الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى
؟
تقدَّم أنه لا يمكن أن نجد إنسانًا سليم العقل والفطرة يعتقد أن الله سبحانه وتعالى يخفى على عباده، فالعقل والكون كله، وجميع المخلوقات من نامٍ وجماد، وساكن ومتحرك، كلها تدل على وجود الله سبحانه وتعالى، وتشهد بقدرته وحكمته ولطفه وعظمته جميع ذرات هذا الكون، ولهذا فلسنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلة على وجوده، فهو أمر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي لمن عنده أدنى شك في وجود المولى عز وجل، ومن العجيب أن يستدل الملاحدة على إنكار وجود الله تعالى بأدّلة هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرأوا فنفوا وجود الله عز وجل إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والأناجيل من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهمّ بالشيء ثم لا يفعله.
نعم إن مثل هذا الإله من السهل جدًّا إنكاره، خصوصًا إذا أضفنا إليه
الصفات التي وردت له في التملود من تعلقه ببني إسرائيل، وتدليله لهم، وغضبه أحيانًا عليهم، ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير، ويقص شعر حواء
…
إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها فضلًا عن اعتقاد احترامه.
ولكننا لا نبحث عن هذه الإله، ولا عن الإله الذي اعتقدت الشيوعية فيه أنه يحابي الظلمة، أو أنه لا وجود له إلّا في أذهان الرجعيين؛ لأنه غير منظور وغير موجود، متجاهلين أنه ليس كل موجود حتمًا يرى، كوجود الهواء الذي نحسّ به ولا نراه، ووجود العقل في الإنسان؛ إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل، ووجود الروح؛ إذ نفرق بين الحي والميت، وأمثلة لا تحصى، إننا نؤمن بإله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إله يعلم السر وأخفى، إله خلق فسوى، وقدَّر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، إننا نؤمن بهذا الإله الحق، ونكفر ونلعن من يشك في وجوده.
ولقد تيقَّن كل إنسان أنه لم يخلق نفسه، وأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا المادة ولا الطبيعة خلقت أحدًا؛ إذ هي مخلوقة مقهورة، كما أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول: إنه يخلق شئًا ما، أو أنه خلق نفسه أو غيره، وقد استيقن بهذا حتى أكابر الملاحدة، وما جحد من جحد منهم وجود الله إلّا عنادًا واستكبارًا وبغضًا للكنيسة ورجالها، ولقد صاح المفكرون في أوروبا وشهدوا على النصرانية والإلحاد بالضلال، وهذه الشهادة الصادرة على ضلال هذه الطوائف من أهلها لهي أكبر دليل على أنَّ الإلحاد لا استقرار له ولا مكان له، وإنما هو زوبعة عارضة ستنتهي إن شاء الله كما انتهت سائر الأفكار الباطلة، ومن الذين شهدوا على ذلك:
"رسل تشارلز أرنست" أستاذ الأحياء والنبات بجامعة فرانفكورت بألمانيا؛ حيث قال: "لقد وضعت نظريات عددية لكي تفسّر نشأة الحياة من عالم الجمادات، فذهب بعض الباحثين إلى أن الحيَّة قد نشأت من البروتوجين، أو من الفيروس، أو من تجمُّع بعض الجزيئيات البروتينية الكبيرة، وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات فد سدَّت الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات، ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلِّم به أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشل وخذلان ذريعين، ومع ذلك فإنَّ من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشرة للعالم المتطلع، على أن مجرَّد تجميع الذرات والجزيئات من طريق المصادفة يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية، وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة، فهذا شأنه وحده، ولكنه إذ يفعل ذلك فإنما يسلِّم بأمر أشدَّ إعجازًا وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق الأشياء ودبرها".
"إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها، وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته، شهادة تقوم على الفكر والمنطق، ولذلك فإنني أؤمن بوجود الله إيمانًا راسخًا"1.
ويقول "إيرفنج وليام" الحاصل على الدكتوراه من جامعة أيوا، وأخصائي وراثة النباتات، وأستاذ العلوم الطبيعة بجامعة ميتشجن: "إن العلوم لا تستطيع أن تفسِّر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها
1 الله يتجلَّى في عصر العلم، ص77.
والتي لا يحصيها عد، وهي التي تتكون منها جميع المواد، كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا -بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها- كيف تتجمَّع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكوّن الحياة"1.
