ عظيمَ ما دخَل فيه، وعظمةَ حقِّ مَن يَعبُده، وجزيل ثَوابه.
* * *
604 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرني ناَفِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقولُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا ناَقُوسًا مِثْلَ ناَقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا بِلَالُ! قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ".
الحديث الثَّاني:
(فيتحينون) بحاء مُهمَلة ومُثنَّاة تحتُ، ثم نونٍ: من الحِيْن، وهو الوقت، أي: يُقدِّرون أحيانها ليَأتوا إليها في أوقاتها.
(ليس ينادى لها) قال ابن مالك: هو شاهدٌ على جَواز استعمالِ
(ليس) حَرْفًا لا اسمَ لها ولا خبَرَ، أشار إليه سِيْبَوَيْهِ، ويحتمل أنَّ اسمها ضميرُ الشَّأْن، والجملة بعدها خبرٌ.
(البوق) بضَمِّ المُوحَّدة: الذي يُنفَخ فيه.
(القرن) بفتح القاف، ولا يُنافي ذلك ما سبَق من كَون النَّار لليَهود على وجه اللَّفِّ والنَّشْر هناك؛ لجواز أنَّ لهم الأمرَين.
(أو لا تبعثون) الهمزة للاستفهام، والعطف على مقدَّرٍ، أي: تَقولون بموافقتهم، ولا تَبعثون.
وفيه مَنْقبةٌ عظيمةٌ لعُمر في إصابته الصَّوابَ، وفيه التَّشاور في الأمور المهمة، وأن كلًّا يقول ما عنده، ثم يَفعل صاحب الأمر ما فيه المَصلحةُ، وهذه المُشاورة حين قدم صلى الله عليه وسلم وبنَى مسجدَه، فشاورَهم فيما يَدعون به للصَّلاة في أَوَّل الوقْت للجماعة، فقال بعضٌ: نَاقُوسٌ، وقال بعضٌ: نارٌ، أو بُوقٌ، على الرِّوايتين.
قلتُ: وفي بعض طُرُق الحديث: (ناَرٌ كنَارِ المَجُوسِ)، وقال بعض: تَلتبسُ أوقاتنا بأوقاتهم، أو يكون تشبيهًا بهم، فرأَى تلك الليلة عبدُ الله بن زيد بن عبدِ رَبّهِ الأَذانَ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:(قُمْ فَأَلْقِهِ على بِلالٍ؛ فإنَّه أَنْدَى صَوتًا مِنْكَ)، ورآه عُمر، قيل: وغيرُهما أيضًا.
قال (ع): في قوله: (يَا بِلالُ، قُمْ فَنَادِ بالصَّلاةِ) حُجَّةٌ للأذان قائِمًا، وأنَّه لا يجوز قاعدًا.
قال (ن): الاستدلال به ضعيفٌ؛ لأنَّ المُراد تأكيدُ الإعلام،