الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان
لقد أفادت النظرية الداروينية الكاذبة أنَّ الإنسان حيوان يعود إلى نسل القردة، ثم تطور بفعل المادة إلى أن أصبح إنسانًا، وجاء الملاحدة فأكملوا خيوط المؤامرة النظرية وزخرفوا فيها القول لإثبات تشويه صورة الإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، وجعل فيه النبوة والعقل، وشرَّفه بالتكليف، فصوروه على أنه حيوان تطوّر عن جماعة القردة، لا فرق بينه وبين بقية المخلوقات؛ ليسهل لليهود في النهاية استحمار البشرية وسوقهم إلى حظيرة اليهود الذين يعتبرون -كل الجوييم- حيوانات خلقت على صور اليهود؛ لتسهيل خدمة أسيادهم اليهود -شعب الله المختار بزعمهم.
ويذكر الباحثون أن دارون وإن كان قد أرجع أصل الإنسان إلى القردة؛ لكنه لم يرجعه إلى المادة الصماء كما قرره الملاحدة من بعده، فإن الإنسان عند دارون أرفع رتبة منه من رتبته عند الملاحدة الماركسين، وقد جعل مجال الحديث عن الإنسان وسائر الكائنات الحية هو علم الحياة الذي يختلف اختلافًا بينًا عن علم المادة.
ومع هذا الهبوط بالإنسان في نظرية دارون إلّا أن الملاحدة لم يكتفوا بذلك، بل أضافوا له دفعات إلى الأسفل في الهبوط، فاعتبروا فكر الإنسان الذي يميزه عن سائر الحيوانات جعلوه ناتجًا عن المادة المحضة لا قيمة له
عن الجسم المادّي، نعم إن الله أوجد الإنسان من مادة هذا الكون، ولكن حصل له تشريف عظيم أخرجه تمامًا عن صفته المادية، وهذا التشريف هو نفخ الله فيه الروح، فصار عظيمًا مشرفًا بهذا، ولم يبق على مادته الترابية، هنا يظهر تناقض الملاحدة؛ إذ يزعمون أن الإنسان أفضل المخلوقات، بينما يثبتون أنه من المادة، فكيف ساغ لهم أن يفاضلوا بين مادة ومادة دون مبرر؟ وكيف ساغ لهم أن يقولوا إن الإنسان سيد هذا الكون ما دام الإنسان مخلوقًا منه بفعل المادة، لقد تضاربت أفكار الملاحدة دون أن أيّ اكتراث منهم بذلك.
ويظهر أن القصد الأخير لهم هو الدفع بالجوييم إلى القناعة بحقارة أصلهم، وبالتالي فلا يحق لأحد منهم أن يفخر بأنه إنسان مكرّم، بينما اليهود لا يدخلون في تسمية "إنسان"؛ لأنَّ عنصرهم من عنصر الله، وأنهم شعبه المختار، ألخ أوصاف التلمود لهم، ولقد أراد الملاحدة طمس إنسانية الإنسان وإلحاقه بالجمادات أو الحيوانات الدنيا، إلّا أنهم واجهتهم حقائق تكذبهم علنًا، وتعلن بوضوح أن الإنسان كائن أسمى مما تصوروه، لا فرق بين إنسان وإنسان في المزايا الآتية:
1-
الإنسان مفكّر، بينما لا توجد هذه الصفة في أي مخلوق آخر من الحيوانات.
2-
الإنسان يتكلّم ويفصح عمَّا في ضميره بكل فصاحة، وهذه الصفة لا توجد إلّا في الإنسان.
3-
الإنسان له تقاليد وعادات لا توجد إلّا فيه وحده، تقاليد وعادات في العشرة، وفي سائر السلوك؛ في الكرم والشجاعة والإيثار والحزن والفرح وغير ذلك.
4-
الإنسان ينتج بأفعاله مختلف الأشياء، فهو يبني ويهدم ويصنع ويحرث ويتفنَّن في كل أموره حسب تفكيره واختياره.
5-
الإنسان يتطوّر ويستفيد من أخطائه ومن تجاربه، فيحذر الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه، ويقارن بين الأمور.
6-
الإنسان هو سيد كل الحيوانات التي تعايشه في الأرض، وقد استخدمها وانتفع بها بكل مهارة وريَّضها على فعل كل ما يريده بطريقة توحي بأن الإنسان كائن مميَّز عجيب، فمن الظلم إلحاقه بما تصوره عنه الملاحدة من أنه من فصيلة القردة ثم تطور.
7-
الإنسان له قدرة عجيبة على كبح جماح نفسه، وتهذيب طابعه، وكبت غرائزه بصورة لا تقبل أيّ شك في تميزه.
8-
الإنسان له قدرة على التعلُّم والتعليم، والقراءة والكتابة، وهي صفات لا توجد في أيّ مخلوق في الأرض سواه، اللهمَّ إلّا أن يكون الجن.
9-
الإنسان يستحسن أشياء كثيرة، ويستقبح أشياء كثيرة، ويسن لنفسه ولغيره قوانين وأنظمة يسير بموجبها، وهي صفات خاصة به تدل على سموّه وشرفه.
10-
للإنسان خيال واسع وإدراك قوي يخطط للحاضر وللمستقبل، وهذا الخيال الخصب لديه ميزة خاصة به، يختار أمورًا ويترك أخرى، وينظِّم مساراته للمستقبل وفق ما يريده، وكأنه على معرفة مسبَّقة به1.
إن كل هذه الصفات وغيرها مما تحلَّى بها الإنسان لهي صفعة في وجوه الملاحدة الذين سلبوه صفاته التي ميَّزه الله بها، وشرفه بالتكليف والعمل لدنياه ولآخرته، وجعله مستخلفًا في الأرض لإحيائها، فهل يصح أن يقال بعد ذلك: إن الإنسان مادة مجرَّدة عن أي اعتبار، أو إنه حيوان تطوَّر بفعل مرور الزمن، أو غير ذلك من نظرياتهم الفاسدة، وأنى لمادَّة صماء أن تخلق إنسانًا تتوفر فيه تلك الصفات العالية، والفضائل الرفيعة، والتركيب العجيب، وأنَّى لفاقد الشيء أن يعطيه، فهل يفيق الملاحدة؟ وهل يتركون استهتارهم بهذا الكائن العظيم؟ ويحترمون روحه وفكره وأصله الذي شرَّفه الله بخلقه بيده تشريفًا وتكريمًا له وأسجج له ملائكته المسبّحة بقدسه؟
1 بتصرف عن "مذاهب فكرية معاصرة"ص314.