ويقول "ألبرت ماكومب ونشستر" المتخصص في علم الأحياء: "ولقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة، وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون، انظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق، فهل تستطيع أن تجد له نظيرًا في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة، إنه آلة حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار بالآلاف من التفاعلات الكيمائية والطبيعية، ويتم ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم، وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية، فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقّدة، إن الله لم يصنعها هكذا وحدها، ولكنه خلق الحياة، وجعلها قادرة على صيانة نفسها وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل، مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعينها على التمييز بين نبات وآخر، إن دراسة التكاثير في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء وأكثرها إظهارًا لقدرة الله"2.
وهناك عشرات بل مئات الأدلة على خالق هذا الكون ومدبره، وشهادة هؤلاء العلماء، كل في مجال تخصصه، شهادة حق والحق مقبول من أي شخص كان.
1 الله يتجلى في عصر العلم، ص52.
2 المصدر السابق ص105-106.
والملاحدة وهم ينكرون وجود الله تعالى ولا يعترفون بأنه هو الخالق المدبر لهذا الكون وما فيه، هم أقل وأذلّ من أن يصلوا إلى قناعة بإنكارهم، وهذا إجرام شنيع، ولم يكتفوا به، بل أضافوا إلى هذا الإجرام زعمهم أن العلم هو الذي دلَّ على هذا، وأن البديل عن الله تعالى هي الطبيعة التي قالوا عنها بأنها هي التي خلقت السموات والأرض والإنسان والنبات وسائر المخلوقات، فكيف تَمَّ ذلك حسب تعليلهم؟
قالوا: "إن وجود هذا الكون وما فيه إنما هو نتيجة حركة أجزاء المادة وتجمعها على نسب وكيفيات مخصوصة بوجه الضرورة بدون قصد ولا إدراك، وبسبب تلك الحركة أخذت تتجمَّع أجزاء المادة المختلفة الأشكال على كيفيات وأوضاع شتَّى، فنتجت تلك المتنوعات". هذا هو مبلغهم من العلم، أنَّ كل شيء وُجِدَ بطبيعته عن طريق الصدفة والحركات التطورية دون قصد ولا إدراك على أن هذه الطبيعة التي يزعمون أنها تفعل كل ما تريد، نجد أن بعضهم لا يحترمها، بل يتعمد الإساءة إليها وإهانتها بأنواع السباب واللمز في إرادتها وقوتها ووفاءها.
وإليك ما قاله وزير خارجية أكبر دول العالم وأقواها في عتابه المرير وتهكمه بالطبيعة حينما لم تتحقق لهم آمالهم وما يطلبونه منها، فقد قال "كولون باول"، و"ريتشارد باوتشر":"إننا ندين تخلف الثلج عن موسم الأعياد راجيًا الطبيعة الأم أن تعالج هذه المسألة" إلى أن قال: "لا يمكن لشيء أن يبرر إفساد هذا الحدث الهائل، إننا ندعو الطبيعة إلى القيام بمبادرة فورية"، وقال: "إننا نعتبر استمرار الطبيعة في رفض القيام بواجباتها
حيال الدول المتحضرة عملًا استفزازيًّا وغير إيجابي، لذلك ندعو الطبيعة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بغية تساقط كمية مناسبة وذات مصداقية من الثلوج"، وإذا أردت التعليق على هذا الكلام السخيف المملوء بالكبرياء والعنجهية فاقرأ ما كتبه عبد الزراق السيد عيد بعنوان: "أمريكا تكشف عن وجهها القبيح، وتعلن الحرب على الطبيعة" في مجلة التوحيد1.
فيا ترى ما يقصد بالطبيعة الأم؟ إنه إلحاد وكفر وسخف، فما هي الطبيعة الأم التي يتحدث عنها هؤلاء ويقولون: إنها هي التي تخلق وتحيي وتميت وتزرق من تشاء وتمنع من تشاء، وتخاطب بتلك اللهجة الحارة المفتقرة إلى الأدب، فمن المعورف أن الطبيعة لا تخلو عن:
1-
إمَّا أن تكون هي نفس الذوات الموجودة في الكون، من الحيوان والنباتات والجماد، وهذه كما يرى القارئ لا يصح الاستغاثة بها ليتساقط الثلج في موسم الأعياد؛ ليلهو ويلعب بها طغاة اليهود.
2-
وإمَّا أن تكون هي صفات الأشياء الموجودة في العالم من حركة وسكون، وحرارة وبرودة، وليونة ويبوسة، وغير ذلك، وهذه أيضًا كذلك لا تملك لنفسها وجودًا ولا عدمًا.
