المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب العاشر: العلمانية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: حقيقة التسمية

- ‌الفصل الثاني: التعريف الصريح للعلمانية

- ‌الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين، وبيان الأدوار التي مرَّت بها

- ‌الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

- ‌الفصل السادس: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى العلمانية؟ وأسباب ذلك

- ‌الفصل السابع: انتشار العلمانية في ديار المسلمين، وبيان أسباب ذلك

- ‌الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌المسألة الاولى: العلمانية في الحكم

- ‌المسألة الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة

- ‌المسألة الثالثة: العلمانية والاقتصاد

- ‌المسألة الرابعة: العلمانية والعلم والتعليم والاكتشافات والدين

- ‌المسألة الخامسة: العلمانية في السلوك

- ‌الفصل التاسع: آثار العلمانية في سلوك بعض المسلمين

- ‌مدخل

- ‌العمل العام عند المسلمين بالعلمانية

- ‌ ظهور الولاءات المختلفة:

- ‌ ظهور أفكار العلمانية كحلول حتمية:

- ‌ الاختلاف في الدراسة والشهادة:

- ‌ ظهور التأثر في الأسماء:

- ‌ الهجوم على اللغة العربية:

- ‌ التأثر في التعليلات:

- ‌ التأثر في الأخلاق:

- ‌ العلمانية والآداب:

- ‌ علمنة الإعلام:

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: منزلة الديمقراطية في الحضارة الغربية

- ‌الفصل الثاني: معنى الديمقراطية ونشأتها

- ‌الفصل الثالث: الوصول إلى الغاية

- ‌الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة

- ‌الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية

- ‌الفصل السادس: هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية

- ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

- ‌الفصل الثامن: حكم من يتمسَّك بالديمقراطية الغربية

- ‌الفصل التاسع: نظرية السيادة

- ‌المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة

- ‌المبحث الثاني: أساس قيام نظرية السيادة

- ‌المبحث الثالث: ما مدى صحة نظرية سيادة الشعب

- ‌المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة

- ‌المبحث الخامس: حكم السيادة في الإسلام

- ‌الباب الثاني عشر: الإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌الفصل الثاني: سبب انتشار دعوى الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: أماكن انتشارها

- ‌الفصل الرابع: هل يحقق مذهب الإنسانية السعادة

- ‌الفصل الخامس: هل تحققت دعاوَى الإنسانية بالفعل

- ‌الفصل السادس: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السابع: الإنسانية والمغريات

- ‌الفصل الثامن: الإنسانية والقومية والوطنية

- ‌الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية

- ‌الفصل العاشر: زعماء الدعوة الإنسانية

- ‌الفصل الحادي عشر: الإنسانية الحقيقية، والرحمة الصادقة هي في الإسلام

- ‌الباب الثالث عشر: الوجودية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالوجودية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الوجودية

- ‌الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها

- ‌الفصل الرابع: من هو سارتر

- ‌الفصل الخامس: الوجودية هي الفوضى

- ‌الفصل السادس: أسباب انتشار الوجودية

- ‌الفصل السابع: الرد على الوجوديين

- ‌الباب الرابع عشر: الروحية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الروح

- ‌الفصل الثاني: ظهور الروحية

- ‌الفصل الثالث: إنتشار هذا المذهب

- ‌الفصل الرابع: منزلة فكرة "تحضير الأرواح

- ‌الفصل الخامس: أدلة دعاة تحضير الأرواح

- ‌الفصل السادس: مجمل عقائد الروحيين

- ‌الفصل السابع: حقيقة الروحية وأشهر زعمائها

- ‌الفصل الثامن: الروحية والملاحدة

- ‌الفصل التاسع: قضية الإلهام

- ‌الباب الخامس عشر: القومية

- ‌الفصل الأول: المقصود بالقومية

- ‌الفصل الثاني: دراستنا للقومية

- ‌الفصل الثالث: كيف ظهرت القومية

- ‌الفصل الرابع: متى ظهرت القومية

- ‌الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية

- ‌الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

- ‌الفصل السابع: ماذا يراد من وراء دعوى القومية

- ‌الفصل الثامن: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية

- ‌الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية

- ‌الفصل العاشر: خداع القوميون

- ‌الفصل الحادي عشر: إبطال فكرة القومية

- ‌الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

- ‌الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية

- ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

- ‌الفصل الخامس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

- ‌مصطفى الشهابي:

