الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي
أما زعمهم أن الصراع الطبقي لم يكن له أي سبب غير معرفة الإنسان للزراعة والصناعة، فهذا قول بالتخمين وهوأكذب الكذب، ولن يجد القائلون به أي دليل لأنهم ادَّعَوْا شيئًا هو أقدم منهم.
كما أن هذا الأمر ليس هو السبب للصراع بين الناس، وإنما هو واحد من عِدَّة أسباب لا تكاد تحصر، كما أنَّ هذا السبب قد يوجد في بعض المجتمعات وقد لا يوجد، فليس هو أمر حتمي كما يدَّعي الملاحدة.
ومن السذاجة والجهل القول بأن الملكية الفردية نشأت عن ظهور الصناعة والزراعة، وأنها ليست فطرية في نفوس الناس، بل وفي نفوس الحيوانات، فإن الملكية الزراعية نفسها لم تقم إلّا بسبب النزعة الملكية فردية كانت أو جماعية، وإلّا لما قامت الزراعة، ولما عرف الإنسان طريقه إلى الجمع والادخار بين مقلٍّ ومكثرٍ، وبخيلٍ وكريم.
وأمَّا زعمهم أن الناس منذ أن تركوا الشيوعية الأولى وهم في صراع طبقي مرير، وأن ذلك سيستمر حتى يرجع الناس إلى الشيوعية الأولى، وذلك بترك الملكية الفردية، وتساوي الناس في كل شيء بزوال الطبقات التي أحدثتها الملكية الفردية وتكدس رءوس الأموال في فئة دون فئة، يقال لهم: هل يتحقق ذلك في عالم الواقع، وهل يمكن أن يتساوى الناس وتزول
الطبقات، خصوصًا في ظلِّ النظم الجاهلية، وهل يمكن أن تتحقَّق هذه الأحلام البرَّاقة في يوم من الأيام، إنها مجرد أوهام وخيالات؛ لأن الحياة لا تقبلها ولا تنتظم بها.
إنَّ نظام الطبقات واستعلاء بعض الطبقات على البعض الآخر، والظلم والحرمان واستعباد القوي للضعيف، كلها إنما توجدها النظم الجاهلية كما حدث بالفعل على مسار تاريخ البشرية، فالمجتمع في العهد الهندوسي مقسَّم إلى طبقات هي: البراهما والكاشتريا والشودري، وأقسام فرعية أخرى كثيرة.
وفي أوروبا عاش الناس طبقات متفاوتة أشد تفاوت؛ طبقة تسمَّى طبقة السادة، وأخرى تسمَّى طبقة العبيد، وقد تمثَّلت هذه الأحوال السيئة الجاهلية في عهد الرق.
أما في عهد الإقطاع فكان الناس ثلاث طبقات رئيسية، هي: طبقة الأشراف أمراء الإقطاع، وطبقة رجال الدين، وطبقة الشعب "المغلوبين على أمرهم".
أما في عهد الرأسمالية فإن نظام الطبقات على أشده أيضًا، طبقة تسمَّى طبقة أصحاب رءوس الأموال، وطبقة أخرى تسمَّى طبقة العمال "ناس في الثريا وناس في الثرى"، وهكذا الحال في عهد الديمقراطية التي تظاهرت بأنَّ الشعب هو صاحب السلطة، فقد كان الصحيح هو أنَّ الشعب لا يزال هو المستضعف المقهور، وصاحب المال هو السيد الحاكم، وهي نفس الكذبة التي كان يرددها الشيوعيون من أنَّ طبقة البروليتاريا
الكادحة هي التي ستملك وتحكم حينما تطبق الشيوعية، وحينما تقضي طبقة البروليتاريا على جميع الطبقات المناوئة لها في صراع ثوري محتدم، هذا هو حكم الجاهلية وشريعتها، ولكن حكم الله هو خلاف هذا.
