المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب العاشر: العلمانية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: حقيقة التسمية

- ‌الفصل الثاني: التعريف الصريح للعلمانية

- ‌الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين، وبيان الأدوار التي مرَّت بها

- ‌الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

- ‌الفصل السادس: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى العلمانية؟ وأسباب ذلك

- ‌الفصل السابع: انتشار العلمانية في ديار المسلمين، وبيان أسباب ذلك

- ‌الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌المسألة الاولى: العلمانية في الحكم

- ‌المسألة الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة

- ‌المسألة الثالثة: العلمانية والاقتصاد

- ‌المسألة الرابعة: العلمانية والعلم والتعليم والاكتشافات والدين

- ‌المسألة الخامسة: العلمانية في السلوك

- ‌الفصل التاسع: آثار العلمانية في سلوك بعض المسلمين

- ‌مدخل

- ‌العمل العام عند المسلمين بالعلمانية

- ‌ ظهور الولاءات المختلفة:

- ‌ ظهور أفكار العلمانية كحلول حتمية:

- ‌ الاختلاف في الدراسة والشهادة:

- ‌ ظهور التأثر في الأسماء:

- ‌ الهجوم على اللغة العربية:

- ‌ التأثر في التعليلات:

- ‌ التأثر في الأخلاق:

- ‌ العلمانية والآداب:

- ‌ علمنة الإعلام:

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: منزلة الديمقراطية في الحضارة الغربية

- ‌الفصل الثاني: معنى الديمقراطية ونشأتها

- ‌الفصل الثالث: الوصول إلى الغاية

- ‌الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة

- ‌الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية

- ‌الفصل السادس: هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية

- ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

- ‌الفصل الثامن: حكم من يتمسَّك بالديمقراطية الغربية

- ‌الفصل التاسع: نظرية السيادة

- ‌المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة

- ‌المبحث الثاني: أساس قيام نظرية السيادة

- ‌المبحث الثالث: ما مدى صحة نظرية سيادة الشعب

- ‌المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة

- ‌المبحث الخامس: حكم السيادة في الإسلام

- ‌الباب الثاني عشر: الإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌الفصل الثاني: سبب انتشار دعوى الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: أماكن انتشارها

- ‌الفصل الرابع: هل يحقق مذهب الإنسانية السعادة

- ‌الفصل الخامس: هل تحققت دعاوَى الإنسانية بالفعل

- ‌الفصل السادس: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السابع: الإنسانية والمغريات

- ‌الفصل الثامن: الإنسانية والقومية والوطنية

- ‌الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية

- ‌الفصل العاشر: زعماء الدعوة الإنسانية

- ‌الفصل الحادي عشر: الإنسانية الحقيقية، والرحمة الصادقة هي في الإسلام

- ‌الباب الثالث عشر: الوجودية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالوجودية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الوجودية

- ‌الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها

- ‌الفصل الرابع: من هو سارتر

- ‌الفصل الخامس: الوجودية هي الفوضى

- ‌الفصل السادس: أسباب انتشار الوجودية

- ‌الفصل السابع: الرد على الوجوديين

- ‌الباب الرابع عشر: الروحية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الروح

- ‌الفصل الثاني: ظهور الروحية

- ‌الفصل الثالث: إنتشار هذا المذهب

- ‌الفصل الرابع: منزلة فكرة "تحضير الأرواح

- ‌الفصل الخامس: أدلة دعاة تحضير الأرواح

- ‌الفصل السادس: مجمل عقائد الروحيين

- ‌الفصل السابع: حقيقة الروحية وأشهر زعمائها

- ‌الفصل الثامن: الروحية والملاحدة

- ‌الفصل التاسع: قضية الإلهام

- ‌الباب الخامس عشر: القومية

- ‌الفصل الأول: المقصود بالقومية

- ‌الفصل الثاني: دراستنا للقومية

- ‌الفصل الثالث: كيف ظهرت القومية

- ‌الفصل الرابع: متى ظهرت القومية

- ‌الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية

- ‌الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

- ‌الفصل السابع: ماذا يراد من وراء دعوى القومية

- ‌الفصل الثامن: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية

- ‌الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية

- ‌الفصل العاشر: خداع القوميون

- ‌الفصل الحادي عشر: إبطال فكرة القومية

- ‌الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

- ‌الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية

- ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

- ‌الفصل الخامس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

- ‌مصطفى الشهابي:

