الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين
تبيَّن من الحوادث التاريخية أن دخول القومية إلى البلاد الإسلامية والعربية بخصوصها، إنما كان بدافع الحقد الصليبي واليهودي، والرغبة في تمزيق الوحدة الإسلامية والانتماء إلى الإسلام؛ لأن الانتماء إلى العربية سيسهّل عليهم مهمّة استعمارهم لبلدان المسلمين بعد أن يفرقوا فرقًا وأحزابًا لا يلوي بعضهم على بعض في عنجهية جاهلية قومية، فتمكَّن المستعمرون أعداء الإسلام منهم حين عرفوا من أين تؤكل الكتف، فتخطَّفوهم وأخرجوم من دينهم الإسلامي إلّا من حفظه الله تعالى، وأخذوا أطرفًا كثيرة من بلادهم -وفلسطين أقوى شاهد- على ما وقع فيه المسلمون العرب من ضياع وهزيمة، والعراق الذي يعيش اليوم مرارة هزيمته على أيدي الصليبيين، ومن قبل ذلك أسبانيا والبرتغال والهند وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن ظهور القوميات لم يستفد منها أحد مثلما استفاد منها اليهود حين نادوا بالتعصّب لقوميتهم اليهودية المتمثلة في الصهيونية، ولذلك لأنَّ اليهود -وهو أمر مهم- قد مزَّقهم الله تعالى وشتَّتهم بسبب خبثهم ورعونة أخلاقهم، وهذا الشتات يشكّل خطرًا عليهم أن يذوبوا في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأقوى ضمان لبقاء تماسكهم هو تعزيز
القومية في نفوسهم؛ لكي يتم ربطهم بها، فكانت القومية مفيدة لهم بقدر ما هي ضارة بأمة تربطهم عقيدة واحدة مهما اختلفت قومياتهم، وواقع الجميع أقوى شاهد على ذلك1 على حد ما قاله أحد الشعراء:
وتفرقوا شيعًا فكل قبيلة
…
فيها أمير المؤمنين ومنبر
أما بالنسبة لاستفادة النصارى ومن وراء قيام القوميات فحدِّث ولا حرج، فلقد غرسوها بين المسلمين وتعهدوها بكل ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليه، حتى أتت ثمارها الخبيثة التي كانوا يتوقعونها، وقد ملئوا الدنيا صياحًا ونياحًا على عودة العرب إلى القومية العربية وإلى التراث المجيد الذي كان للعرب قبل مجيء الإسلام، وإلى حضارات الفينيقيين والآشوريين والفراعنة
…
إلخ.
فكم ألَّفوا من الكتب نثرًا ونظمًا لملأ عقول الناس بتقبل القومية التي ستكون هي المنقذ الوحيد للعرب من الذل وسيطرة غيرهم عليهم، والتي أيضًا ستكون هي النبتة الجميلة لبدايات التطور والتقدم ونبذ الماضي البغيض -وهو الإسلام- الذي أخَّر عجلة تطور الدول الإسلامية
…
إلى آخر الدعايات التي أجادوا حبكها والتخطيط لها، وتكاتفت جهود الأقليات النصرانية واليهودية المبثوثة بين المسلمين، وجهود الدول الاستعمارية الصليبية التي كانت تتربَّص بالمسلمين الدوائر متمثِّلة في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال وغيرها من دول النصارى، صارت كل هذه القوى الهائلة تحت تنظيم دقيق وخطط أعدّت في غاية من الدهاء والخبث؛ لإدخال فكرة القومية إلى عقل كل مسلم، وأن العرب بخصوصهم لا منقذ لهم غير هذه القومية المباركة التي ستجمعهم
1 انظر فكرة القومية العربية في ضوء الإسلام ص82.
تؤلف بين قلوبهم وتجعلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
وكانت دعوة القومية كعملة ذات وجهين: الوجه الأول منها هو تلك الصورة الوردية والحلم السعيد، والوجه الآخر هو ذلك الباب الذي ظاهره من قِبَلِه العذاب، والذي صُمِّمَ لتفريق وتشتيت الداخلين فيه تلقائيًا، وقد تمثَّل نشاط النصارى في الإرساليات التبشيرية والاستشراقية، وفي إقامة نقاط التواصل القوي والتخطيط المشترك بين النصارى المنبثِّين في المجتمعات الإسلامية وبين النصارى الخارجين عنهم، مستخدمين تلك الأساليب والوسائل التي تقدَّمت دراستها، والنصارة على يقين من أن القومية لو انتصرت فإنَّ انتصارها سيكون نصرًا لكلّ نصراني في بلاد العرب، فهي قوة في حقيقتها لهم حيث يكن شأنهم مثل شأن كل المسلمين وكل أصحاب الأديان؛ لأن الرابط الجديد: القومية والوطنية، تعطيهم هذا الحق الذي لا يمنعه إلّا الدين؛ إذ لا يجتمع الحق والباطل، وقد تأكَّد لدى كل نصراني أن إحلال القومية محل الدين هو السبيل لاستحمار المسلمين واستعمارهم، ومن هنا نجد أن نصارى العرب كانوا الجواسيس الناصحين للنصرانية الغربية، ومن أوفى المؤازرين لها، ومن أكثر الناس نشاطًا وأكثرهم اجتماعات ومؤمرات ومؤتمرات لدراسة كل الوسائل التي يستفيدون منها لإبعاد الإسلام وإحلال القومية محله.