- ‌محمد معروف الدواليبي

- ‌ جمال عبد الناصر:

- ‌ الخاتمة:

- ‌الباب السادس عشر: الوطنية

- ‌الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية

- ‌الفصل الثاني: القومية والوطنية

- ‌الفصل الثالث: كيف نشأت دعوى الوطنية

- ‌الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب

- ‌الفصل الخامس: الإسلام والوطنية

- ‌الفصل السادس: نتائج تقديس الوطنية

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب السابع عشر: المذهب الوضعي

- ‌الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي

- ‌الفصل الثاني: زعماء المذهب الوضعي

- ‌الباب الثامن عشر: الإلحاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: المراد بالإلحاد

- ‌الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد

- ‌الفصل الثالث: أقسام الإلحاد

- ‌الفصل الرابع: أسباب ظهور الإلحاد

- ‌الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية

- ‌الباب التاسع عشر: الاشتراكية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: معنى الاشتراكية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الاشتراكية

- ‌الفصل الثالث: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌الفصل الخامس: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌الفصل السادس: قوانين الاشتراكية

- ‌الفصل السابع: خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام

- ‌الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين

- ‌الفصل التاسع: دعاة على أبواب جهنم

- ‌الباب العشرون: الشيوعية

- ‌الفصل الأول: دراسة عن الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ تمهيد عام عن الشيوعية:

- ‌المبحث الأول: قيام الشيوعية الأولى بقيادة رجل يسمَّى "مزدك

- ‌المبحث الثاني: من أكاذيب الشيوعيين

- ‌المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌المبحث الرابع: زعامة الشيوعية الماركسية

- ‌المبحث الخامس: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ المادية:

- ‌ الجدلية "الديالكيتك

- ‌ تعقيب:

- ‌ التطور:

- ‌المبحث السادس: التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية:

- ‌ المشاعية البدائية:

- ‌ الرِّق:

- ‌ الإقطاع:

- ‌ الرأسمالية "البرجوازية

- ‌المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان

- ‌المبحث الثامن: التفسير المادي للقيم الإنسانية

- ‌المبحث التاسع: حرب الأخلاق والقيم

- ‌المبحث العاشر: القضاء على الأسر

- ‌المبحث الحادي عشر: محاربة الدين

- ‌المبحث الثاني عشر: سبب قيام الحضارة الإلحادية على العداء للدين

- ‌المبحث الثالث عشر: هل يوجد بين الدين والعلم نزاع

- ‌المبحث الرابع عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌مدخل

- ‌ هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى

- ‌ شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس عشر: روافد أخرى

- ‌مدخل

- ‌ الإنسان التقدمي:

- ‌ الرجعية والجمود:

- ‌ الخرافة والتقاليد:

- ‌ الحرية والكبت:

- ‌ الإلحاد:

- ‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

- ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الثاني: رد مزاعم الملاحدة الشيوعيين

- ‌المطلب الأول: رد مزاعمهم في الملكية الفردية

- ‌المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي

- ‌تعقيب

- ‌المبحث الثالث: إيضاح بعض الجوانب الاقتصادية

- ‌المطلب الأول: التعريف بعلم الاقتصاد

- ‌المطلب الثاني: مدى أهمية العامل الاقتصادي في حياة الإنسان

- ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

- ‌المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد

- ‌المطلب الخامس: المال في الإسلام

- ‌المطلب السادس: وجود الموارد وندرتها

- ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

- ‌المطلب الثامن: تنظيم الإسلام للشؤون المالية وطريقة معالجته لمشكلة الفقر

- ‌المبحث الرابع: التكافل في النظم البشرية

- ‌المطلب الأول: التكافل في الرأسمالية

- ‌المطلب الثاني: التكافل في النظام الشيوعي

- ‌المراجع:

- ‌قائمة بأسماء بعض المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

وفي المباحث الآتية:

المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الملكية في الإسلام وفيه أمران.