حكم الله أنَّ المجتمع سيكون فيه أغنياء وفقراء، ملكية فردية وملكية جماعية، الأغنياء مؤتمنون على المال، وللفقراء نصيب في ذلك المال، والكل عبيد لله تعالى، لا طبقات ولا كبرياء، يتنقَّل المال من يد إلى يد، ومن شخص إلى آخر، وقد يصبح الغني فقيرًا، وقد يصبح الفقير غنيًّا حسب تصريف الله للأمور، ومعنى هذا أن المال في الإسلام ليس منحصرًا في طبقة من الناس دون أخرى، ولا في فئة من المجتمع بخصوصهم، حتى وإن كانت تلك الفئة هم الحكام، فإن الإسلام لا يعطي الحاكم حريَّة التملك كما يهوى، بل شأنه شأن غيره، غير ما يأخذه في مقابل جلوسه للحكم بين الناس، ومن هنا نجد أن حكَّام الدولة الإسلامية في نشأتها، كان الحاكم لا يتمتع بأي امتيازات مالية، ولهذا كان الحكام يعتبرون تحمل المسئولية أمانة عظيمة وخطرًا جسيمًا لا فوزًا كما يسميه الناس اليوم.
وينبغي التنبيه إلى أنه إذا وُجِدَ نزاع بين المسلمين فإنه لا يكون من أجل إسقاط طبقة لطبقة أخرى، أو علوّ فئة على أخرى، وإنما يكون ذلك في الغالب من أجل الوصول إلى الحق، وإلى دفع الخطأ والخطر عن الناس، وهذا أمر طبيعي، فلا يجوز أن يفسَّر على أنه صراع طبقي كما يفسره الملاحدة حسب نظرياتهم المادية.
وقد يكون النزاع إمَّا أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وليس هو من قبيل الحرب الاقتصادية، أو بسبب الملكية الفردية أو الجماعية كما يزعم الملاحدة، أو أنه حرب طبقات.
ومن أقوى ما يدل على كذب الملاحدة في زعمهم أن نزع الملكية الفردية ينهي الصراعات ويؤلف القلوب ويساوي بين طبقات المجتمع كلهم فيعيشون عيشة ملائكية، من أقوى ما يدل على كذبهم هذه الصراعات التي لا نهاية لها بين مختلف معسكرات الشيوعية، مع أن الملكية الفردية لا وجود لها في دستورهم، فلماذا إذن هذه الصراعات؟ وعلى أي شيء؟ {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} 1، 2.
كما أنَّ زعمهم أن الصراع هذا لا يزول إلّا بزوال الملكية الفردية كلام كاذب، فإن الصراع باقٍ والملكية الفردية كذلك لن تزول من نفوس الناس، والدليل على ذلك أن الصراع لم ينته مع وجود القمع الشديد للملكية الفردية في البلاد الماركسية، بل إن الصراع لا يمكن أن ينتهي ليس بين الناس فحسب، بل والحيوانات كلها.
وقد عاش الناس في ظل النظام الشيوعي حقبة من الزمن وهم ينتظرون تلك الجنة التي وعد بها "ماركس" بعد أن وضعت الحرب الطبقية أوزراها، وبعد أن قضى النظام الماركسي على الملكية الفردية بكل وحشية عرفتها البشرية، وهم يتنظرون ذلك اليوم الذي يزول فيه الصراع الطبقي بكل
1 سورة فاطر، الآية:43.
2 انظر مذاهب فكرية معاصرة، ص362.
