الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها
لقد قامت الوجودية في الغرب في فرنسا كما قام غيرها من المذاهب الفكرية الضَّالة التي تنادي بالانفلات والتحرر من تلك الأوضاع البائسة التي خيَّمت على أهل أوربا بثقلها الثقيل طول سنوات عديدة، وما إن تنفَّس أهل أوربا الصعداء ووجدوا نوعًا من الحرية إلّا وهاموا في كل وادٍ؛ إذ أصبح الحبل على الغارب، وعملت الأفكار أعمالها بعد أن كانت مكبوتة في عهد البابوات الإقطاعيين والسلطات الجبارين، إلّا أنه ليس هذا هو السبب الوحيد في قيام الوجودية، بل كانت هناك أسباب أخرى سيأتي ذكرها، وحينما قام مذهب الوجودية جرف في طريقه كل مظاهر الولاء لله تعالى وللأديان وللأخلاق، وجعل الإنسان إله نفسه، يجب أن يفعل كل ما يروق له بمفرده وباختياره، له مطلق الحرية في أن يعيش كما يشاء، كما أكَّده الملحد اليهودي جان بول سارتر زعيم الوجودية الملحدة الذي أشاعها وروَّج لاعتناقها، وإن كان قد سبق إليها الفيلسوف الفرنسي "جبريل مارسيل" المولود سنة 1889م، وقبله الدانمراكي "سورين كير كجورد" سنة 1813م، الذي كان متأثرًا بالمسيحية البروتستانتية، ومن مشاهير الوجودية "سيمون دي بوفوار "عشيقة "سارتر" التي قضت حياتها معه دون زواج شرعيّ، كما يذكر الباحثون، ومن زعمائها قبل "سارتر" الألمانيان "مارتن هيدجر" 1889م، و"كارك يسبرز" 1883م1، ولكنهما أقلّ منه إلحادًا.
1 الموسوعة الميسرة ص899.
ومن المشاهير أيضًا في ورسيا "بيرديائيف" و"شستوف" و"سولوفيف"، وغيرهم ممن عاش الأحداث المؤلمة والأحزان المتوالية والعقائد الباطلة التي لا تتفق مع العقل ولا الواقع أيضًا، التي تزخر بها الديانة النصرانية المحرّفة في عصورها المختلفة.
ويذكر الباحثون أن الوجودية قد عُرِفَت منذ زمن بعيد -قبل سارتر- إلّا أنها لم تقم في البداية على الإلحاد أو إنكار وجود الله تعالى أو محاربة الأخلاق والفضائل، بل إن زعماءها من فلاسفة اليونان مثل سقرط ما كانوا يحاربون الدين -المسيحي- فيما يذكر عنهم، إلّا أن الوجوديين بعد أولئك قد أوغلوا في بعض الأفكار التي استفادوا من إشارتها، وبنوها على الإلحاد تحقيقًا للتضليل اليهودي بزعامة سارتر، الذي أقام وجوديته -كما أسلفنا- على أنَّ الإنسان هو الخالق لحياته وتفكيره بتطوره المستمر حسب إرادته وميوله، دون أن يكون له مشارك مدبِّر خارج ذاته -نفي وجود الله- فهو الذي يخلق الخير والشر والطيب والخبيث باختياره وإرادته، ولكن عند التدقيق في النتيجة حول هل يحاسب الإنسان بفعله إن خيرًا أو شرًّا، ويتحمّل مسئوليته أم لا؟ نجد سارتر قد تناقض في الجواب؛ إذ زعم أن الإنسان قد لا يتمكّن من فعل كل ما يريد، وقد يفعل أمورًا يستحق عليها الجزاء؛ لأنه هو المسئول عنها، وكان الأولى على مذهبه أن لا يقول بمسئولية الإنسان عن أي فعل يفعله أويتركه، وأن لا يقال لأيّ أمر إنه خير أو شر، بحكم ما قرره سارتر من وجوب بحث الإنسان عن نفسه دون أي مبالاة أو رقيب؛ ولأنَّ كل فاعل لأي فعل سيفسّره على أنه عمل خير، حتى وإن كان ذلك الفعل هو ارتكاب أفظع الجرائم، ومن هنا فإنه لا يتبقَّى أي حقيقة مسلَّمة، ولا يصح أن يقال هذا حلال وهذا حرام، أو هذا خلق فاضل أوغير فاضل، فالأمر كله من حق الشخص.