الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخَواتيم لا سِيَّما في الوقت الذي يَقرُب أنْ تُرفع فيه الأعمال، وهو واردٌ على سبيل التَّغليظ، أي: فكأنَّما حَبِط عملُه.
* * *
16 - بابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ
(باب فَضْل صلاةِ العَصْر)
554 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي: الْبَدْرَ- فَقَالَ: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، ثُمَّ قَرَأَ:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لَا تَفُوتَنَّكُم.
الحديث الأَوَّل:
(إسماعيل) بن أبي خالد.
(ليلة) الظَّاهر أنَّها تنازعَها فِعْلان: كانَ، ونظَرَ.
(تُضامون) يُروى بوجهَين:
أحدهما: بالمُعجَمَة وخفَّة الميم، أي: لا يَنالُكم ضَيْمٌ في رُؤيته،
أي: تعَبٌ، أو ظُلْمٌ فيَراه بعضُكم دون بعضٍ بأن يَدفعَه عن الرُّؤية ويَستأثِرَ بها.
قال ابن الأَنْباري: أي: لا يقعُ لكم في الرُّؤية ضَيْمٌ، وهو الذُّلُّ، وأصله: تُضْيَمُون، نُقلت فتحةُ الياء على السَّاكن قبلَها، وهو الضَّاد، فانقلبتْ ألفًا لانفِتاح ما قبلَها.
الثَّاني: بفتح التَّاء، وتشديد الميم، قال (خ): أصلُه: تَتضامُّون، حُذفت إحدى التَّاءَين، أي: لا تَتزاحَمون كما يفعلُه النَّاس في رُؤية الشَّيء الخَفيِّ.
قال التَّيمي: أو المعنى: لا تجتمعوا للنَّظَر، ويُضمُّ بعضُكم إلى بعضٍ، فيقولُ واحدٌ: هو ذاك، وآخَرُ: ليس بذاكَ، كما يقَع مثلُه في رُؤْية الهِلال، أي: بخلاف رُؤية القمَر وهو بَدْرٌ.
(فإن استطعتم) إلى آخره، دليلٌ أنَّ الرُّؤية يُرجَى مثلُها بالمُحافظة على هاتَين الصَّلاتَين.
(لا تغلبوا) بالبِناء للمَفعول.
(فافعلوا)؛ أي: تَرْكَ المَغلوبيَّة التي لازِمُها الإتيان بالصَّلاة، كأنَّه قال: فصلُّوا.
(ثم قرأ: فسبح) التِّلاوة: {وَسَبِّحْ} بالواو.
(لا يفوتنكم) بنونِ التَّوكيد، والفاعل ضميرُ الصَّلاة، وهذا من كلام إسماعيل تفسير لـ (افعلُوا).
وفي الحديث: أَنَّ رُؤيةَ الله مُمكنةٌ يَراه المُؤمنون في الآخرة، كما هو مذهب أهل السُّنَة، ومعنى التَّشبيه أنَّ ذلك محقَّقٌ بلا مشقَّةٍ ولا خفاءٍ كرُؤية القمَر، فهو تَشبيهٌ للرُّؤية بالرُّؤية، لا المَرئيِّ بالمَرئيِّ.
وفيه زيادةُ شرَف المُصلِّين والصَّلاتَين لتَعاقُب المَلائكة فيهما، ولمَا في وقت الصُّبح من لَذاذة النَّوم كما قال (ع):
ألذُّ الكَرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ يَطِيْبُ
والقِيامُ فيه أشقُّ على النَّفس، ووقْت العصر وقْتُ الفَراغ، والصِّناعات، وإتمام الوظائف، فإذا واظَب عليهما كانت مُواظبتُه على غيرهما أَولى.
* * *
555 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يتعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ".
الحديث الثَّاني:
(يتعاقبون)؛ أي: تعقُب طائفةٌ طائفةً بالإتيان، وقيل: معناه يَذهبونَ ويَرجِعون.
(ملائكة)؛ نكرةٌ لإفادة أنَّ الثَّانية غيرُ الأُولى كما في: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12]، ورفعُه على أنَّه بدلٌ من الضَّمير في (يتعاقبون)، أو بيانٌ، لا أنَّه فاعلٌ، والواو علامةٌ؛ لأَنَّ ذلك لغةُ بني الحارث، وتُعرَف بأكلُوني البَراغيث، على أنَّ ابن مالك وغيرَه ذهبوا إلى حَمله على هذه اللُّغة، وجعلُوه شاهدًا لها، وقال السُّهَيْلي: لا شاهدَ فيه؛ لأنَّه مختصرٌ من حديث مُطوَّلٍ رواه البَزَّار بلفظ: (إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَتعاقَبُونَ).
قلتُ: بل يأتي الحديثُ أواخرَ البُخاري، وبمثله رَدَّ أبو حَيَّان على ابن مالك.
(في صلاة)؛ أي: في وقتِ صلاةٍ.
(أعلم بهم)؛ أي: بالمُؤمنين من المَلائكة، فحُذفت صلَةُ التَّفضيل.
قلتُ: إلا أن يُراد: عالِمٌ؛ فلا حاجة لصِلَةٍ.
(وأتيناهم) هو زيادةٌ في الجواب عن سُؤال: كيف تَركتُم؟ لإظهارِ فضْل المُؤمنين، والحرصِ على ما يُوجب مغفرتَهم، فإنَّها وظيفتُهم، كما قال تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7]، واجتِماعُ المَلائكة في الوَقْتين لُطفٌ بالمؤمنين لمُشاهدتهم ما شَهِدوه من خيرهم، وسُؤال الرب تعالى يحتمل أنَّه لطلَب اعتِراف المَلائكة بذلك ردًّا على ما كانوا قالوا:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30]، أو أنَّه تَعَبَّدَ الملائكة بالشَّهادة للمؤمنين كما تَعَبَّدَهُم بكَتْب