الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علَّمهم بذلك سُنَّةَ مَوقِف الإِمام في وجْهها دون أَركانها وجوانبها الثَّلاثة، وإنْ كان الكُلُّ جائزًا، أو أنَّ حُكم الشَّاهد مُخالفٌ لحُكم الغائب؛ لأنَّه بالاجتِهاد، وهذا فائدة قوله:(هذهِ القِبْلةُ) وإنْ كانوا عرَفوها قديمًا.
قال (ن): أو المعنى: هذه الكعبةُ هي المسجد الحرام الذي أُمرتم باستقباله، لا كلُّ الحرَم، ولا مكَّةُ، ولا مَحلُّ المَسجد الذي حَول الكعبة بل كلُّ الكعبة نفسِها.
* * *
31 - بابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ
وَقَالَ أَبو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ".
(باب التَّوجُّه نحو القِبْلة)؛ أي: ناحيتَها.
(حيثُ كانَ) هي تامَّة، كما قال تعالى:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة: 144].
(وقالَ أَبو هُرَيْرة) هذا التَّعليق وصلَه في باب الاستِئذان من جُملة حديث المسيء صلاته.
* * *
399 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ستَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ، فتوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُود- {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُل ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ في صلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فتحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ.
الحديث الأَوَّل:
(استَقْبِلْ)؛ أي: تَوجَّهْ إليها حيثُ كنتَ.
(المَقْدِسِ) بفتحٍ ثم كسر الدَّال، أو بضَمِّ ثم فتحها مشدَّدةً.
(نَحوَ ستَّةَ عشَرَ)؛ أي: من الهجرة، أما في مكَّة فكان يَستقبلُه أيضًا على الأصحِّ.
(أو سَبْعةَ عشَرَ) شكٌّ من الرَّاوي، وسبق بيانه.
(أَنْ يُوَجَّهَ) بالبناء للمفعول، أي: يُؤمَر بالتَّوجُّه.
(المَسْحد الحَرَام)؛ أي: الكَعْبة، كما سبَق.
(فتَوَجَّه)؛ أي: بعد نُزول الآية وفيها: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144].
(رجُلٌ) سبق في (كتاب الإيمان) أنَّه عَبَّاد بن بِشْر، وفي بعضها:(رجالٌ)، بإفراد قوله:(ثم خَرَجَ) باعتبار واحدٍ منهم، أو المُراد خرَج خارجٌ.
(ما صَلَّى) يحتمل أنَّ (ما) مصدريةٌ، أو موصولة.
(العَصْرِ) لا يُنافي ثبوتَ الرِّواية في الصُّبح بقُبَاء؛ لأنَّ العَصْر ليومٍ بالمدينة، والصُّبح لأهل قُبَاء في اليوم الثَّاني؛ لأنَّهم خارجون عن المدينة من سَوادها.
(فَقَالَ)؛ أي: الرَّجل، يعني نفسَه، فالتَّعبير عن النَّفس بلفظ الغَيبة جائزٌ مُطَّرِد، إما بالتَّجريد من نفسه شخصًا، وإما بطَريق الالتِفات أو باعتِبار القائل، أو الرَّجل، أو نحوه، كما تقول لشخصٍ: العبدُ يُحبُّك، تريد: أنا أحبُّك، أو أنَّ الرَّاوي نقَل بالمعنى، وإنَّما لفظه: أنا أَشهدُ.
قال (خ): فيه قَبول خبَر الواحد، وصحَّة صلاتِهم قبل النَّسخ، وكذا العمل بكلِّ منسوخٍ قبل أن يجيءَ ناسخُه، ويُستدَلُّ به في تصرُّف الوكيل إلى أَنْ يأتيَه خبرُ عزلِ المُوكِّل له.
قلتُ: الرَّاجح انعِزالُه بالعَزْل قبلَ أَنْ يَبلُغَه.
قال: وفيه حُجَّةٌ لتأخير البيان عن وقت مورده.
قال (ن): وعلى جواز النَّسخ ووُقوعه، وأنَّ النَّسخ لا يثبُت في حقِّ المُكلَّف حتى يبلغه، وجوازُ الصَّلاة إلى جهتين، وسبق كونه نُسِخَ
بالقَطْع لا بالظَّنِّ، وأنَّ استقبال بيت المَقدِس هل كان بالقرآن، أو بالسُّنَّة في (باب الصلاة من الإيمان)، وفوائدُ أُخرى.
* * *
400 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.
الحديث الثَّاني:
(تَوَجَّهَتْ)؛ أي: الرَّاحلة، والمُراد تَوجُّه صاحبها؛ لأنَّها متابعةٌ لقَصْد توجُّهه.
ووجْه مُطابقة هذه للتَّرجمة: أنَّ المُراد بالتَّرجَمة التَّوجُّه للقِبْلة في الفريضة.
* * *
401 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ- فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحَدَثَ في الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا
بِوَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ في الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنبَّأتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كمَا تنسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني، وَإِذَا شَكَّ أَحدُكُمْ في صَلَاتِهِ فَلْيتحَرَّى الصَّوَابَ، فَلْيتمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ ليُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ".
الثَّالث:
(إِبراهِيْمَ)، أي: ابن يزَيْد النَّخَعِي، وقيل: المُراد بإبراهيم: ابنُ سُوَيْد النَّخَعِي.
(قالَ إِبْراهِيْمُ: لا أَدْرِي زَادَ أَو نَقَصَ) هو إدراجٌ من منصور، والضمير في زاد ونقص عائدٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، والفِعلان هما هنا مُتعدِّيان، وإن كانا يَرِدان ناقصَين.