ومهما كان الجواب فإنه خطأ وجهل شنيع حين يستند إيجاد هذا الكون البديع عن طريق طبيعة لا تعقل ولا تملك لنفسها ولا لغيرها ضرًّا ولا نفعًا.
1 مجلة التوحيد ص21، السنة الثلاثون، العدد الثاني، عشر ذو الحجة 1422هـ، وقد نقل النص المذكور عن جريدة الخليج في عددها الصادر بتاريخ 7/ 11/ 1422هـ نقلًا عن وكالات الأنباء.
فهل يتصور أحد أن من لا يعقل يخلق من يعقل؟
وهل يستطيع شيء لا إرادة له ولا غاية له أن يخلق كائنًا له إرادة وغاية؟
إن الإنسان كائن عاقل مدبر، وله إرادة وهدف وغاية،. والطبيعة ليست لها تلك الصفات، فهي ناقصة، فهل يمكن للناقص أن يوجد الكامل؟
إن هذا الكون محكم متقن {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 1.
الكواكب محكمة بإتقان، والبحار لا يطغى بعضها على بعض، والحيوانات لا تلد إلّا نفس الحيوان من جنسها، والشجرة لا تنبت إلّا نفس الشجرة، وقس على هذا سائر ما تراه في هذا الكون، فالإنسان هو الإنسان، والبقرة هي البقرة، والكبش هو الكبش، أينما اتجهت في هذه الأرض مما يدل على أن الخالق واحد، فكيف تستطيع الطبيعة أن تدير هذا الكون بهذه الدقة المعجزة التي تشهد آياتها في كل ما حولنا من شئون الكون والحياة أن لها خالقًا قاهرًا؟! ثم يقال للملاحدة أيضًا: هل لأجزاء المادة إرادة وقصد في تنويع المخلوقات في العالم من نجوم وكواكب ومعادن ونباتات وحيوانات وبشر؟ كيف يفترض إنسان أن يكون كل هذا وُجِدَ بفعل ذرَّات الطبيعة الصماء؟
إن المادة لا عقل لها ولا بصر كي ترتّب المخلوقات وتنظم شئونها، ولا منطق لها كي تفكر في مستقبل الأشياء وما تحتاجه، وهذا يعين أن "القول
1 سورة يس، الآية:40.
بخلق الطبيعة للوجود لا يخرج عن تفسير الماء بالماء، فالأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء، والأصناف صنعت نفسها، والأشياء أوجدت ذواتها؛ فهي الحادث والمحدث، وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته، وبطلان هذا القول بيّن، وهو لا يخرج عن أمرين:
1-
إمَّا الادعاء بأنّ الشيء وُجِدَ بذاته من غير سبب، وهذا قول فاسد.
2-
وإمَّا ازدواج الخالق والمخلوق في كائن واحد، فالسبب عين المسبب، وهو مستحيل، وهو تهافت وتناقض لا يحتاج لشرح.
لو كانت الطبيعة هي الخالق كما يقولون؛ لكانت قوانينها واحدة، المريض لا بُدَّ أن يموت، والصحيح لا يمرض، والنبات الذي يسقى بماء واحد لا يختلف طعم ثمره؛ لكننا نرى العكس، أحيانًا نرى المريض يشفى، والصحيح يموت بدون مرض أو علة، ونرى الزرع والنبات في ساحة واحدة يمتص غذاء في الأرض من تراب واحد، ويسقى بماء واحد، ولكن الثمر قد يختلف في المذاق والألوان والروائح والمنافع والمضار، فهل هذا كله من صنع الطبيعة الصمّاء أو المادة العمياء؟ وهل هذا هو العلم الذي يقولون به؟
إن هذا هو الجهل بعينه وليس بالعلم، ثم تأمَّل قول الله تعالى:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 1.
1 سورة الرعد، الآية:4.
وقوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} 1.
تأمَّل هذه الآيات ودلالتها إذا أردت أن تخرج من ظلمات الجهل إلى نور
1 سورة النحل، الآية:13.
2 سورة الحج، الآيتين: 65-66.
3 سورة النمل، الآيات: 60-64.
العلم واليقين، فهذا هو الحق، وهذا هو البرهان الذي يجب أن نطأطأ له الرءوس والعقول إجلالًا وخضوعًا، وأين هذه البراهين من ترهات المنحرفين الضالين عُبَّاد المادة.
ومما يجدر بك الاطلاع عليه ما سجَّله العلماء التجريبيون من الإيمان بالله تعالى عن قناعة ويقين من خلال بحوثهم وتجاربهم في اكتشافاتهم العلمية.
