الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
تعقيب:
لقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، لقد انجلت الغمَّة عن الناس وظهر الحق لذي عينين، فإذا بالماركسية في العراء في أقبح صورة وأتعس حال، وإذا بأكاذيبها وخزعبلاتها تداس بالأرجل، لقد راهن الملاحدة أن نظريتهم الإلحادية ستعمّ الأرض كلها، وسيصبح البشر كلهم ملاحدة كافرين بالذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم سواهم أشخاصًا في غاية الخصومة لربهم، وقاهرهم متنكِّبين الحق، متعالين على الناس، محتقرين كل نواميس هذا الكون، ومحتقرين كل الشرائع والكتب المنزَّلة والأنبياء الكرام، في جدال بالباطل لا يملكون على كل نظرياتهم أيّ دليل حقيقي إلّا ما زخرفوه من شبهات باطلة، ونظريات زائفة لا تثبت أمام الحقائق، حتى وإن صوروها على أنها حقائق لا تقبل الجدال، وأنَّ كل ما عداها محل شك، مستندين إلى ما تَمَّ لهم من اكتشافات تجريبية كلها تصرّح بعظمة الباري -جل وعلا، ولكنهم قلبوا الحقائق وجعلوها أدّلة على إلحادهم، وكل ما هو لله سبحانه وتعالى جعلوه للطبيعة التي عبدوها من دون الله، وزعموا أنها تسيّر الكون في تناسق عجيب محكم، وترابط متشابك، وكان هذا يكفي دليلًا على وجوب الإيمان بوجود خالق مهيمن على كل ذرَّة في هذا الكون، يسيره على نسق واحد دون اختلاف حسب سننه في الكون، ولكن الشيطان حال بينهم وبين التفكير الصحيح، فقبلوا هذه الحقيقة وزعموا أن هذا التناسق إمَّا هو من شأن الطبيعة والمادة التي وصفوها بأنها لا بداية لها ولا نهاية لها، حتى لكأنَّ الخلاف بينهم وبين المؤمنين بالله تعالى خلافًا لفظيًّا، المؤمنون يسمون هذه الطبيعة إلهًا وهم يسمونها مادية.
قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} 1.
وكان يجب أن يسمهيم الناس مجانين حينما زعموا أن الكون وُجِدَ بدون مُوجِد، وحدث بعد أن لم يكن حادثًا ودون محدث له غير، ما توهموه من تجمُّع ذرات هذا الكون وتطورها إلى أن أحدثت هذا العالم والكون وما فيه من أجرام علوية وسفلية، وكلها عن طريق الصدفة والارتقاء، ولو قلت لأحدهم: إن عمودًا كهربائيًّا وُجِدَ بداته وأصبح ينير للناس الطريق لضحكوا من قائله، ونسبوه إلى الجنون، بينما هذه الشمس وهذا القمر وهذه الكواكب وهذه الثمار في الأرض والأنهار والجبال كلها وجدت بدون خالق!
إن الملاحدة يعترفون بعجزهم التام عن معرفة سر وجود الحياة لأيّ كائن مهما كان صغر حجمه أو كبره، وأنهم لا يستطيعون إرجاع الروح لصاحبها إذا بلغت الحلقوم، فأين المادة التي يتشدقون بأنها هي الموجدة لهذا الكون؟ ولماذا لا يتوسلون إليها لإرجاع الروح بعد أن يصبح الجسد مادة هامدة؟
أما ما يرددونه من أن كل الأشياء تحوي تناقضات داخلية مجتمعة في وحدة يسمونها وحدة الأضداد أو وحدة المتناقضات تتصارع فيما بينها، ثم ينتج عن ذلك الصراع تطور في صعود دائم لا ينتهي، فهو افتراض سخيف؛ إذ لا يوجد إلّا في الذهن، والذهن قد يتصور أن المستحيلات ممكنة أحيانًا، ذلك أن اجتماع النقيضين أمر غير ممكن إلّا إذا صدَّقنا بأن الحرارة والبرودة تجتمع في النار، أو الحياة والموت يجتمع في الشخص في وقت واحد، وليس من هذا ارتفاع الضدين في وقت واحد، فإنه ممكن كقول الناس: هذا لا هو أبيض
1 سورة الطور، الآية:35.
ولا هو أسود، أي: علي لون غير هذين اللونين أصفر أو أحمر، أمَّا أن يقال هذا أبيض وأسود، أو ساكن ومتحرك في وقت واحد فهو مستحيل.
لقد غلا الشيوعيون في تقديس المادة وعَتَوْا عتوًّا كبيرًا إلى حدِّ أنه تنطبق عليهم المقالة المشهورة "إذا حدَّث الشخص بما لا يعقل فصدِّق فلا عقل له" فأي عقل سليم، وأي فطرة سليمة تصدق أن المادة الصمَّاء هي الخالقة وهي الرازقة وهي المدبرة لجميع أمور هذا الكون علويه وسفليه، وظاهره وخفيه، مع اعترافهم هم أيضًا بأن تلك المادة لا حياة لها ولا فكر ولا تدبير في البدايات الأولى لها، غير ما تخيلوه أنها بعد ذلك تطورت حتى أوصلت هذا الكون على ما هو عليه الآن، ثم يقولون: هي أزلية لا بداية لها، ولكنهم يتوقَّفون حينما يقال لهم: إنها حادثة، لا يستطيعون الجواب؛ لأنهم متناقضون؛ وإذ أفحمهم العقلاء عن سر وجود هذا الكون قالوا بأن الكون وُجِدَ من العدم، ولا يبالون بسخف واستحالة هذا القول، والقول الآخر بأن المادة هي التي تسيِّر العقل وتوجد الفكر لا أن العقل هو الذي يوجد المادة ويكيفها كما يريد مكابرةً منهم وجهلًا شنيعًا؛ حيث صار المصنوع صانعًا على حسب مفهومهم، فالطائرة هي التي كوَّنت فكرة الإنسان لصناعتها، وما الذي يمنعهم من هذا وقد زعموا أن الحياة كلها ظهرت صدفة دون مدبِّر عليم، نتيجة تفاعلات المادة الناتجة عن حركتها الذاتية المستمرة، لا أن هناك ربًّا خالقًا لها، وهي مكابرات؛ لعلهم أول من استيقين بطلانها لولا العناد والاستكبار وتنفيذ خطط ماكرة1 أملتها الأحقاد اليهودية على مر السنين.
1 انظر: "كواشف زيوف" ص5112-515.