(أَحَدَثَ؟) استِفهامٌ عن حُدوث شيء من الوحي، فوجَبَ تغيير الصَّلاة بزيادةٍ أو نقْصٍ.
(كَذَا وَكَذَا) كِنايةٌ عمَّا وقَعَ من زيادةٍ أو نقْصٍ.
(فثَنَى) بالتَّخفيف مُشتَقٌّ من الثَّنْي أو التَّثنية، وهو العَطْف، أي: جلَس كهيئة قُعود التَّشهد.
(لَنبّأتُكُم)؛ أي: أَخبَرتُكم به، ففيه أنَّه كان يجب عليه تَبليغُ الأَحكام إلى الأُمَّة، وحَذَف مفعولا نبّأ الثَّاني والثَّالث، فهما لا يَتفارقانِ حذْفًا وإِثباتًا.
(أَنْسَى) بهمزةٍ مفتوحةٍ وسينٍ مُخَفَّفة، ومَنْ قيَّده بضَمِّ أوَّله
وتَشديد ثالثه لم يُناسب التَّشبيه.
(فَذَكِّرُوني)؛ أي: في الصَّلاة بالتَّسبيح، ونحوه.
(فلْيتحَرَّ)؛ أي: فلْيَجتهِد، وقال الشافعي: فليقصد الصَّواب، أي: يَأخذ باليقين، وهو البِناء على الأَقلِّ، وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظَّنِّ، ولا يَلزم بالاقتِصار على الأَقلِّ، والتَّحرِّي على قَول الشَّافعي غير جارٍ على ظاهره؛ لأنَّه إذا عمل باليَقين؛ فأين مَحلُّ الاجتِهاد؟
(عَلَيهِ)؛ أي: بانيًا عليه، فضمَّنَ الإِتمامَ معنى البِناء.
(ثم يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ) أتَى بهما بلفظ الخبَر دُون الأَمر من قَبْلهما؛ إما لأنَّهما كانا فائتَين يَومئذٍ بخلافِ التَّحرِّي والإِتمام، فإِنَّهما ثبَتا بهذا الأَمر، أو للإِشعار بأنَّهما ليسا بواجبَين، والمُراد بعدم وُجوب السَّلام، أي: كونه قبلَ السَّجدتين، أما هو في نفسه فواجبٌ قطعًا، على أنَّه أوجَزُ ما لم يَمتنع، وكان الكلُّ أوامرَ، بل في بعضِها: ثم ليُسلِّم، بزيادة اللام.
(سَجْدَتَيْنِ) فيه أنَّهما سجودُ السَّهو لا واحدةٌ كالتِّلاوة.
فإنْ قيل: اقتصاره دليلٌ على أنَّ سهوَه كان بزيادة، إِذْ لو كان بنقصٍ لتَداركَه قبلَ أَنْ يسجُد، فكيف قال إبراهيم: لا أَدري؟
قيل: ليس كلُّ نقصٍ يجب أن يُتدارَك، بل ذلك الواجبُ، أمَّا الأبعاض فلا، وإنَّما رجَع إلى الصَّلاة بعد تكلُّمه بقوله: وما ذاك؛
لأنَّه: إما قَبل تحريم الكلام في الصَّلاة، وإما كلامُ غيرِه معَه، فيحتمل ذلك، وأَنْ يكون الخِطَاب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو لا يُبطل، أو أنَّه قليلٌ، وهو في حكم السَّاهي أو النَّاسي؛ لظنِّه أنَّه ليس في صلاةٍ.
ثم إِنَّ سُؤالَه إيَّاهم ليتذكَّر لا أنَّه عَمِلَ بقولهم؛ لأَنَّ المُصلِّي لا يَرجع إلى قولِ غيره، أو أَنَّ قولَ السَّائل أحدثَ شكًّا، فسجَد بسبب حُصول شَكٍّ، فلا يكون رُجوعًا إلا إلى حالِ نفَسِه.
واعلم أنَّ آخر الحديث يَدلُّ على أَنَّ سُجود السَّهو بعد السَّلام، وأوَّله على عكسه، فنَشأَ الخِلاف، فقال الشَّافعي: هو بعد السَّلام مطلقًا تَرجيحًا للقول على الفِعل؛ لأنَّه أَدلُّ على المَقصود، أو أنَّه أُمر بالسُّجود بعد السَّلام بَيانًا لجَوازه، وهو فِعْل الأَفضل.
قال (ن): الخلاف في الأفضل، ولا خلافَ في أنَّ كلًّا يُجزئ، ولا تفسد صلاتُه، فقيل: يُخيَّر بين قَبله وبعده مطلقًا، وقال الشَّافعي: قَبْلُ مطلقًا، وقال أبو حنيفة: الأَفضل بعد مطلقًا، وقال مالك: إِنْ كان بزيادةٍ فبعد السَّلام، أو بنقصٍ فقَبل.
وقال (ن): وفيه جَواز النِّسيان في الأَفعال على الأَنبياء، ولكن لا يُقَرُّون عليه، فقال أكثر: يُشترط تنبُّهه على الفَور، وجوَّز طائفةٌ تأخيرَه مدَّةَ حياته، ومنَع قومٌ السَّهو عليه في الأفعال البلاغية كما أجمعوا على الأَقوال البلاغية.
وفيه أنَّ سجود السَّهو على هيئة سجود الصَّلاة المُعتاد، وأنَّه