أشكاله، فلا يبقى صراع ولا أحقاد ولا حاكم ولا جيش ولا سجون، يعيشون كالخراف الأليفة، ولكن ماذا كانت نتيجة هذه السخافة؟
لقد عاش المجتمع الشيوعي صراعًا طبقيًّا مريرًا؛ سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة، إلى أن هدأت عاصفة الشيوعية، وكيف لا يحصل صراع بين جماعات قامت في الأساس على الصراع، بل وعلى مشروعيته وضروريته لقيام حكم البروليتاريا بزعمهم، حتى أصبح الصراع والثورات والقتل والاغتيال من أسس بناء الماركسية دون أن تظهر أدنى إشارة إلى تلك الجنة المزعومة الماركسية، ومثل هذه الكذبة وقعت أيضًا الكذبة الأخرى، وهي القول بأن الناس كلهم سيعيشون حياتهم في مستوى واحد، وعلى طبقة واحدة بلا تفاضل بينهم عندما تكتمل الشيوعية وتطبَّق وفق ما قرره اليهودي "ماركس" عدو الجوييم -حسب تسمية اليهود لهم، وإذاسألت عن سر بقاء الحكومة في البلاد الشيوعية فإن جوابهم: إن هذه الحكومات القائمة إنما هي حكومات مؤقَّتة، وستنتهي بانتصار الشيوعية على كل الأنظمة المناوئة لها1.
لأن الناس حينئذ سيعيشون دون مشكلات ولا صراع يتطلب تدخُّل قوة عليا، ولا فقر بسبب المشكلات، ولأن الناس حينئذ يكونون على مستوى رفيع في الأخلاق والسلوك الطيب والرقابة الذاتية التي هي أقوى من الرقابة الخارجية، ولا ملكية فردية تسبب الخصومات والاستئثار بالمال والرغبة في جمعه.
1 وهذه الفكرة توجد عند الرافضة؛ إذ يعتبرون حكّامهم نائبين مؤقتًا عن المهدي الذي سيستلم الحكم فور خروجه من السرداب المزعوم.
هكذ زعم الملاحدة، ولكن السؤال المهم هو: هل ستحقق هذه الأحلام السخيفة في يوم من الأيام؟ أو هل تحققت في يوم من الأيام بالدليل المقنع1، أم أنها خدع كاذبة وتضليل، أو أفيون للشعوب المغلوبة على أمرها كما هو الواقع؟
إن الإسلام يعتبر الفكر الماركسي في ناحيته الاقتصادية فكرًا فاشلًا مخالفًا للعقل والفطرة السليمة، وأنه قام على نظريات جاهلية أخطأت الطريق الصحيح للاقتصاد النافع، وبدلًا من أن توجّه جهود المجتمع لمساعدة بعضهم بعضًا إذا بها تحرم الملكية الفردية، وتشعل مكامن البغضاء، وتثير الصراعات الطبقية بحجة سخيفة وهي: لترتفع الطبقة الكادحة بزعمهم، ولكي لا تتكدس الأموال في ناحية دون أخرى، وعند قوم دون آخرين، وكل ذلك ليس هو الحل الصحيح، ولا الحل الذي تستقيم به الحياة وتسعد الشعوب به، فهو مرفوض جملة وتفصيلًا، ويعتبره الإسلام تدخلًا فيما لا ينبغي للبشر سلوكه، فالناس كلهم عبيد لله في الإسلام، والمال مال الله، والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء، لا يجره حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره.
فالمكلية الفردية حق اقتضته الفطرة والضرورة لصلاح الأحوال، وعلى الجميع أن يعضد بعضهم بعضًا بالتي هي أحسن، فلا صراع ولا بغي ولا عدوان، ولم يجعل الإسلام للشخص مطلق الحرية في أمواله ينفقها بإسراف أو يمسكها كما يحلو له، بل هو محاسب عليها ومسئول عنها، وعليه حقوق فيها يجب أن يؤديها، وإذا كان في الأغنياء من طغى وتجبَّر فهؤلاء لهم ما كسبوا وعليهم ما
1 هذا رد لقولهم: إنها تحققت في عهد الشيوعية الأولى.
