الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
تمهيد عام عن الشيوعية:
لقد أصبح اسم الشيوعية اسمًا بغيضًا إلى القلوب يوحي بالشؤم، ويقترن بمحاربة الله والأديان والأخلاق والرحمة والطمأنينية والعدل، ويرمز إلى الشرور والإباحية والفوضوية والصراع الطبقي، والقضاء على الأسر ومصادرة الأموال العامة والحريات كلها -غير الجنسية.
وقد أخذت هذه التسمية من مبدأ شيوعية المال بين الجميع وعدم الملكية الفردية وحصرها في يد الدولة، التي يعيش أعضاؤها في بذخ لا حدود له، وقد ذكر في الموسوعة العربية الميسرة1:"إن الشيوعية مصطلح يصعب تحديد معناه"، وبعد أن ذكرت تلك الموسوعة أن الشيوعية نظام اجتماعي تكون فيه الملكية في يد المجتمع، قالت:"والشيوعية بهذا المعنى قديمة قدم المجتمع نفسه"2.
وهذا كذب محض، فإن هذا التعبير من الدسائس التي أحتوت عليها هذه الموسوعة متأثّرة بما لفَّقه زعماء الشيوعية من أن المجتمعات في القديم كانت بدائية، وكانت الملكية فيها مشاعة بين الجميع في شكل اكتفاء ذاتي يتقاسم أفراده السلع والخدمات نظرًا لظروفهم الخاصة القاسية التي تحتّم عليهم ذلك، كما هو الحال على الخصوص في المجتمعات التي تعيش في قنص الحيوان -بزعمهم3.
1 وهي موسوعة فيها دسٌّ خطير يجب الانتباه له.
2 الموسوعة العربية الميسَّرة ج2، ص1110.
3 المصدر السابق ص1111.
لقد قامت الشيوعية الماركسية كالمارد الجبار تريد أن تقيم مجدًا زائفًا على أنقاض الديانات الإلهية كلها، وإحلال الديانات الوضعية البشرية مكانها، شعارهم "لا إله والحياة مادة"، هدفهم هدم الأديان وإعلاء اليهودية، ومع أن شعارهم "لا إله" فهو شعار كذّاب، فقد أحلَّ طغاة الشيوعية أنفسهم محل الإله العظيم، وأحلوا تعاليمهم الإلحادية محل الدين، وقوانيهم محل الشريعة، فقد احتوت الشيوعية على جميع نواحي الحياة من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، بل وكل ناحية في حياة البشر بدلًا عن الإله وعن الأديان وكافَّة النظم البشرية.
وإذا كانت السمة الظاهرة للنَّاس أن الشيوعية لا شأن لها بأية ناحية غير الناحية الاقتصادية، وأنَّ مهمتها خدمة الشعوب لكي تعيش في جنة عالية، قطوفها دانية، إذا طبَّقوا التعاليم الماركسية الجهنمية التي زعم أقطابها أن البشر سيعيشونها في يوم ما وسيحكمون أنفسهم بأنفسهم، لا عداوة، ولا فقر، ولا جهل
…
إلخ، فإن هذه السمة الظاهرة هي ترهات الشيوعية وخدعها التي نجحت على كثير من البشر، فأصبحوا ضحايا خاسرة للشيوعية ومبادئها الجوفاء.
ولقد تظاهرت الشيوعية بذلك لتعمل في الخفاء وبعيدًا عن الأنظار، لما قامت من أجله من تحقيق أحلام اليهود، وليس تحقيق أحلام الفقراء، فزعموا للناس أنهم ركبوا كل صعب وذلول للاهتمام بالنواحي الاقتصادية أولًا وأخيرًا، وأن كل ما يصدر عن هذا الفكر من سلوك وتقنين إنما هو تابع لتحقيق هذا الجانب لا غيره، وسيتبين إن شاء الله الردَّ عليهم
أن هذا الزعم أصبح سرابًا كاذبًا، وهباء في مهب الريح، ويعبرون عن هذه الظاهرة بالمادة التي صارت هي المعبود والنظام والتاريخ، وأقطاب الشيوعية كما هو معروف كانوا نصارى في الأساس وأغلبهم يهود، وقد وصفوا نظريتهم بالإلحادية "المادية"، وجعلوها محور كل شيء في الوجود، والتاريخ أقاموه على "التفسير المادي للتاريخ"، فكل مظاهرهم إنما هي تابعة لتصورهم المادي، كما أن مظاهر الفرويدية كلها متوجّهة نحو الجنس، وكلتا النظريتين موجَّهتين بدقة من قِبَلِ الماسونية اليهودية للقضاء على كل ما عند الجوييم -كما يسميهم اليهود- ليصحبوا حميرًا لشعب الله المختار -كما تمنِّيهم بذلك تعاليم التوارة المحرفة والتملود الجهنمي المملوء حقدًا على جميع البشر ما عدا اليهود.
