الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: دراستنا للقومية
أحب أن أبيِّنَ في بداية دراستنا للقومية أنه لا محذور أن يرتبط الإنسان بقومه أو ببلده؛ لأنَّ هذا الرباط أمر فطري وواقع جُبِلَ عليه البشر، ولهذا كان الأنبياء كلهم كلٌّ ينادي قومه قوله:"يا قومي"، وقد ذكر الله ذلك ولم يعبه، وليس غرضنا بحث هذه الجزئية، ولكن الغرض بحث القومية القائمة على الفخر والخيلاء واستعباد الدين وإحلالها محله.
وهذا الجانب نأخذه بإيجاز وعلى عجل أيضًا نظرًا للزمن المعطى له في هذه السنة الدراسية.
فلا ندرسها دراسة شاملة، أو نتعرّض لتفاصيلها المتشعبة، فإن هذا المسلك طويل جدًّا وتحتاج دراسته إلى وقت وجهد؛ إذ أنَّ كل قومية تحتاج إلى مؤلِّف خاصٍّ بها، كما هو معلوم لطلاب العلم1.
وحينما انتشرت القوميات في البلدان الإسلامية وغيرها كان لكل قوم اصطلاحاتهم فيها، وما ضمَّنوها من مفاخرهم وأيامهم نثرًا ونظمًا، مما لا يمكن استقصاء كل ذلك إلّا بدراسة خاصة؛ سواء أكانت القوميات العربية أو غير القوميات العربية، ولأهل الباطل نصيب من زخرف القول غرورًا إلّا أنه أصبح من شروط القوميات العامة الإيمان الراسخ فيها، سواء أكانت
1 انظر المصادر آخر هذه الدراسة.
عربية أو غير عربية، وهذا الإيمان يهدفون من وراء اشتراطه أن يحلّ حب القومية ومبادئها التي دوَّنوها محلّ الإيمان بالله تعالى ودينه القويم؛ إذ جعلوها هي الدين الذي يجمعهم بعد توفُّر وجود اللغة المشتركة أو التاريخ المشترك، فمن أخلَّ بعد ذلك بقداسة القومية فإنه يعتبر مجرمًا وغير محب لقومه ووطنه حسب دين القومية، وأعداء الإسلام من النصارى واليهود يعلمون علم اليقين أنَّ في إحلال القومية والوطنية محل الدين الإسلامي هو المنفذ الوحيد لإقصاء الإسلام وإخراجه من قلوب أتباعه، وبالتالي سيطرتهم على الشعوب الإسلامية.
وعلى هذا فإن هذه الدراسة إنما وجهت إلى دراسة القومية بصفة عامة، وإعطاء الحكم عليها بصفة عامة أيضًا، معتبرين هذا المسلك جزئية من دراسة القومية الواسعة المفاهيم، والقصد من وراء ذلك هو تعجيل المنفعة للقارئ ببيان ما يجب بيانه حول القوميات وما فيها من مضارٍّ أو منافع، وما فيها من الخدع التي ألحقت بالمسلمين وبغير المسلمين من أضرار فادحة ومصائب لا حدَّ لها، كان في أولها بالنسبة للمسلمين محاربة الدين وإحلال القومية محلّه بكل بساطة، واستمع لهذه الآبيات التي تغلي حقدًا على الدين وجرأة على جهنَّم حيث قال شاعر الوطنية:
بِلادَك قَدِّسْها عَلَى كُلّ مِلَّةٍ
…
ومِنْ أَجْلِهَا أَفْطِرْ ومِنْ أَجْلِهَا صُمْ
هَبُونِي عِيدًا يَجْعَلُ العَرَبَ أُمَّةً
…
وسِيرُوا بِجُثْمَانِي عَلَى دِينِ بُرْهَمِ
سَلامٌ عَلَى كُفْرٍ يُوَحِّدُ بَيْيَنَا
…
وأهلًا وسهلًا بَعْدَه بِجَهنّمِ
وقول الآخر:
وهل أنا إلّا من غزيَّة إن غوت
…
غويتُ وأن تَرشُد غزيّة أَرْشُد
وقد تمت الدعوة إلى القومية وانتشرت انتشار النار في جزل الغضي، وتعدَّدت عوامل التشجيع لانتشارها، وأشرب القوميين حبها، ووعتها قلوبهم، وأعجبوا بها، فكانت مصيبتهم في دينهم وفي وحدتهم التي يتباكون على تحقيقها، وأصمَّوا الآذان بصراخهم عليها، وحينما جاءت القومية والوطنية بالملاحدة حزب البعث العربي المارق، قال شاعرهم:
آمنتُ بالبعثِ ربًّا لا شريك له
…
وبالعروبة دينًا ما له ثانِ
وهو تعبير صدق فيه القائل مع نفسه وهو كذوب، وأبان عن حقيقة القومية وعن حزب البعث ليحقَّ الله الحق ويبطل الباطل.