الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب
؟
إن الوطنية من الشعارات الزائفة، وهي أقلّ وأذلّ من أن تؤلف بين القلوب حينما تبتعد عن هدي خالقها، وتعرض عن دينه القويم، وما يجري في البلاد الإسلامية وغيرها من بطش أصحاب الوطن الواحد بعضهم ببعض عند قيام الفتن لهو أقوى شاهد على فشل الالتفاف حول الوطنية، وأنها دعوى عنصرية لا تلين لها القلوب ولا تدمع لها العيون.
إن جمع الناس على الوطنية -بعيدًا عن الدين الإلهي- هو ضرب من الخيال الساذج والسراب الكاذب؛ لأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين، وقد أخبر سبحانه وتعالى أن الألفة بين القلوب أمر بعيد المنال إذا لم يوجد العامل الصحيح في إيجاد ذلك، وقد أمتنَّ الله عز وجل على عباده باجتماع كلمتهم على الدين، فقد قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 1.
وقال تعالى ممتنًا على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه المؤمنون من تآلف قلوبهم: {إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي
1 سورة آل عمران الآية: 103.
الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1.
وأين هذا التآلف العجيب الذي كان أحدهم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، والذي جعل الشخص المسلم يقدِّم نفسه دون أخيه في كل شيء، والذي جعلهم كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، أين هذا التآلف من دعوى التآلف على الوطنية القائمة على الجهل والغرور والكبرياء والبغي بغير الحق وتبادل المنافع؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟
إن الوطنية لم تقم على تقوى الله تعالى ولا على الخوف منه عز وجل أو الحب فيه، وإنما قامت على نزغات الشيطان، والشيطان يهدم ولا يصلح، ويفرق القلوب ولا يجمعها، فمن أين إذًا يأتي التآلف والمحبة بين أفرادها، إنك لا تجني من الشوك العنب.
وإذا كان ما قدمنا دراسته عن القومية يعطي صورة واضحة عن فشلها وبعدها عن أهداف الدين الحنيف الذي يقول للناس: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 2.
إذا كان ما قدمنا يدل على خيبة القومية وهي الأصل، فما هو الظن بالوطنية وهي المتفرعة عن القومية، لا ريب أنهما نبتتان خبيثتان لا تقدمان إلّا خبثًا {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2.
1 سورة الأنعام الآية: 62-63.
2 سورة الأنبياء الآية: 92.
3 سورة يونس الآية: 25.
أرأيتم لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه- تعصَّب لقومه ولوطنه مكة، من كان سيوصل الإسلام إلى المدينة النبوية، ولو أن الصحابة رضي الله عنهم تعصَّبوا لأوطانهم في الحجاز، من كان سيوصل الإسلام من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، بل لو تعصَّب المسلمون لقوميَّاتهم وأوطانهم، فما الذي سيقدمونه للناس إن قدر لهم أن يفتحوا بلدانهم؟
وانظر في كتاب الله عز وجل هل تجد آية خاطب الله فيها قومًا أو وطنًا أو جنسًا على جنس بطريقة التعصب والقومية أو الوطنية أو الإشادة، أو تجد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك؟ كلَّا.
وستجد: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 3.
1 سورة آل عمران الآية: 101-102.
2 سورة الحجرات الآية: 135.
3 سورة الأنبياء الآية: 92.
وستجد آيات كثرة كلها تنادي البشر بأنهم على حدٍّ سواء أمام الله تعالى، وأنَّ التفاضل بينهم عند الله لا يكون إلّا بالتقوى، وأن التفاخر والتعالي إنما هو من طبيعة الشيطان، ومن يتبعه كما ستجد في السنة النبوية مثل هذا المفهوم الحق -وقد مرَّ ذكر أحاديث في ذلك- والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.