- ‌محمد معروف الدواليبي

- ‌ جمال عبد الناصر:

- ‌ الخاتمة:

- ‌الباب السادس عشر: الوطنية

- ‌الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية

- ‌الفصل الثاني: القومية والوطنية

- ‌الفصل الثالث: كيف نشأت دعوى الوطنية

- ‌الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب

- ‌الفصل الخامس: الإسلام والوطنية

- ‌الفصل السادس: نتائج تقديس الوطنية

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب السابع عشر: المذهب الوضعي

- ‌الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي

- ‌الفصل الثاني: زعماء المذهب الوضعي

- ‌الباب الثامن عشر: الإلحاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: المراد بالإلحاد

- ‌الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد

- ‌الفصل الثالث: أقسام الإلحاد

- ‌الفصل الرابع: أسباب ظهور الإلحاد

- ‌الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية

- ‌الباب التاسع عشر: الاشتراكية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: معنى الاشتراكية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الاشتراكية

- ‌الفصل الثالث: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌الفصل الخامس: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌الفصل السادس: قوانين الاشتراكية

- ‌الفصل السابع: خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام

- ‌الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين

- ‌الفصل التاسع: دعاة على أبواب جهنم

- ‌الباب العشرون: الشيوعية

- ‌الفصل الأول: دراسة عن الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ تمهيد عام عن الشيوعية:

- ‌المبحث الأول: قيام الشيوعية الأولى بقيادة رجل يسمَّى "مزدك

- ‌المبحث الثاني: من أكاذيب الشيوعيين

- ‌المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌المبحث الرابع: زعامة الشيوعية الماركسية

- ‌المبحث الخامس: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ المادية:

- ‌ الجدلية "الديالكيتك

- ‌ تعقيب:

- ‌ التطور:

- ‌المبحث السادس: التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية:

- ‌ المشاعية البدائية:

- ‌ الرِّق:

- ‌ الإقطاع:

- ‌ الرأسمالية "البرجوازية

- ‌المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان

- ‌المبحث الثامن: التفسير المادي للقيم الإنسانية

- ‌المبحث التاسع: حرب الأخلاق والقيم

- ‌المبحث العاشر: القضاء على الأسر

- ‌المبحث الحادي عشر: محاربة الدين

- ‌المبحث الثاني عشر: سبب قيام الحضارة الإلحادية على العداء للدين

- ‌المبحث الثالث عشر: هل يوجد بين الدين والعلم نزاع

- ‌المبحث الرابع عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌مدخل

- ‌ هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى

- ‌ شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس عشر: روافد أخرى

- ‌مدخل

- ‌ الإنسان التقدمي:

- ‌ الرجعية والجمود:

- ‌ الخرافة والتقاليد:

- ‌ الحرية والكبت:

- ‌ الإلحاد:

- ‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

- ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الثاني: رد مزاعم الملاحدة الشيوعيين

- ‌المطلب الأول: رد مزاعمهم في الملكية الفردية

- ‌المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي

- ‌تعقيب

- ‌المبحث الثالث: إيضاح بعض الجوانب الاقتصادية

- ‌المطلب الأول: التعريف بعلم الاقتصاد

- ‌المطلب الثاني: مدى أهمية العامل الاقتصادي في حياة الإنسان

- ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

- ‌المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد

- ‌المطلب الخامس: المال في الإسلام

- ‌المطلب السادس: وجود الموارد وندرتها

- ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

- ‌المطلب الثامن: تنظيم الإسلام للشؤون المالية وطريقة معالجته لمشكلة الفقر

- ‌المبحث الرابع: التكافل في النظم البشرية

- ‌المطلب الأول: التكافل في الرأسمالية

- ‌المطلب الثاني: التكافل في النظام الشيوعي

- ‌المراجع:

