الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة
غير خافٍ على أحد أن العالم الإسلامي كان يحكم بالشريعة الإسلامية في كل قضية، ولا يمكن لحاكم أن يخترع حكمًا لم يكن لديه عليه دليل من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو من إجماع العلماء، وظل الأمر على ذلك حتى إذا بدأ الضعف يدبُّ في نفوس المسلمين وتراخت قبضتهم على دينهم، وبدأ كثير من حكامهم ينظرون يمينًا وشمالًا للتفلُّت من تطبيق الشريعة من جرَّاء تأثرهم بمختلف النظريات، وإعحابهم بالحضارة الأوربية والأمريكية، حينئذ بدأ شغفهم بتطبيق نظرية السيادة الغربية، وبدأت هذه النظرية تلعب دورها القوي في محاربة الدين وإقصاء أحكامه على الطريقة الأوربية التي قامت عليها نظرية السيادة في الأساس، مختلقين لتنفيذها شتَّى الدعايات، إلى أن تبنَّتها بعض الحكومات الإسلامية رسميًّا، وتَمَّ بموجبها فصل الدين عن الدولة، ونتج عن ذلك التغيير الجذري في التعليم والصحة وكل مرافق الحياة الاجتماعية.
وفوق ذلك في التشريع الربَّاني الذي أقصي لتحلَّ محله القوانين الوضعية البشرية الباطلة؛ حيث ألزم القضاة في المحاكم الشرعية في بعض البلدان الإسلامية أن لا يخرجوا عن قوانين الديمقراطية حتى ولو كانت مخالفة للأحكام الشرعية صراحة.
4-
فدخلت نظرية السيادة في صميم دساتير كثير من الشعوب الإسلامية، وشملت جميع نواحي الحياة اليومية للمواطن، فأصبح الشرع ما سنته قوانينها التي حلّت محل التشريع الإلهي، وأصبح الولاء والتحاكم إليها وحدها باسم القانون أو باسم الشعب أو باسم الأمة، مع بقاء كلمة "دين الدولة هو الإسلام" جسمًا بلا روح، أوكوضع أملته الظروف مؤقتًا، فإن اتَّفقت أحكامه مع القانون فيها وإلّا فإن تنفيذ القانون هو المقدَّم.
وقد نصَّت دساتير أكثر الدول العربية والإسلامية على أنَّ الحاكم العام هو مصدر التشريع مضافًا إليه مجلس النواب أو مجلس الشورى أو البرلمان أو غيرها من المجالس العليا1. وفي بعضها أن لرئيس الدولة في بعض الحالات الاستقلال التامّ بممارسة الوظيفة التشريعية في حال ما إذا تعرَّض الشعب للخطر من أيّ نوع إذا تعذر اجتماع البرلمان، ثم تعرض على الشعب، فإذا وافق عليها صارت تشريعًا ملزمًا ولا تحتاج إلى عرضها على البرلمان، وهناك أيضًا استثناءات لرئيس السلطة العليا تمنحه هذا الوضع في حالة ما إذا لم يكن اجتماع المجلس النيابي، وكان الأمر يستدعي إصدار تشريع على وجه الضرورة، أو في حال ما إذا فوّض البرلمان رئيس تلك السلطة حقّ إصدار التشريع لمدة محدودة، وواقع تلك الحكومات أقوى شاهد.
هذا هو وضع القوانين السيادية، فما هو وضع السيادة في الإسلام؟
1 انظر نظرية السيادة ص29.