الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - بابُ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ
(باب مَن جلَس في المَسجد يَنتظر الصَّلاة)، في بعضها:(حُبِسَ) بالمُهمَلة المضمومة، والمُوحَّدة؛ لما في الحديث:(مَا دامَتِ الصَّلاةُ تَحبِسُه).
659 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، لَا يَزَالُ أَحَدكمْ فِي صَلَاةٍ مَا دامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ".
الحديث الأَوَّل:
(اللهم اغفر) إما بيانٌ لقوله: (يُصلِّي)، بتقدير: يقول، وإما حالٌ بتقدير: قائلين.
(ما دامت)؛ أي: مُدَّةَ دَوامِ حبس الصَّلاة له، أي: يَنتظرها كأنَّه في الصَّلاة ثوابًا، لا في سائر أحكام الصَّلاة، وسبق بيان ذلك وغيرِه في (باب الصَّلاة في مَسجِد السُّوق).
* * *
660 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَبْعَة يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيهِ وَتَفَرقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاه".
الثَّاني:
(في ظله) الظِلُّ كلُّه وإنْ كان مِلْكًا لله، لكن إضافته للتَّشريف لتنزُّهه تعالى عن أن يكون جسمًا، حتَّى يكون له ظِلٌّ، أو على حذْف مضافٍ، أي: ظِلِّ عَرْشه.
(يوم لا ظل) هو يوم القيامة، تدنو الشَّمس ويشتدُّ حرُّها، ويأخذهم العرَق، ولا ظِلَّ ثَمَّ إلا العرْش؛ إذ القصد من الظِّلِّ هنا الكرامة والكنَف من المكاره، كما يقال: هو في ظِلِّ فُلانٍ، أي: كنَفه وحمايته.
(العادل)؛ أي: واضع كلِّ شيءٍ موضعه، أو المُتوسِّط بين الإفراط والتَّفريط في العقيدة والعمَل والخلُق، أو جامع أُمهات الكمالات الثَّلاث للإنسان، وهي: الحكْمة والشَّجاعة والعِفَّة التي هي أوساط القُوى الثَّلاث العقليَّة والغضَبية والشَّهوانية، أو المُطيع لأحكام
الله تعالى، أو المُراعي لحقوق الرعيَّة، وهي أقوالٌ متقاربةٌ، ثم المراد بالإمام: كلُّ مَن له نظرٌ في شيءٍ من أمور المسلمين من الولاة والحكَّام، وقُدِّم على ما بعده لعموم نفعه.
(وشاب) لأنَّ عبادته أشقُّ؛ لغلَبةِ شهوته، وكثرةِ الدَّواعي له على طاعة الهوى.
(في المَساجِد)؛ أي: بالمساجد لشدَّة حبِّه لها.
(تحابا) ليس التَّفاعل هنا لإظهار الشَّيء وهو منتفٍ، كتَجَاهَلَ، بل للتَّلبس به كتَباعَد.
(في الله)؛ أي: لا في غرَضٍ دنيويٍّ، و (في) إما سببيةٌ كما:"في النفس المؤمنة مئةٌ من الإبِل"؛ أي: بسبب قتْلها، وإما بمعنى (على)، أي: أنَّ سبب اجتماعهما ذلك، واستمرَّا عليه حتَّى تفرَّقا.
(طلبته)؛ أي: إلى الزِّنا بها.
(ذات منصب وجمال)؛ أي: نسَب شريفٍ؛ لأنَّ الرَّغبة في مثلها أشدُّ، فالصَّبر عنها لخَوف الله تعالى مع أنَّها طالبةٌ للزِّنا من أكمل المراتب في الطَّاعة.
(أخفى) جملةٌ حاليةٌ بتقدير (قد) إنْ قدِّر (أخفَى) فعلًا ماضيًا، وإن قدِّر أفعل التَّفضيل، فالمعنى مخفيًّا، وقد ضبطه الأَصِيْلي: إخفاءً بكسر الهمزة ممدودةً، مصدرًا، نعتًا لمحذوف، أي: صدقةً إخفاءً، أو مخفيًّا حالٌ.
قالوا: وذكْرُ اليمين والشِّمال مبالغةٌ في إخفاء الصَّدَقة، وضرْب
المثَل بها لقُرب اليمين من الشِّمال، أو للازمهما، وقيل: المراد من: عن شماله لا يعلم بإنفاق يمينه، وهذا في صدقة التَّطوُّع، أما الواجبة فالأفضل إظهارها.
(خاليًا) لأن فيه الإخلاص والبُعد من الرِّياء.
(ففاضت عيناه)؛ أي: دمْعُ عينيه كما في: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: 83].
واعلم أنَّ كُلًّا من هذه الأقسام شاملٌ للذَّكَر والأُنثى، وإن عُبِّر عنه بلفظ الرَّجل لعموم الشَّرع، وذكر في مناسبة السَّبعة أنَّ الطَّاعة إما بين العبد وبين الله، أو بينه وبين الخَلْق، والأَوَّل إما باللِّسان، أو بالقلْب، أو بجميع البدَن، والثَّاني إما عامٌّ، وهو العدْل، أو خاصٌّ، إما من جهة النَّفس، وهو التَّحابُب، أو البدَن، أو المَال، وذكْر المُتحابَّين لا يصيِّر العدد ثمانية؛ لأنَّ المحبَّة أمرٌ نسبيٌّ، فافتقرَتْ لمتعدِّد، فالمُراد في الحقيقة واحدٌ يحبُّ غيره.
وفي الحديث الحثُّ على العدْل، والتَّحابب، وصدَقة السِّرِّ، والبكاء من خشية الله، والعفَّة، وغير ذلك.
* * *
661 -
حَدَّثَنَا قتيبة، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنسٌ هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نعمْ، أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ: