الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية
؟
اختلفت وجهات نظر الباحثين -فيما يظهر من كتاباتهم- حول العلاقة بين الاشتراكية والشيوعية، وفيما يلي أذكر بين يدي القارئ حاصل ما قيل حول هذه العلاقة.
1-
لا فرق بين الاشتراكية والشيوعية، بل هما اسمان لمسمَّى واحد، وعن تعليل التسمية بالاشتراكية بدلًا عن التسمية بالشيوعية يقال: إن الشيوعية من بعد ماركس اشتهرت بأنها شيوعية "مزدك"1، فنفر منها الناس، ومن هنا صارت كلمة الاشتراكية أقلّ استنكارًا؛ لهذا جعلت البذرة الأولى لشجرة الشيوعية الخالصة وإلّا فالشيوعية والاشتراكية اسمان لمسمى واحد"2.
2-
إن الاشتراكية ترمي في النهاية إلى الشيوع، وإن الفرق بينهما يكمن في الناحية العلمية، فالشيوعية ترى أن جميع الثروات الاجتماعية مجموع يستهلك الفرد منه بقدر ما يسد جميع حاجاته، وليس فقط
1 نسبة إلى "مزدك" الذي ظهر في فارس أيام حكم الامبراطور "قباذ"؛ حيث جمع "مزدك" حوله الصعاليك ومن انضمَّ إليه وكوَّن منهم قوة كبيرة، بل واعنتق "قباذ" هذه الفكرة، وقامت شيوعية الأموال والنساء حتى ما كان الرجل يعرف له أبًا أو أمًّا، واشتد شرها وضررها على الناس حتى أنقذهم الله على يدي "أنوشروان" ولد "قباذ"، فقتل منهم جموعًا غفيرة؛ إذ كان من أشد أعدائهم، وقتل "مزدك" شرَّ قتله.
2 انظر "هذه هي الاشتراكية" ص15.
بقدر ما يناسب خدماته، على أنّ هذا الحق في الاستهلاك يتوقف عند الشيوعيين على واجب الإنتاج والعمل، فمن لا يعمل لا يأكل على حد قولهم، وهي ما يعبر عنها بقولهم:"من كلٍّ طبقًا لكفايته ولكل طبقًا لحاجته"، أما الاشتراكية فتتفق مع الشيوعية في وجوب إنشاء المجموع العام من الثروات، ولكنها تخالفها في طريقة التوزيع، فتسمح لكل فرد من الثمرات العامة بما يناسب عمله وجهوده لا بما يناسب حاجته"، ولهذا يذهب بعض الباحثين إلى أنه لا فرق بين الشيوعية والاشتراكية إلّا في القانون التالي: "من كلٍّ حسب طاقته ولكلٍّ حسب عمله "الاشتراكية"، "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته"1.
3-
إن بين الاشتراكية والشيوعية من جهة وبين الفاشستية من جهة أخرى شبهًا قويًّا؛ من حيث أن الاشتراكية والشيوعية ترميان كلتاهما إلى تقوية قبضة الدولة في توجيه الإنتاج والقضاء على حرية الفرد، وكذا النظام الفاشستي، وكلها صور من صور الديكتاتورية.
4-
اعتبر "لينين" الاشتراكية هي المرحلة التي تسبق الشيوعية مباشرة، فهي مقدمة أو تمهيد لها معتبرًا أن الاشتراكية مرحلة أولى، بينما الشيوعية هي المرحلة الأخيرة العليا2.
5-
إن الاشتراكية تختلف عن الشيوعية3، ولكن ما معنى هذا التفريق
1 انظر الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص191.
2 المصدر السابق ص165.
3 انظر "مقدمة في الفكر السياسي" ص180.
وإذا عرفنا أن "ماركس" هو الذي أنشأها وسماها أيضًا الاشتراكية العلمية، حتى تتميز عن الاشتراكية الخيالية التي أنشأها "سان سيمون"، و"لويس" ورفاقهما، والتي لم يرتضيها "ماركس"؛ حيث اعتبر اشتراكيته مرحلة حتمية لا تقبل الرفض؛ لأنها نتيجة مضادة للرأسمالية التي تنبأ بأنها ستنتهي وتحل اشتركيته محلها، وأن الدول الكبيرة مثل بريطانيا وغيرها ستعود حتمًا إلى الأخذ باشتراكيته، وستموت الأنظمة الرأسمالية فيها، فكانت النتيجة على حد قول الشاعر:
زعم الفرزدق أن سيتقل مربعًا
…
أبشر بطول سلامة يا مربع
فقد احتضرت الاشتراكية في الشرق في الوقت الذي انتعشت فيه الرأسمالية في الغرب، وكذب ظن "ماركس" ورفاقه الأغبياء.