وإليك أمثلة رائعة تدين الإلحاد القائم كذبًا على ما سموه علمًا من واقع ما كتبه بعض العلماء التجربيين:
جاء في كتاب "الله يتجلّى في عصر العلم" ثلاثون مقالة لمجموعة من كبار العلماء الأمريكيين في تخصصات علمية مختلفة؛ في علوم الكون والحياة من كيمياء وفيزياء وتشريح وأحياء، تذكر كلها أنواعًا من الأدلة العلمية على وجود الله، بعد أن أدهشهم ما توصلوا إليه من ملاحظات، وما شاهدوه من عجائب خلق الله. لكن يجب قبل أن نسوق شواهد من أقوال هؤلاء العلماء أن نؤكّد في البداية أننا لا نسوق هذه الشواهد لحاجتنا إليها، فعندنا في كتاب الله ما يكفي ويشفي، ولكننا نسوقها لنرغم بها أنوفًا فتنها التقدُّم العلمي في هذا العصر، فظنوا أن العلم يقتضي عدم الإيمان بالله تعالى، ولنرد بها على الذين يزوعمون أن علماء الطبيعة -أو كثيرًا منهم- ملحدون؛ لأن الإيمان يجافي العلم، بزعهم، وإليك تلك النماذج الرائعة:
يقول "فرانك ألن" عالم الطبيعة البيولوجية: إذا سلَّمنا بأن هذا الكون موجود، فكيف نفسِّر وجوده ونشأته؟ هناك احتمالات أربعة للإجابة على هذا السؤال:
1-
فإمَّا أن يكون هذا الكون مجرَّد وهم وخيال، وهذا يتعارض مع ما سلَّمنا به من أنه موجود.
2-
وإمَّا أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم، وهذا مرفوض بداهة.
3-
وإمَّا أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بداية، وهذا الاحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله من أزلية الخالق، لكن قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسه مرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة، فهو إذًا حدث من الأحداث، ولا يمكن إحالة وجود هذا الحديث المنظَّم البديع إلى المصادفة عقلًا، ولذلك فهذا الاحتمال باطل.
4-
وإمَّا أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه، وهو الاحتمال الذي تقبله العقول دون اعتراض، وليس يرد على إثبات هذا الاحتمال ما يبطله عقلًا، فوجب الاعتماد عليه.
وقال "جون كليفلاند كوثران" عالم الكيمياء والرياضيات: تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة، والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فإن المادّة ليست أبدية، ومعنى ذلك أيضًا أنها ليست أزلية؛ إذ أنَّ لها بداية، وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة ولا تدريجية، بل وجدت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد، وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لا بُدَّ أن يكون مخلوقًا، وهو منذ أن خُلِقَ يخضع لقوانين وسنن كونية محدَّدة ليس لعنصر المصادفة بينهما مكان. فإذا كان هذا
العالم المادي عاجزًا عن أن يخلق نفسه، أو يحدد القوانين التي يخضع لها، فلا بُدَّ أن يكون الخلق قد تَمَّ بقدرة كائن غير مادي متَّصف بالعلم والحكمة.
وقال "إدوارد لوثر كيسيل" أستاذ الأحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو: "يرى البعض أن الاعتقاد بأزلية هذا الكون ليس أصعب من الاعتقاد بوجود إله أزلي، ولكنّ القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي، فالعلوم تثبت بكل وضوح أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا، ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أن لهذا الكون بداية، فقد أثبت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة1، ولو أنَّ المشتغلين بالعلوم نظروا إلى ما تعطيهم العلوم من أدلة على وجود الخالق بنفس روح الأمانة، والبعد عن التحيز الذي ينظرون به إلى نتائج بحوثهم، ولو أنهم حرَّروا عقولهم من سلطان التأثّر بعواطفهم وانفاعالاتهم، فإنهم يسلمون دون شك بوجود الله، وهذا هو الحل الوحيد الذي يفسّر الحقائق، فدراسة العلوم بعقل متفتح تقودنا دون شك إلى إدراك وجود السبب الأول الذي هو الله2.
وإذا كان وجود الله تعال يتجلّى بهذا الوضوح، فما الذي حمل الملاحدة على إنكاره؟! وما هي الشبهات التي تعلقوا بها؟
1 من أين له هذا التحديد؟! ونحن نصدقه في أن للكون بداية لكن لا نعرف تحديدها.
2 انظر لتلك النصوص كتاب "الله يتجلى في عصر العلم"، وهذه النصوص نقلًا عن كتاب "صراع مع الملاحدة حتى العظم" ص115-120، وانظر بقية المقالات في هذا الكتاب.