- ‌قائمة بأسماء بعض المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

إن دراسة الأحوال الاقتصادية والتعرُّف على مشكلاتها ومعرفة حلولها أمر ليس من السهولة كما قد يتصور البعض، فهي أفكار وتجارب ودراسات مقارنة، وحلول لا بُدَّ أن تكون حاسمة في مثل هذه القضايا الخطيرة التي هي من الأسس الهامة في تفرق الأمة وفي نشأة النظم المختلفة والمذاهب المتنوعة، ولقد كثر الجدل واشتدت الخصومات بين الناس لاختلافهم في مفاهيمهم للاقتصاد وطرق الوصول السليم إليه، وكلها متاعب قد تقف واحدة منها في طريق الباحث فتثنيه عن مواصلة دراسته لهذا الجانب الخطير، وقد لا يتصور البعض أن في دراسة الأمور الاقتصادية خدمة جليلة للإسلام وأهله، ومن تصوَّر هذه الخدمة وأحسَّ بوجوب النصيحة لإخوانه المسلمين، وإجلاء عظمة الإسلام ونظامه البديع في الأمور الاقتصادية، ومقارنة ما جاء به الإسلام بما جاءت به الأنظمة الوضعية في هذا الميدان، هان عليه الأمر في اقتحام هذه المتاعب وتجرأ على المشاركة والإسهام في تقديم هذه النصحية مهما قلَّت تكثيرًا للأصوات التي تنادي بوجوب الالتزام بالحلول الاقتصادية على ضوء الشريعة الإسلامية، وأن خير البشرية وسعادتهم تكمن في هذا، وبيان أنَّ ما قدمته الحلول الوضعية إن هو إلّا سراب، بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، وأن من الإجرام إغفال بيان هذا، أو ترك المسلمين دون توجيه، فربَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع.

ص: 1233

فيجب أن تتظافر الجهود وأن تعلو الأصوات التي تنادي بأنَّ الإسلام فيه حلول كل المشكلات الاقتصادية في مواجهة الدعوات المضادَّة الحاقدة التي تزعم أن الإسلام ليس له أيّ مشاركة في الجوانب الاقتصادية، فهو محصور في المساجد فقط، وهي أهم دعوات العلمانيين والملاحدة، وقبل الدخول في دراسة هذه الجانب أحب أن أذكر القارئ الكريم أنني لم أكن أتصور حجم خطر المشكلات الاقتصادية على حقيقتها -بحكم تخصصي في دراسة العقيدة- إلى أن أراد الله تعالى أن نُدعَى أنا وزملائي في الدراسة -إلى حضور المؤتمر الاقتصادي الإسلامي الأول الذي انعقد في مكة المكرمة، ودعينا -طلاب المرحلة المنهجية بالدراسات العليا- لحضوره للاستماع والاستفادة من أفكار المفكرين الاقتصاديين، ولقد اندهشت من خبرة من حضره من المفكرين، وما كانوا يطرحون من مشكلات وحلول في أساليب عجيبة، كأنما يتكلّم أحدهم عن ظهر قلب، وباندفاع أثار في نفسي انطباعًا لن أنساه، وكنت أستمع لهم بإعجاب لم أعهده في نفسي من قبل، ومنذ ذلك الوقت بدأ تفكيري يدور حول ملاحظة هذا الجانب وكيف عالجه الإسلام، وأسجل كلمة ومن هنا وأخرى من هناك؛ لأرجع إليها متى أحببت، فجزى الله أعضاء ذلك المؤتمر وجامعة الملك عبد العزيز خيرًا على ما قدَّموه، وتلك الأمور التي دونتها في شتَّى الأبحاث هي ما سأقدمه بين يديك في هذه الدراسة، مع أنها لم تكن بالأمر الذي كنت أتمناه تمامًا لإفادتك، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