1-

حب التملك الفردي فطرة في الإنسان.

2-

الملكية الفردية والجماعية في الإسلام.

المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية، وفيه أمران:

1-

الملكية في الرأسمالية.

2-

الملكية في الشيوعية الماركسية.

المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

المطلب الأول: الملكية في الإسلام:

الأمر الأول: حب التملك الفردي فطرة في الإنسان

حب التملك فطرة في الإنسان "الملكية الفردية" منذ أن أهبطه الله إلى الأرض إلى أن يرثها سبحانه وتعالى، وهو أمر معلوم بالضرورة، ولم يجرء على خلافه إلّا عتاة الملاحدة الذين كابروا الحقائق والأمور الواقعة، وقد أصبحت هذه القضية من أهم القضايا التي شغلت أفكار البشر على امتداد

ص: 1193

تاريخهم، وهي قضية فطرية في الإنسان، ولا يلام عليها؛ لأن الله عز وجل أرادها لإعمار الأرض، إلّا أن صاحبها قد يكون ممدوحًا في تملكه الفردي وقد يكون مذمومًا حسب تصرفه في ماله، وقد عالجها الإسلام بأحسن نظام وأعدله، واعترف بها ولكنَّه هذَّبها على طريقة لا ضرر ولا ضرار، سواء أكانت ملكية فردية أو جماعية.

وهي في النظام الرأسمالي جشع لا حدَّ له وشَرَهٌ شديد.

أما في النظام الشيوعي فلا مكان لها في قاموسهم، وقد اعتبروها مصدر كل الشرور والاختلافات، ومنشأ الصراعات بين الناس الفقراء والأغنياء، وأن الحل لسعادة الناس هو منع الملكية الفردية بأي حال، وجعلها في يد الدولة وحدها، متلمسين في ذلك حججًا واهية وشبهات سخيفة يستدلون بها على الأضرار التي تنجم عن إباحة الملكية الفردية كما سيأتي بيانها.

1-

كزعمهم أن الناس كانوا يعيشون في الشيوعية الأولى عيشة سعيدة قبل أن يعرفوا الملكية الفردية بزعمهم.

2-

إن الملكية الفردية لم تكن فطرة في الإنسان.

3-

لم ينشأ الصراع الطبقي إلّا بعد معرفة الإنسان للرزاعة والصناعة.

4-

إن هذه الصراع لا ينتهي إلّا بزوال الملكية الفردية.

5-

في الملكية الفردية ينشأ نظام استعباد الطبقات العليا لمن دونها.

ص: 1194

وشبه أخرى كلها ساقطة يستدلون بها لمنع الملكية الفردية، وكلها تدور حول وجوب سيطرة الدولة على جميع وسائل التملك ونزعها من أيدي أفراد المجتمعات، فهل هذه الشبهات حقيقة أم خيال؟ وهل تحققت السعادة في الأنظمة الجاهلية ومنها الشيوعية حينما منعت الملكية الفردية، أم ازداد الأمرسوءًا والطغيان طغيانًا، وكان حال المجتمعات الشيوعية على حد ما قال أحد الشعراء:

لقد طغى الغي على الغي

وأصبح الناس كلا شي

وأصبح الميت في قبره

أحسن أحوالًا من الحي

وفيما يلي نوجز بيان قضية الملكية الفردية على ضوء الإسلام، وفي الأنظمة الوضعية.

