الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
الجدلية "الديالكيتك
":
لقد أصبحت المادة عند الشيوعيين هي كل شيء وراءها شيء، وأنها تتطور صعودًا وفق قانون "الجدلية" الديالكيتك، والتاريخ نفسه يسير حسب هذا القانون حتمًا بزعمهم.
وتكون هذه المادة وفق ما تقترن به فتسمَّى المادية الجدلية في الكون إذا كانت تتعلق بتغيرات الكون وأحداثه، وإذا كانت تتعلق بسلوك الناس سموها المادية الجدلية في التاريخ.
فالجدلية في المذهب الماركسي تعتبر بمثابة ركن من أركانه، وأنها هي قانون حركة الوجود كله، ويعود أساس فكرة الجدلية عند "ماركس" إلى تأثَّره بالفيلسوف "هيجل"، واسمه "جورج ولهلم فريديريك هيجل"، وهو ألماني كان يؤمن بوجود إله يصفه بأنه غير متناهٍ، أو هو الوجود المطلق، أو العقل المطلق، ومنه ظهرت الطبيعة، وقد خالفه "ماركس" في مفهوم هذه الجدلية فعكس الأمر تمامًا حتى تبجَّح "ماركس" بأنه قد أوقف آراء "هجيل" على قدميها بعد أن كانت واقفة على رأسها -بزعمه، بسبب أن "هيجل" كان يرى في جدليته أنها منطلقة من الله إلى كل الأكوان، وأن الفكرة هي الأصل والمادَّة ناتجة عنها بخلاف جدلية "ماركس" التي تقول: إن الله تعالى هو من اختراع الفكر الإنساني وخيالاته، وليس عن حقيقة، وأنَّ الأساس هي المادة، والفكرة ناتج عنها1.
1 سميت جدلية "هيجل" الجدلية المثالية لإيمانه بالإله، وسميت جدلية "ماركس" الجدلية المادية، وكلمة "الديالكيتك" كلمة يونانية أصلها "دياليغو" أو "أوديالكتيكوس" بمعنى: المحاجة والنقاش ومجاذبة أطراف الحديث، ويراد بها في الشيوعية ما يظهر عن تناقضات الأشياء ونتائجها.
وهذه الجدلية تلاحظ دائمًا أن هذا الكون دائم التغيُّر والتطور في فعلٍ ورد فعلٍ أشبه ما يكون بحركة المتجادلين، وقد أرجع "ماركس" هذا التجادل إلى المادة وتأثيراتها، بينما كان "هيجل" يرى أن تلك التغيّرات هي للقوة الغيبية المؤثِّر الحقيقي فيها -كما عرفت مما تقدّم.
جدلية هيجل:
وقد تصوَّر هيجل -حسب خياله- أنَّ تلك الحركة في التغيير والتطور في الكون تسير وفق دورات لولبية صاعدة دائمًا، وكل دورة قسَّمها إلى ثلاث مراحل هي:
- المرحلة الأولى: سماها الطريحة أو أطروحة الدعوة -أي: الأمر.
- المرحلة الثانية: سماها النقيضة أو النفي أو مقابل الدعوى - أي: ضد ذلك الأمر.
- المرحلة الثالثة: سماها الجميعة أو نفي النفي، أو جامع الدعوى - أي: النتيجة.
فمثلًا: البرعم يسميه الطريحة، ونقيضة الزهرة، ثم تأتي الجميعة التي هي الثمرة، وهي أرقى من البرعم والزهرة في تطور متصاعد دائمًا، وبعضهم يسمي هذه المراحل "الوضع ونقيضه"، ومؤتلف الوضع ونفيه، وكلها افتراضات خيالية تصورها "هيجل" في تضادٍّ دائم بين الشيء ونقيضه، والنتيجة النهائية لهذا النقيض الذي يمشي صاعدًا في تطورٍ هو نهاية كل نقيضين. وغاب عنه أنه لا يمكن اجتماع النقيضين في وقت واحد على شيء واحد؛ لأنه مستحيل إلّا في خيال الفلاسفة الفارغين.