أخي القارئ: اعلم أن أكبر ما أحرص عليه هو تنبيهك إلى أن لا تستهين

ص: 1234

بدراسة هذا الجانب، فهو من أخطر الجوانب في حياة البشر، وعليه يتوقف مصير شعوب بأكملها خيرًا أو شرًّا كما تقدَّم، وعليك أن تَجِدَّ في فهمه لدحض حجج أعداء الإسلام، وتكذيب ما ينادون به من قصور الإسلام عن معالجة المشكلات الاقتصادية، ويستدلون زورًا وكذبًا بضعف المسلمين في النواحي التطورية العصرية، مع علمهم أنهم هم السبب وراء هذه الحال في العالم الإسلامي باستعمارهم لهم اجتماعيًّا وفكريًّا فترة من الزمن، ولا يزالون أداة تثبيط وتخذيل للمسلمين، وتسلط عليهم إلى يومنا الحاضر، لم يتوانوا في كل ما مِنْ شأنه الحاق الذل والضعف بالمسلمين، ومن سخريات الأمور أن يشنعوا على الإسلام ما جاء به في حل المشكلات الاقتصادية -هو حل ناجح وأثبتت التجارب صلاحيته- ثم إذا صادف أن جاؤا بنظرية ناجحة في الجانب الاقتصادي طاروا فرحًا ومجّدوا أنفسهم وعقولهم، حتى إذا علموا أنّ الإسلام قد سبقهم إليها وبيَّنَها، كادوا أن يغصّوا برقيهم، وبدؤا في تحويرها أو السكوت عنها ظلمًا وعدوانًا واستكبارًا عن الحق وغضًّا من شأن رسالة الإسلام الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان.

ولهذا فقد أغفلوا الجوانب المشرقة للإسلام التي تعتبر نموذجًا للتطور الاقتصادي الناجح، سواء منها ما جاء في القرآن الكريم، أو في السنة النبوية، أو ما جاء في تطبيقات خلفاء الدولة الإسلامية منذ بزوغ فجرها، وتوالى الخلفاء عليها، أو ما قام به علماء الإسلام في شتّى العصور من بحوث فقيهة أثرت الجوانب الاقتصادية في مختلف النواحي، بما يجب أن تضاءل أمامه أفكار ساسة الاقتصاد الوضعي، وأن تذوب غطرستهم أمام عظمته.

ص: 1235

وينبغي التنويه إلى أنّ الاهتمام بجانب الاقتصاد لم يكن جديد النشأة كما يرى الكُتَّاب الغربيون ومن سار على طريقتهم، فإنه جديد بالنسبة لهم؛ إذ إنهم لم يعرفوا هذا الجانب إلّا في أواخر القرن الثامن عشر بعد ظهور الثورة الصناعية، ولهذا فهم لم يعترفوا بفضل من سبقهم من الأمم الذين عرفت لهم إسهامات في جوانب متعددة من القضايا الاقتصادية التي كانت متصلة بحياتهم المعيشية، وإن لم تكن دراسة بالمفهوم الاقتصادي الواسع1، كما قرره العلماء فيما بعد.

ولكنَّهم كانوا قادة خير وبركة على من بعدهم، ومصدرًا يفيض حكمة ومعرفة، كيف وأن الموجه للإنسان منذ نشأته الأولى هو رب العالمين، الذي علَّم آدم كل ما يحتاجه من أمر دينه ودنياه، ومن هنا نجد أن الجانب الاقتصادي له أهميته في الإسلام، وللإسلام حلوله التي اختص بها، ونظرته الشاملة له على ضوء العقيدة الإلهية الشاملة لكل جوانب الحياة الاجتماعية، التي أمر الله المسلم باتباعها واجتناب كل ما يضادها من الأنظمة البشرية، تلك العقيدة التي ينتج عنها المراقبة الذاتية للمسلم في كل تصرفاته مع نفسه ومع أبناء دينه، ومع غيرهم من سائر البشرية التي ترتكز على ملاحظة المفاهيم للكون وللحياة، وبالتالي موقع الاقتصاد منها. وكذلك ملاحظة التفريق بين المعاملات الصحيحة وغير الصحيحة، العقيدة التي تقول للمسلم: إن الله أجاز لك البيع والشراء، لكنه حرَّم الربا، وأجاز الملكية الخاصة الفردية، ولكنه جعل لها نظامًا ينسجم مع الملكية العامة؛ إذ ليس فيه تغليب جانب على آخر كما هو الحال في

1 انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص34-35.

ص: 1236

الأنظمة البشرية من رأسمالية وشيوعية، أو غير ذلك مما اخترعه الإنسان من أنظمة ثبت مع مرور الأيام أنها أنظمة قاصرة مؤقَّتة غير صالحة لكل زمان ولا لكل مكان، حتى وإن توافقت بعضها مع الشريعة الإسلامية عرضًا فإنها لا تزال جاهلية، ولا يبيح هذا التوافق شرعيتها ولا تسميتها باسم الإسلام كما فعل كثير من الجهّال الذين وصل بهم الجهل والحمق إلى تسمية بعض النظم الجاهلية باسم الإسلام؛ كتسميتهم الاشتراكية الماركسية باسم الإسلام، والتي نسبها بعضهم إلى الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وبرَّأه من أكاذيب الملحدين كقولهم: إنه زعيم الاشتراكية الإسلامية، محملين مواقفه من المال تأويلات باطلة ومفاهيم خاطئة، وهذا يعني أن الإسلام له مفهمه الخاص للمشكلة الاقتصادية، وللنظم الوضعية مفاهيهما الخاصة بها، وبين النظامين من التباعد والاختلاف مثل ما بين مصدريهما، ولا تختلط تلك المفاهيم إلّا على الجاهلين، وسيتبين من خلال هذه الدراسة إن شاء الله تعالى الفروق الواضحة بين النظام الإلهي في القضايا الاقتصادية، وبين تلك الأنظمة الوضعية التي قامت على أفكار من هم محلّ النقص والقصور، وهذه المقارنة إنما تقال إقامة للحجة، وإلا فإنه لا مقارنة بين الحق والباطل، وبين الجاهلية وبين الإسلام، ذلك لأنَّ الإسلام دين كامل شامل لكل جوانب الحياة، قال تعالى:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} 1.

ومن هنا نجد أن الإسلام قد اعتنى بالمشكلات الاقتصادية وأولاها

1 سورة المائدة، الآية:3.

ص: 1237

أهمية بالغة نظرًا لأهميتها في حياة الناس وانتظام معايشهم، فجاءت تعاليم الإسلام لحلها في غاية الوضوح وفي أسمى ما تحقق به العدالة والإنصاف والرحمة، وتحقيق آمال الأغنياء والفقراء على حد سواء، ولا يسمح باستعباد الغني للفقير، ولا بإثارة الفقير على الغني، بل قام على أساس المحبة والقناعة، ولم يقم على الصراعات الطبقية التي قامت عليها المذاهب الجاهلية كالماركسية والرأسمالية.

ولقد عاش الناس حينما كانوا يهتدون بهديه وينطلقون من تعاليمه في أسعد حال واهنأ عيش؛ في محبة ومودة، يعلم كل فرد أنه لا يصل إليه إلّا ما قدره الله له، وأن الدنيا دار ابتلاء ولا يدري الإنسان أيهما خير له في دينه ودنياه وعاقبة أمره، أو أن يكون غنيًّا أو أن يكون فقيرًا، فيعلم حينئذ الغني والفقير على حد سواء أنهما في ابتلاء، وأن الله تعالى يعطي كل عبد وفق ما قدَّره له في سابق علمه، ولهذا تجد المسلم دائمًا يعيش قرير العين مطمئنَّ النفس منشرح الصدر، كما امتاز الإسلام بالحل الشامل لتنظيم الأسرة والمجتمع والأفراد بطريقة تضمن للجميع السعادة والعيش بأمن وسلام ومودة، يتمثَّلون فيه قول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1.

وقال الرسول -صلى الله عليه سلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"2.

1 سورة الحجرات الآية: 10.

2 أخرجه البخاري ج1، ص182، ومسلم ج4، ص1999.

ص: 1238

وقوله صلى الله عليه سلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"1.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن لأحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"2.