وكان "ماركس" قد تضلَّع من دراسة الحضارة الإغريقية الرومانية في الوقت الذي كانت فيه تعاليم المسيحية المحرَّفة تتهاوى إلى الحضيض وتداس تحت أقدام أولئك الذين خرجوا عن طغيانها الذي لا حد له، وعن صلاحيات البابوات ورجال الدين التي لا نهاية لها، وفي الوقت الذي نشط في دهاة الماسونية، ومنهم كارل ماركس لتحطيم كل حضارات العالم، وإقامة هيكل سليمان الذي هو نصب أعين اليهود كلهم.
ظهرت الماركسية لتجعل الإنسان هو مصدر كل سلوك ومعرفة هو الإله المشرِّع وهو الخالق المبدع وهو كل شي، وليس وراء أي شيء، فلا وجود للإله الذي مارس طغاة الكنيسة كل جبروتهم باسمه، ولا أديان تضطهد اليهودية واليهود، ولا حياة أخرى هي مصدر الخلاص، إذا كان الشخص يملك صك
غفران عن البابا، بل الإنسان هو الإله، والدنيا هي غاية الإنسان عليها ليسعد أو يشقى، ولا عبرة بما قالته الأديان الإلهية من وجود قوة أخرى غير الإنسان، أو حياة أخرى غير هذه الحياة، بل إن ما وراء الطبيعة من المغيبات إن هو إلّا سراب يجب أن يختفي أمام الحضارة اللادينية العاتية، عالم المحسوسات التي لا تؤمن الشيوعية الملحدة إلّا به وحده، معللة لوجود هذا الكون ونشأته، ونشأة التدين عند الإنسان بخرافات كاذبة خالية لا يسندها عقل ولا منطق، الكون تجمَّع من ذرات، والإنسان أصله قرد
…
إلخ.
ومن العجيب أنهم يسمّون هذه التخيلات المفتراة على البشرية التي تنافي ما أكرمهم به الله من حفظ ورعاية ومعرفة بأمور دينهم ودنياهم العجيبة، أنهم يسمّونها حقائق ويدافعون عنها كأنهم عايشوها من أول يوم عرفت فيه البشرية، ومن كذبهم في هذا فإن نبزه بالرجعية والتخلف أمر جاهز في قواميسهم التي لا تتورَّع عن هدر أعراض الناس ودماءهم {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} 1.
وهو رجم بالغيب وظلم للبشرية وتصديق لأقوال الكذابين أمثال: "ماركس"، و"دارون"، و"فرويد" وغيرهم من أشرار البشر الحاقدين.
وقد ساعد على تعميق الإلحاد الشيوعي تلك النظريات الكثيرة والشُّبَه التي سمَّوْها حقائق لمعرفة هذا الكون وقيامه على القوانين التي عرفت أخيرًا مثل قانون الجاذبية الذي أرسى كل شيء في الوجود في مكانه، وقانون تجمع أجزاء المادة التي انفجر عنها هذا الكون، وغير ذلك مما زعموه مؤيدًا
1 سورة الزخرف، الآية:19.
لنظريتهم الملحدة، فحجبت تلك المفاهيم -الخاطئة للشيوعية والنصرانية- العقل عن التعلق بموجد لهذا الكون، وأنَّ مجرد التفكير فيه يعد رجعية، ولهذا -كما سمعنا- أن الروس قتلوا العائدين من سطح القمر في أول رحلة فضائية؛ لأنهم أيقنوا أن لهذا الكون موجدًا، وما إن أطلَّ القرن التاسع عشر الميلادي إلّا وقد ظهر قرن الشيطان وساد القول بسيادة الطبيعة على الدين والعقل، فهي الحاكم المطلق والإله الذي لا ينازع، وقد تولى كبرها "أوجست كونت"، ،"فرباخ"، و"ماركس"، و"انجلا" بدافع قوي من الحقد الشديد على رجال الدين الكنسيّ الذي يمثّل حسب تعليلهم قوة ما وراء الطبيعة من الأمور المغيبة والروحية التي اعتبروها وهمًا وخداعًا لا حقيقة له، لعدم اندراجها تحت قوة الإحساس والإدراك المباشر، وأن الالتجاء إلى ذلك الغيب إنما نتج عن الوراثة والبيئة والحياة الاجتماعية في تلك الأزمان المختلفة بزعم دعاة الإلحاد.