وما زعمه "هيجل" من أنَّ الأشياء كلها في تطور متصاعد فكرٌ غير صحيح في كل الأمور، فإذا صحَّ في بعض الحالات فإنه غير صحيح في كلها.
فمثلًا الإنسان وهو حي يسمَّى حسب نظريته طريحة، ثم يأتيه الموت فيسمى نقيضه، ثم يتحوّل إلى تراب فيسمَّى جميعة، فأين التطور التصاعدي في هذا حسب نظرية هيجل؟
أو مثل الغريزة الجنسية هي الطريحة، والكبت هو النقيضة، والتسامي هو الجميعة، أي: المحصلة النهائية الحتمية الوقوع لكل من الطريحة والنقيضة، ولكن لنفرض أن الأمور لم تسر إلى نهايتها وهي الجميعة بأن حصل معوق للشخص بعد ظهور النقيضة بأن مات أو جُنَّ أو حصل له أيّ أمر خطير وانتهى، فأين التصاعد في هذا، وغيره من الأمثلة التي تكذب حتمية التطور التصاعدي في كل شيء1.
وهذه الجدلية عند "ماركس" أوّل ما يظهر منها عدم إيمانه بالله تعالى، وإيمانه بدلًا عنه بالمادية الجدلية وتطورها، وأنها هي التي أنشأت الدين والسياسة والقانون والأخلاق، بل والإنسان نفسه إنما هو من نتائج تلك المادة، وفكره أيضًا كذلك، بل وجود الله تعالى إنما هو من صنع الإنسان المادي، وفكره في عقيدة "ماركس"، وهو بهذا قد قلب جدلية "هيجل" التي قامت على الإيمان بالغيب الإلهي، إلى الإيمان بالمادة وحدها عند "ماركس"، ويصح أن نقول: إن "ماركس" قد قلب نظرية "هيجل" على رأسها بعد أن كانت على رجليها المعوجَّتين هي الأخرى.
1 انظر: الكيد الأحمر، ص354.
فحينما تسأل ماركسيًّا عن سر وجود هذا الكون تجده يجيبك بجواب سخفيف تافه فيقول: إن الكون قد تطوَّر بنفسه إلى أن أصبح على ما هو عليه اليوم في هذا التناسق البديع، ويجيب عن سريان الحياة في الكون بأنه بعد أن اكتمل وجود الكون تطوَّر تلقائيًّا إلى أن وجدت الحياة على ظهر الأرض، ومن ضمنها حياة الإنسان الذي وُجِدَ ضمن حركة التطور الديالكتكي دون أن يكون لها أيّ مؤثر خارج عن نطاقها غير التناقضات والتضادّ الكامن في المادة، كما أنه قد احتدم الخلاف جدًّا بينهم في قضية العقل والفكر والمادة أيهما السابق والمؤثر في الآخر، فالمثاليين منهم -أي: المؤمنون بالإله الغيبي- ومنهم "هيجل" يرون أن العقل هو الأساس والمتقدِّم على المادة وما ينتج عنها، بينما المادّيون -منكرو الخالق- "ماركس" وأتباعه، يرون أن لا شيء في الإيجاد سوى المادة، وهي المتقدّمة والمنشئة حتى للإنسان وأفكاره.
- ويتلخَّص الجدل الماركسي في ثلاثة قوانين:
1-
قانون التغيير من الكم إلى الكيف، وهو ما يحدث بطريق المفاجأة؛ كتحول الماء الساخن إلى بخار بزيادة النار عليه.
2-
قانون صراع الأضداد الذي يأتي من داخل الأشياء من بذرة النقيض التي توجد في داخل كل شيء وليس من الخارج.
3-
قانون نفي النفي، أي: كل مرحلة تحدث تنفي سابقتها، ثم تنفيها مرحلة تالية، وهكذا1، وهما المراحل المشار إليها سابقًا.
1 بتصرف عن "الفكر المادي في ميزان الإسلام"، ص52.