وفي راوية: "لجاره"، وغير ذلك من النصوص المستفيضة في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم التي تدعوا إلى الألفة والمحبَّة وصفاء القلوب والرحمة بين أفراد المجتمع، وترك شح النفس والغش في المعاملات، وإلى الصدق في البيع والشراء، وإلى تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار"3.

وتدعو كذلك إلى التعاون في وجوه الخير، وإلى أن يؤدي كل فرد ما عليه من واجباتٍ تجاه الآخرين من أمور تتعلّق بالشخص أو بماله، وأوجب الزكاة التي تعود إلى الفقراء بدون أن يشعروا بأي منَّةٍ لأحد بعينه، وما ينشأ عنها من ترابط المجتمع وتوادّه، إضافةً إلى ترغيبه في الصدق والاتصاف بالكرم والتنفير عن العودة في الهبة، وغير ذلك من السلوك الذي تحقق به السعادة.

ولا شَكَّ أن الفقر هو أكبر المشكلات بين البشر قديمًا وحديثًا، وهو أيضًا

1 أخرجه مسلم ج4، ص1999، والبيهقي في سننه ج3، ص353.

2 البخاري ج1، ص14، ومسلم ج1، ص67.

3 أخرجه الحاكم في المستدرك ج2، ص66.

ص: 1239

أعظم الأمور التي ينفذ من خلالها كل صاحب غرض إلى تحقيق غرضه بوسيلة المال، لهذا حينما جاءت الماركسية لم يجد أتباعها أيّ وسيلة أشد نفوذا إلى نفوس الناس وإثارة أحقادهم وقلب أوضعاهم كلها من وسيلة إثارة الأمور الاقتصادية، فأثاروها بأنواع الدعايات وشتَّى الأساليب، حتى تَمَّ لهم قلب الأمور رأسًا على عقب في كثير من بقاع الأرض، مستغلين لتحقيق أغراضهم الفقر من جانب، وجهل الناس بحقيقة الدين، وجهلهم كذلك بحقيقة ما يدعو إليه وألئك الملحدون.

من جانب آخر فإذا بقرن الشياطين يظهر عاليًا، وإذا بنداءات الجهَّال ترتفع، وداسوا في طريقهم كل فضيلة، ونبذوا كل تنظيم أو دين، ورفعوا شعارتهم الاقتصادية الجاهلة التي اتَّضح أمرها فيما بعد، بأنها كانت سرابًا وخيالًا فارغًا، ولكن بعد فوات الأوان، بعد أن جرف تيارهم في طريقه ملايين البشر فأوردوهم الهلاك في الدنيا والأخرة، وما ذلك إلّا بفعل الدعايات أولًا، ثم بفعل الحديد والنار ثانيًا، وليس لوجود تلك التيارات الجهنَّمية التي لا تفلح في شيء مثل ما نجحت في الفوضى الإباحية.

ومن العجيب أن ينبري دعاة الإلحاد أقزام الشيوعية والوثنية إلى مهاجمة الحلول الاقتصادية الإسلامية لمشكلات الفقر والبطالية وهم لا يعرفونها، ولم يدرسوها في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يجربوها، وإنما يسمعها بعضهم من بعض في صورة مشوَّهة كاذبة، ثم يتناقلونها على حد ما أخبر الله تعالى عنهم في كتابه الكريم حيث قال: {وَكَذَلِكَ

ص: 1240

جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} 1.

وتبرز في الإسلام جميع الأحكام الاقتصادية مرتبطةً بجميع نواحي الحياة:

1-

الروحية التي تمثل علاقة الإنسان بخالقه.

2-

الخلقية السلوكية: التي تمثل الصدق والأمانة والتراحم والوفاء في جميع المعاملات.

3-

الاجتماعية: التي تقوم على مبدأ المساواة والتكافل الاجتماعي.

4-

السياسية: التي تتمثَّل بالتزام الحاكم بالأصول الشرعية2.

1 سورة الأنعام، الآية:112.

2 انظر النظام الاقتصادي في الإسلام ص58.

ص: 1241