الأمر الثاني: الملكية الفردية والجماعية في الإسلام

أما الملكية الفردية والجماعية في الإسلام فقد تبيَّن مما مضى أن الإسلام يحترم الملكية بقسميها العامة والفردية وقد نظَّمها أحسن تنظيم، ولم يوجب أن تكون الأموال في يد الدولة فقط، ولا في يد فرد أو طائفة من طوائف المجتمع كما تقرره النظم الجاهلية، وأنه بخلاف النظام الماركسي الذي يجعل الفرد قطعة لا أهمية لها في جانب الجماعة، وبخلاف النظام الرأسمالي الذي يجعل الفرد حرًّا طليقًا ولو على حساب مصالح الجماعة، فانعدم التوازن في غير الإسلام، ذلك التوازن الذي يحقق العدالة للجميع، كما أن الإسلام لا يجيز للدولة أن تأخذ مال أحد إلّا بوجه شرعي، فقد ضمن حرية الملكية الفردية

ص: 1195

ونظَّمها، وجعل مسئولية الإنتاج قائمة على الأفراد وعلى الدولة التي تمثل المجتمع على حد سواء في ضرورة إنعاش الاقتصاد وتنميته وسد حاجات المجتمع.

كما أنَّ الملكية الفردية في الإسلام لها ضوابط وتقوم على نظام خاص بعيدًا عن جشع الرأسمالية وظلم الشيوعية، ولها أسس إن قامت عليها كانت حقًّا مشروعًا لا لوم على صاحبها؛ لأن الإسلام يتماشى مع الفطرة التي فطر الله عليها الناس، ولهذا فهو لم يتجاهل غريزة حب التملك عند الإنسان، بل أقرَّها ونظَّمها في حدودها المشروعة التي ترتكز على القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار"، فإذا لم يكن في التملك ضرر على الغير فله أن يملك ما يشاء من المال مصداقًا لقول الله تعالى:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 1.

وهذا النصيب يشمل كل ما يحتاج إليه الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، وغير ذلك من المباحات المشروعة التي لا تمس مصالح الغير، أو الأملاك العامة التي تشرف عليها الدولة وتحوزها للصالح العام في بيت المال من عائدات المال العام، الذي يشترك فيه جميع أفراد الأمة على حد سواء مثل ملكية مناجم الذهب والفضة وآبار البترول والأوقاف العامة، والأماكن التي تختص بتنميتها البلديات للصالح العام، وغير ذلك من الموارد، فلا يحق لأحد الاستحواذ على ذلك كما أنه لا يجوز لها الإضرار بالغير، فإن كان الضرر لا يزول إلّا بأخذ جزء

1 سورة القصص الآية: 77.

ص: 1196

من مال الشخص للصالح العام، فلا حرج على الدولة أن تفعل ذلك؛ إذ المصلحة العامة أولى بالتحقيق من المصلحة الشخصية الخاصة على حساب الآخرين.

ولا يرد على هذا ما عرف عن الإسلام من حرصه على صيانة الملكية الفردية وعنايته الفائقة بالحفاظ عليها، فهي باقية على حالها إلّا في الحالات النادرة التي يتطلَّب الأمر الدفع بأخف الضررين.

إن نظام الإسلام يقوم على أساس التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فلا يسمح بطغيان مصلحة على أخرى ما أمكن ذلك، ونظرة الإسلام نظرة شاملة تدعو إلى التوفيق بين مختلف المصالح بالعدل وحسن التنظيم، وإذا أمكن التوفيق بين المصلحة العامة وبين المصلحة الخاصة فهذا هو المطلوب، وأما إذا لم يمكن ذلك فإن الإسلام يقدّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، حتى لو أدى ذلك إلى استعمال القوة في سبيل انتفاع الجميع بما فيهم صاحب المصلحة الخاصة نفسه.

