الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين
مدخل
…
الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين
تمهيد:
كانت العلمانية في بداية ظهورها تهدف إلى تحقيق غرض هو من أهم الأغراض التي أشغلت أذهان القائمين عليها، ألَا وهو فصل الدين عن السياسة والحكم، على طريقة ما ينسبه الكتاب المقدَّس إلى نبي الله عيسى عليه السلام:"أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، وبغضِّ النظر عن صحة هذه المقولة عن عيسى عليه السلام، فإن العلمانيين وهم في محاولتهم الأولى لتصديع الدين المسيحي وجدوا أن هذا النص من الأمور المساعدة لهم، وقد جدُّوا وناضلوا حتى تَمَّ لهم ما يهدفون إليه من فصل الدين عن الدولة، وبالأحرى عزل رجال الكنيسة عن الدولة، ولم يعد دينهم صالحًا للحكم بين الناس في شئون حياتهم، بل تولَّاه التشريع الجديد المسمَّى العلمانية في قوانينها الوضعية.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعدَّاه إلى طوار آخر، وهو عدم السماح بالدين في كل مظاهر الحياة، ولم تعد مقولة:"أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر" قائمة في أذهان زعماء العلمانية الجامحة، فحُورِبَ الدين حربًا شعواء، تحت الكراهية الشديدة لطغاة الكنيسة الذين يمثلونه -حسب مفهوم أقطاب العلمانية، هذا ما حصل في العالم النصراني
ومبرراته، وهو ما يمثله دعاة العلمانية في البلدان الإسلامية التي تَمَّ لهم الحكم فيها.
وما دام الأمر قد وصل إلى محاربة الدين وإقصائه نهائيًّا، فلا بُدَّ أن يوجد البديل له في كل مظاهر الحياة، وهو ما وقع بالفعل، فطوِّرَت العلمانية لتشمل بعد ذلك الحكم، والاقتصاد، والعلم، والتاريخ، والحياة الاجتماعية، ومظاهر السلوك، والأخلاق، وصور الآداب والفنون، أي: إنها أصحبت دينًا قائمًا بذاته، ملأ الفرغ الذي خلَّفه إقصاء الدين النصراني عن المجتمعات.
ولم يعد الناس بحاجة إلى الدين في أيِّ قضية من القضايا التي تصادفهم؛ لأن المارد الجديد قد سدَّ كل الحاجات، ولبَّى كل المطالب التي تواجه الفرد في حياته اليومية كلها، في الحكم، وفي سائر متطلبات الحياة الاجتماعية الجديدة، وأصبح دعاة العلمانية كلهم على خطٍّ واحدٍ وهدفٍ واحدٍ مع اختلافهم في الوسائل من بلد إلى آخر، وفيما يلي بيان ذلك في المسائل الآتية: