الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: أقسام الإلحاد
ينقسم الإلحاد إلى قسمين هما: الإلحاد القديم، والإلحاد الحديث. فما حقيقة كل منهما وما الفرق بينهما؟
عرفنا مما سبق أن الإلحاد كان له وجود في أكثر من مكان في الأرض بعد الانحراف الذي أصاب البشرية، وينبغي أن ندرك أنَّ بين الإلحاد القديم والإلحاد الحديث فرقًا ظاهرًا، وذلك يتبين من خلال ما يأتي:
1-
إن الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله تعالى أصلًا لم يكن ظاهرة منتشرة في القديم، وإنما كان شائعًا الشرك مع الله تعالى تحت حجج مختلفة، مع اعترافهم بوجود الله تعالى، وأنه الخالق المدبر، وقد أثبت الله تعالى ذلك في كتابه الكريم فقال عن إقرارهم بخلق الله للكون:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1.
وقال تعالى عن إقرارهم بإنزال المطر من عند الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} 2.
1 سورة العنكبوت، الآية:61.
2 سورة العنكبوت، الآية:63.
وقال تعالى عن إقرارهم بأن الرزق كله من الله، وأن أعضاء الإنسان هي من خلق الله، وأن الحياة والموت بيد الله، وأن التدبير كله لله:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} 1، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 2، وهكذا يتبين من تلك الآيات البينات أن الإلحاد في الزمن القديم إنما كان في إشراكهم مع الله آلهة أخرى من صنعهم، يتقربون إلى الله بزعمهم، وهذا هو الشرك في توحيد الربوية الذي لا يدخل الشخص به وحده في الإسلام والإيمان ما لم يضمّ إليه توحيد الألوهية.
2-
وأما الذين أسندوا كل شيء إلى الدهر فهم قلة قليلة جدًّا بالنسبة لغيرهم ممن يؤمنون بالله تعالى، وقد أخبر الله عنهم في كتابه الكريم.
3-
أما الإلحاد المادي الحديث فقد قام على إنكار وجود الله أصلًا، وقد زعم أهله أنهم وصلوا إليه عن طريق العلم والبحث المحسوس، وعن
1 سورة يونس، الآية:31.
2 سورة المؤمنون، الآيات: 84-89.
طريق التجربة والدراسة، وزعموا أن الدين لا يوصل إلى ذلك، وسنرد هذه الكذبة وسخافتها، ونبين أنه لا تناقض بين العلم والدين وبين الإيمان بالله، وأن العلم يدعو إلى الإيمان بوجود الله تعالى في أكمل صورة كما سيأتي دراسته في الشيوعية.
وهكذا يتضح مما سبق أنه مع القول بوجود عبادة المادة في كل زمان وفي كل مكان، إلّا أن عبادة تلك المادة كانت سطحية بدائية، وأن أوروبا حينما أخذت الإلحاد تميَّزت بتفصيل وتقنين وتنظيم ودراسة هذا الاتجاه المادي الملحد، أو أحلته محل الدين ومحل الإله بطريقة سافرة مقننة، وهي نقلة لم تكن فيما مضى قبلهم.