اكتسبوا، وسينالون جزاءهم، ولا يبرر فعلهم محاربة الملكية الفردية أو قيام الصراع الطبقي بين المجتمعات، كما أنَّ في أولئك التجار من اتَّصف بالعطف والتسامح ومساعدة المحتاجين دون منَّةٍ ولا أذى، والحكم على طبقة الأغنياء بأنهم احتكاريون وانتهازيون، وأنهم هم العقبة الكؤود في طريق غنى الفقراء وارتفاع معيشتهم إن هي إلّا خرافات سخيفة وأوهام باطلة قد دلَّت التجارب الشيوعية على فشل هذه الفكرة الخاطئة حين أفقرت الأغنياء وأتعست الفقراء، ومُلِئَت القلوب حقدًا وغضبًا، وأتعست الحالة الاقتصادية، ونشبت الصراع الطبقي على أشده دون رحمة، وفي التاريخ الإسلامي أمثلة مشرقة للمجتمع حينما تصفوا القلوب وتزول البغضاء، فقد كان في الصحابة -رضوان الله عليهم- أغنياء وفيهم فقراء، وكان أحدهم يقول لصاحبه: عندي زوجتين، انظر أعجبهما إليك فأطلقها وتتزوجها، وعندي من الضياع كذا كذا، أتنازل لك عن نصفها، فيقول له الصحابي الفقير المهاجر: بارك الله لك في مالك وأهلك، دلني على السوق، فيذهب ويعمل ويرزقه الله تعالى، وكان فيهم من يملك الأموال الكثيرة مثل: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وولم ينقم عليه أحد فيها، وقد أنفق عثمان رضي الله عنه ألف بعير في سبيل الله، وغير ذلك من الأمثلة المشرقة التي قام عليها الإسلام بعيدًا عن الصراعات الطبقية البغيضة، ذلك أن الإسلام يعالج المشكلة القائمة دون النظر إلى أسبابها، كما أنه يأتي بالحلول التي لا مضرَّة فيها على أحد؛ إذ لا ضرر ولا ضرار، بينما الشيوعية الحمراء عالجت المصائب بمصائب أفدح منها.
داويت متؤدًا وداووا طفرة
…
وأخفُّ من بعض الدواء الداء
مع أن ما أقدمت عليه الشيوعية في الأحوال الاقتصادية ليس فيه أي دواء، بل هو الداء بعينه، وهو الذل وهو خنق الحريات، فالسجون مملوءة، والجواسيس منتشرون، والمجاعة فاشية، إنه سجن كبير، وقبضة حديدية، فالشعوب غاضبة، ولكن الويل لمن تفوّه بكملة نقد، وأين هذا السلوك من حرية الإسلام التي "كان الرجل يقول لمعاوية":"والله لتستقيمنَّ بنا يا معاوية أو لنقومنَّك، فيقول: بماذا؟ فيقولون: بالخُشُب1، فيقول: إذًا أستقيم"2.
فأي طاغوت من طواغيت الحكم في النظم الجاهلية يتحمَّل ما هو أدنى من هذا الكلام؟
وما زعموه من أن الطبقات القوية هي التي تحكم وتشرِّع لبقية الطبقات وتستعبدها، هذا صحيح ولكنه لا يوجد إلّا في النظم الجاهلية الذين يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، والذين يصبح الظلم عندهم من شيم النفوس، فإن وجد ذا عفَّة لفعله لا يظلم، كما عبَّر عن ذلك أحد الشعراء الجاهليين قديمًا، ولكن هل هذه هي الحقيقة التي لا بُدَّ منها، أو الخيار الذي لا آخر سواه؟ كلَّا. بل هناك عقيدة فيها الحل الصحيح دون المرور بتلك الطرق الظالمة المظلمة، إنها العقيدة الإسلامية التي تجعل صاحب المال والفقير أخوة متساوين متضامنين لله رب الجميع وحكمه ينفذ في الجميع، لا فضل لأحد على آخر إلّا بالتقوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك طبقات هم السادة الحاكمون
1 الخشب "بضم الخاء": هو السيف الصقيل.
