الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية
…
الفصل الخامس: كيف تسرتبت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية؟
البلدان العربية والإسلامية أعزَّها الله بالإسلام الذي يجعل أتباعه كالجسد الواحد، وقد عاش المسلمون ردحًا من الزمن ما كانوا يعيرون القومية الجاهلية أدنى اهتمام، سواءً كانوا حكامًا أو محكومين، إلى أن بدأ المسلمون في الضعف والتقهقر فنفَّذ أعداء الإسلام مخططاتهم بتفريقهم على أيدي القوميين، وحينئذ مدوا أيديهم إلى فتات الغرب القذر، فإذا بهم أمام القوميات فدخلها الكثير من أوسع أبوابها مصدقين الدعايات الغربية أنها ثقافة وعلم مادي، وأوصلت الغرب إلى ما هو عليه من التقدم والرقي بزعمهم، ولم يفطن إلّا القليل جدًّا إلى خطر القوميات، وأبى الكثير بسبب ما كان عالقًا بأذهانهم من وجوب استعادة الأمجاد السابقة للآباء والأجداد، يساعدهم في هذا الاتجاه كل أعداء الإسلام من الصليبيين الذين تكبَّدوا في حروبهم مع المسلمين أفظع الهزائم التي لم يعرف في التاريخ لها أيّ مثيل، ومستغلين كذلك الحملة ضد الحكم العثماني التركي على أيدي الصليبيين العرب في لبنان وسوريا.
يقول محمد قطب: "وقد كانت دعاوي القومية والوطنية والمصدَّرة عن عمد إلى العالم الإسلامي من بين وسائل الغزو الفكري الذي استخدمه الصليبيون المحدثون في غزو العالم الإسلامي"1.
1 مذاهب فكرية ص576.
وكان أوسع الأبواب لدخول القومية إلى بلدان المسلمين هو المناداة بإقامة الأمجاد والمفاخر -الزائفة- بالتراث الجاهلي الذي سلبه الأتراك ممثَّلًا في الدولة العثمانية بزعمهم، وكان الذي فتح هذا الباب الواسع هم اليهود الذين هم وراء كل جريمة، فقد أشعلوا الخلاف الشديد بين الأتراك الذين ما كانوا يعيرون القومية التركية أدنى اهتمام، وبين العرب الذين كان ولاؤهم للإسلام، فجاء دعاة القومية وحرَّضوا الأتراك على إقامة قوميتهم الطورانية، كما حرضوهم على تتريك العرب أيضًا؛ ليتمَّ التصادم بين الجميع، وأنه يجب على الجميع احترام القومية الطورانية، ورمز الزئب الأغبر الذي تجتمع عليه قومية الأتراك، وتَمَّ لجمعيات اليهود أن ينادوا بتمجيد القومية الطورانية بالنسبة للأتراك؛ حيث جعلها عدو الله أتاتورك بديلًا عن الدين الإسلامي، وعرفوا كيف ينفخون في أذهان العرب بإيجاد أنفة شديدة في نفوسهم من خضوعهم للأتراك، وقامت الدعايات والمؤامرات، والكُتَّاب وكلّ وسائل الأعلام المسموعة والمقروءة قامت كل تلك الوسائل كالصاعقة لإحياء تلك النعرات الجاهلية القومية والوطنية عند العرب والأتراك جميعًا، وما تبع ذلك من الرغبة الشديدة في إشعال الثورات المتلاحقة للتخلُّص من الحكم العثماني بفعل دسائس أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في ردِّ فعلٍ عارم على القومية الطورانية.
وكان ذلك كله بمرأى ومسمع من دهاة البشر وخبثائهم الدول الغربية المؤيِّدة لليهودية العالمية، إلى أن سقطت الخلافة العثمانية جسمًا هامدًا، وجاء الحكام الجدد الذين لا همَّ لهم إلّا تثبيت كراسيهم في الحكم على مفهوم
القومية والوطنية ثم البعثية، وصاروا يرددون كالببغاوات كلَّ ما يسمعونه من مختلف الشعارات البراقة، وكان أول بلد نجم عن قرن القومية لبنان وسوريا بزعامة نصارى هذين البلدين -عيون الغرب الصليبي في بلاد المسلمين، ومنهما انتشرت الدعوة إلى القومية والوطنية بتاثير الدعايات والدراسات في الغرب وشراء الضمائر، وما إلى ذلك من الوسائل الكثيرة التي استخدمت لإيصال هذه الأفكار وإخراجها كأمر واقع لا بُدَّ منه لإيجاد الأمجاد العربية.
ولقد كان الليهود نصيب الأسد في إيحاء القومية الطورانية لحقدهم الشديد على الدولة العثمانية التي أبت أن تمنحهم موضع قدم يمتلكونه في فلسطين وغيرها من بلدان المسلمين، فكان من الطبيعي أن يستغلَّ اليهود تلك النعرة الجاهلية ليحقِّقوا من ورائها أهدافهم في الإطاحة بالخلافة الإسلامية ممثَّلة في السلطان عبد الحميد رحمه الله، الذي قال:"لن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منها، وليحتفظ اليهود ببلايينهم"1.
ومنها هنا قرر اليهود إنشاء جمعية "الاتحاد والترقي"، والحقيقة أنها عكس هذا الاسم تمامًا، وكل أعضائها فيما يذكر الباحثون أنهم غير أتراك وغير مسلمين حقيقة، وكانت المساعدات المالية تأتيهم كلها من الدول الغربية النصرانية ومن يهود الدونمة.
1 نشوء القومية العربية، تأليف زين نور الدين زين نقلًا عن الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص126.