ولقد ظلت الشيوعية قرابة سبعين عامًا في صولة وجولة قوية مزبدة، يحسب لها حسابها، إلى أن أذن الله بزوال قواتها بقدرته وحده؛ أذ ما كان أحد يفكر في النيل منها، فإذا بها يأتيها حتفها بظلفها على يد آخر زعيم لما كان يسمَّى بالاتحاد السوفيتي، وهو "ميخائيل جورباتششوف"، وأفل نجمها وجبروتها، وثارت الشعوب واقتصوا من كل الظالمين.
والآن، وبعد أن تبيِّنَ المصير النهائي للماركسية الشيوعية أقول: إنه من الغريب جدًّا أن تموت الشيوعية في عقر دارها -الاتحاد السوفيتي سابقًا، وأن تكتشف الشعوب أن هذا المذهب فاشل باطل لا يجر إلى خير،
بل إلى الخراب والدمار وإثارة البغضاء وانتشار البطالة والفواحش، وأن الجنة الأرضية التي وعد بها "كارل ماركس" إن هي إلّا سراب خادع وآمال كاذبة، وأن تعاليمه إن هي إلّا جحيم لا يطاق وتعاسة وشقاء.
وأن الشعوب كانوا يساقون إلى الموت وهم ينظرون، طائعين أو مكرهين، وأن في التخلص من هذا المذهب راحة لا تعدلها راحة، وفوزًا لا يعدله فوز، فهبَّت تلك الشعوب المظلومة لتنفض عنها غبار تلك السنين العجاب، ثم داسوا مبادئ "ماركس" ونظرياته تحت نعالهم، وتنفسوا الصعداء، وبعضهم قام بشنق تماثيل بعض طغاة الشيوعية القدماء، وبعض الحكام الحاليين، وقالوا: لا رجعة للشيوعية هنا.
أقول: من الغريب أن يحصل هذا وأكثر منه في تلك البلدان التي ذاقت مرارة التعاليم الشيوعية وفرحت بانقشاعها عنها، ثم تقوم بعض الأحزاب في البلدان العربية الإسلامية بالمناداة باعتمادها كحزب شيوعي شرعي، وأين الشرع من تعاليم "ماركس"، ثم تقوم بعض الحكومات باعتماد تلك الأحزاب والترخيص لهم بدخول المجالس النيابية والبرلمانية، وما إلى ذلك، كما سمعته من دولة إسلامية عربية في إذاعتهم المسموعة، إن الأمر يدعو إلى العجب -قبَّح الله تلك الأحزاب وقبَّح الله من يسمح لهم:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.
1 سمعت من إحدى الإذاعات أن دولة أوروبية أمرت بإخراج تمثال لينين وشنقه أمام الناس، وقد شنقوا بعض رؤسائهم مثل: تيتو وزوجته أمام الناس.
2 سورة الأعراف، الآية:179.
ولقد قيل في المثل: "العاقل من اتَّعظ بغيره، فلماذا لا يتَّعظ هولاء بمن قد ذاق الحياة الشيوعية البائسة وضاق بها ذرعًا، أليس لهؤلاء قلوب يعقلون بها؟ وأعين ينظرون بها؟ وآذن يسمعون بها؟ فيكفون عن التعلق بالشيوعية الحمراء، وبتقديس زعمائها الذين لا يساوون قيمة نعالهم.
إن الأمر واضح وجليّ لولا أن مؤامرة جديدة أيضًا تهدد العالم في ثوب جديد وبأسلوب جديد، قد يشعر الناس به وقد لا يشعرون، وما أكثر النكبات التي يدبرها شياطين الإنس والجن للمغلوبين على أمرهم، تحت مختلف الشعارات البراقة والخادعة من دعاة الماسونية واليهودية العالمية الحاقدة على الجوييم وما يمتلكونه من حضارات وقيم، ومرور الأيام والليالي كفيلة بإيضاح كل ما يبيتون، والله لهم بالمرصاد.