2 "سير أعلام النبلاء" ج3، ص154.
يعزوه إلى ابن عساكر 16/ 368/ ب.
المالكون وطبقاتهم العبيد المستذلون إلّا في النظم الجاهلية التي لا تقيم للإنسان وزنًا إلّا من خلال ما يملك من المال والجاه، فيبدو المال بهذه الصورة هو السبب في الظلم والطغيان، بينما الواقع الصحيح هو خلاف ذلك، فإن المال والملكية الفردية من الظلم أن يحمَّلا طغيان المنحرفين {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
إن الذي يطغيه المال والملكية الفردية هو شخص منحرف في الأساس فاسد الطباع، سواء كان له مال أو لم يكن له مال، ذلك أن المستقيم على الحق القائم بأمر الله لا يطغيه المال، وإنما يستعمله في أعمال الخير ووجوه البر المختلفة مراقبًا فيه ربه، متيقنًا أن المال ظِلٌّ زائل، وعارية مسترَدَّة، وأن الدنيا شِدَّة بعد رخاء، ورخاء بعد شدة.
أما مفهوم المساواة في الأجور في النظام الشيوعي الذي زعمت الماركسية أنه مكفول للجميع، فقد حملهم على القول به ما زعموه من أنّ البشرية كانوا في أصل نشأتهم يعيشون عليه متساوين كلهم في الحقوق بلا ملكية فردية، الكل للجميع في المأكل والملبس والمسكن والنساء، لا فرق بين شخص وآخر، حتى جاءت الرأسمالية والملكية الفردية فقلبت تلك الأوضاع التي تريد الشيوعية إرجاعهم إليها مرة أخرى، وهذا لا يتحقَّق إلّا بوضع الدولة يدها على كل وسائل الإنتاج والعمل، ومن ثَمَّ يأخذ كل شخص ما يستحقّه من قِبَلِ الدولة، وهذه الدعاية جذَّابة في ظاهرها، ولكن هل تحقَّقت فعلًا في النظام الشيوعي، فأعادت إليهم سعادتهم التي كانت في الشيوعية الأولى بزعمهم؟ وهل ساوت بين العمال فعلًا؟ فلم يعد هناك تمايز بين شخص وآخر، وحاكم ومحكوم؟!!
لا شكَّ أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذِّب كل تلك الدعايات، ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر والحاجة وليس في الغنى والسعادة؛ لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل؛ ليجده مستقرًا في يد الدولة التي لا تعطيه إلّا بقدر حاجته الضرورية. وما الذي ينفعه أن يقال له: إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة لتتمكَّن من إظهار الشيوعية، ولتقمع أعداءه إن فكروا في الاعتداء عليها، وما الذي نفعه حين يقال له: إنه بذلك الجهد في العمل مع أنك لا تأخذ إلّا ما يكفي حاجتك الضرورية دليل على سلوكك الطيب، وأنك غير جشع كالرأسمالي الغربي، وأنك مواطن طيب، وما الذي تنفعه وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكَّن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض، وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في تَرَفٍ لا حدَّ له؛ مساكن فاخرة، وسيارات فارهة، وبساتين نضرة، وخدمًا وحشمًا، وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة وبنضال الرأسمالية.
إن كل ذلك يدعو الشخص إن كان له عقل إلى القلق الاضطراب والثورة على تلك الأوضاع ومجازاة من كان السبب فيها، وهو ما حصل بالفعل في الثورات المتتالية التي تَمَّت في عهد "جورباتشوف" على الشيوعية ونظامها البغيض، وإطاحتهم بأولئك الخبثاء والقضاء عليهم بكل شدة في كل البلدان التي تنفّست الصعداء من الكابوس الماركسي، وهكذا نجد أن زعهمهم المساواة في الأجور إنما هو المساواة في الفقر وليس في الأجور.