الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: تعريف الروح
وقف البشر حائرين في معرفة هذه الروح أو التعريف بها؛ فمنهم من أدلى بدلوه في التعريف بها، ومنهم من أمسك مطلقًا عن الخوض فيها، مرجعًا الأمر إلى الله تعالى وحده؛ حيث إنه سبحانه لم يرد أن يبين للناس شيئًا عنها أكثر من أنها من أمره عز وجل، فكيف نعرفها أو نعرف شيئًا عنها، فأراحوا واستراحوا، ومنهم من ذهب يعرِّفها بتعريفات اجتهادية كثيرة كلها تحتاج إلى أدلة لإثباتها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أقوالًا كثيرة في التعريف بها، إلّا أنه رجَّح قولًا واحدًا وانتصر له، وأورد أدلة كثيرة على تصويبه، وهذا التعريف هو أحد الأقوال التي أوردها الرازي أيضًا في ذكره لاختلاف الناس في مفهوم الروح فقال:"والسادس أنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جنس نوراني علويّ خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها من الآثار من الحسِّ والحركة والإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارقت الروح البدن وانفصلت إلى عالم الأرواح"، قال ابن القيم:"وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دلّ الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة"1، ثم أورد الأدلة على تقويته بلغت أكثر من مائة دليل.
1 الروح ص242.
وعرَّفها بعض العلماء بأنها هي الوجود الذي يدرك بالتصوّر العقلي ولا يدرك بالحواس؛ كالمُثُل والقيم والمبادئ والعدل والرحمة والتعاون والخير والبرِّ؛ ولأنَّ هذه لا تدرك بالحواس، وكذا الدين نفسه؛ لأن مصدره الوحي الإلهي وهو لا يدرك بالحواس1.
وأعتقد أن كل تعريف للروح يحتاج إلى إثباته بنص صحيح، والأولى الوقوف على ما ذكره الله في كتابه، وفي الموسوعة العربية الميسَّرة وصفوا البحوث الروحية بأنها نسبة إلى علم النفس الغيبي، أو الهامشي، يطلق على بعض الظواهر السلوكية أو الذهنية التي تقع خارج نطاق ما تفسره القوانين الطبيعية، وهي ظواهر غريبة وخارقة للعادة"2.
وهذا الوصف لتضحير الأرواح بأنه علم النفس الغيبي يظهر أنه غير صواب، فليس هناك علم نفس غيبي؛ إذ الغيب لله تعالى وحده لا يصل إليه أحد بالتعلم، إلّا ما أخبر الله به أنبياءه ورسله.
ووصفها بأنها خارقة للعادة ليس كذلك، فإن علم تحضير الأرواح -كما يسمونه- ليس من الأمور الخارقة للعادة، بل هو كذب وشعوذة يموّهون به على من لا معرفة له بمسالكهم الشيطانية، ونسبة المذهب إلى الروح إنما هو للإغراء والدعاية وظلم الروح حينما ينسب الروحيون مذهبهم إلى الروح وهي منهم ومن آرائهم براء، إلّا أن تكون النسبة إلى أرواح الشياطين.
1 بتصرف عن التطور والدين ص23.
2 الموسوعة العربية الميسرة ج1، ص33، وانظر ص416.