ولم يمنع الإسلام أحدًا من امتلاك المال بالطرق الشرعية التي أباحها، بل حثَّ عليها وأوجب المشي في مناكب الأرض، وفضَّل اليد العليا على اليد السفلى، وأكَّد على الغني والفقير التزام تقوى الله ومراقبته فيما يملكان من المال؛ لتنبع المراقبة الصحيحة من داخل النفس على سلوك مهذب، وبيَّن أن احتباس المال ومصادر التكسب في فئة خاصة من الناس أنه سلوك غير مرضي عنه، وشرع لذلك قواعد وأنظمة تكفل المصالح وتحقق السعادة للجميع في ظل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْض

ص: 1197

جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1، فالناس كلهم على حد سواء يباح لهم التملك والانتفاع بكل ما في الأرض التي هي ملك الجميع بتمليك الله تعالى لهم، وكلهم مستخلفون على هذه الخيرات أمناء عليها لمالكها الحقيقي وهو الله تعالى، يتصرفون فيها في حدود ما أذن لهم به فقط، فمن تجاوز ذلك فقد عصى الله تعالى وتعدى وظلم.

وبهذا يتضح أن الإسلام قد ضمن في تشريعاته حق الملكية العامة والملكية الفردية وهي التي يراد بها "اختصاص إنسان بشيء يخوله شرعًا الانتفاع والتصرف فيه وحده ابتداءً إلّا لمانع"2 أصالة أو إنابة، كما ضمن الإسلام حسن توزيع الثروات وحدود الأرباح والحقوق الأخلاقية في كل ذلك، إلا أن الإسلام وهو يبيح الملكية الفردية -كما عرفت- لم يجعلها فوضى، بل نظَّم طريقة التملك وطريقة الإنفاق، وحرم على الغير أخذ أي مال ليس له فيه حق مشروع، وسن العقاب على كل من يتعدى على الملكية الخاصة للغير بدون وجه شرعي، ما د امت تلك الملكية قد قامت من طرق ومكاسب صحيحة، فجعل لصاحب المال حرمة مصونة، وجعل له حرية التصرف فيه، سواء أكان ذلك في حياته أو بعد مماته، كالوصية بجزء من ماله لأي عمل خيري، ولم يبح أن يتعدى المال الموصى به الثلث حماية لمصلحة الشخص نفسه أولًا، ولبقية ورثته آخرًا، كما في حديث سعد رضي الله عنه.

1 سورة البقرة الآية: 29.

2 "الملكية في الشريعة الإسلامية"، للدكتور عبد السلام العبادي، ص150 نقلًا عن "النظام الاقتصادي في الإسلام"، ص86.

ص: 1198

كما نظَّم الإسلام كل طوائف المجتمع تنظيمًا يضمن صلاح الفرد والمجتمع، ويحفز الجميع على الرغبة والتفاني في العمل وفي الإنتاج، فقد جعل الإسلام للدولة نظامًا تلتزمه تجاه أفراد مجتمعها، قائم على العدل بين الجميع، فلا يجوز أن تطغى سلطة الدولة على مجتمعها دون نظام أورقابة، ولا أن تعيش في الترف والبذخ والشعب في حاجة، فإنهم مسئولون أمام الله تعالى، وقد وردت النصوص الكثيرة في الوعيد الشديد لهم إذا جاروا وظلموا أو غشوا شعوبهم ورعيتهم.

وفللدولة في الإسلام السلطة التنفيذية ورعاية مصالح الشعوب والذَّب عنها، وإبرام العقود وحلها، وفرض الرقابة والإشراف على الأوقاف الإسلامية، وجباية الأموال على الطريق الشرعي، وتوزيعها على المستحقين، وغير ذلك من الصلاحيات الكثيرة، وأوجب في المقابل على كل فرد أن يكون مخلصًا للدولة سامعًا مطيعًا في كل ما يأمرون به، إلّا أن يؤمروا بالكفر الواضح فلا طاعة لهم؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى الناس أن يتصرفوا بالتي هي أحسن وأنجح غير متهورين أو مستهينين بالعواقب.

ص: 1199