الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
التطور:
هذه الكلمة تتردد على ألسنة كثير من الناس؛ بعضهم يدرك المدلول والمغزى الأساسي لها، وبعضهم يعرفها بصورة مجملة ويرددها على هذا المفهوم، وهي في ظاهرها كلمة جميلة توحي بالتجديد والنشاط والحيوية المطلوبة، إلّا أنه ينبغي أن ندرك أن كثيرًا من أصحاب الأفكار الهدَّامة قد استغلوها استغلالًا فاحشًا، وبنوا عليها آراءهم التي يهدفون من ورائها إلى تغيير المفاهيم السليمة والمعتقدات المستقيمة والحياة الاقتصادية تغييرًا جذريًّا يتفق مع ما بيَّتوه لقلب الحياة الاجتماعية، وسيتضح ذلك من خلال دراستنا لهذه المادة، وحسبنا هنا أن نذكر مفهوم التطور بصورة موجزة، وهل التطور الذي يريده الشيوعيون هو تطور حقيقي أم خرافات وهمية تخيلوها لتأييد ما يهدفون إليه من إلحاد؟ والتطوّر بحد ذاته يراد به كما عرَّفه بعضهم بقوله هو:"الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، والتغيير من حالٍ إلى حال"1.
والواقع أنه إمَّا أن يكون التطور في خلق الإنسان وتركيبه، وإمَّا أن يكون في أصل نشأة الكون وما فيه.
1-
فأمَّا التطور بالمفهوم الأول: فهو حق، وهو ما جاء ذكره في كتاب الله تعالى في بيانه لخلق الإنسان والمراحل التي يمر بها في قوله تعالى:{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} 2، أي: أوجدكم طورًا بعد
1 التطور والدين ص13.
2 سورة نوح، الآية:14.
هذه هي أهم الأطوار التي يمر بها الإنسان في حياته الجسمية وهي خاصَّة ببني آدم، أمَّا آدم فإن هذه التطورات لا تشمله، فقد خلقه الله بيده من تراب الأرض، ثم نفخ فيه الروح فكان بشرًا سويًّا.
2-
أما التطور بالمفهوم الثاني: "وسيكون موضوع دراستنا" فإنه ينقسم إلى قسمين:
- قسم يتعلق بأصل نشأة هذا الكون والمراحل التي مرَّ بها في تطوره إلى أن وصل إلى ما هو عليه.
- والقسم الثاني يتعلق بمعرفة أصل نشأة الكائنات الحية، والمراحل التي مرّت بها في تطورها، وفي أولها الإنسان، وكيف نشأ وكيف تطور في وجوده وفي تفكيره وفي معيشته وفي عبادته حسب تفكير أصحاب نظرية التطور، وفي أولهم "أراسموس دارون"، وحفيده "جارلس روبرت دارون"، ومن جاء بعدهما على هذه الفكرة الباطلة الخرافية التي أصبح دعوى التطور فيها من أهم خصائص المذهب
1 سورة المؤمنون، الآيات: 12-16.
الشيوعي؛ حيث يقصدون بالتطور أن كل أمر في هذا الوجود يتطور ويتقدّم إلى الأمام في خطوات متتابعة إلى ما لا نهاية -بزعمهم، ويستدلون على ذلك بما قرروه من أن الإنسان كان مائيًّا ثم برمائيًّا ثم بريًّا، ثم عرف الرق، ثم الإقطاع، ثم الرأسمالية، إلى أن عرف الشيوعية الماركسية، وسيتطور فيما بعد -ولا يغيب عن القارئ- وضع الشيعية اليوم؛ حيث أقرَّ الله عيون أهل الإيمان بموتها في عقر دارها، وهذا من الأدلة الدالة على كذب أحلام الملاحدة فيما تصوروه عن التطور المزعوم وأبديته، وانتشار المذهب الشيوعي تلقائيًّا، كما أن هذا المفهوم الذي قرره الملاحدة لتطور الأشياء لم يكن صحيحًا، فإن تطور الإنسان لم يقم على المادة -كما يريده الملاحدة، بل قام الإنسان نفسه وعلى حسب ما تمليه عليه حاجته إلى الأمور، أما المادة الصماء فإنها عاجزة عن تطوير نفسها، فكيف تعمل لتطوير غيرها؟
فوجود المادة لا يطور أحدًا، وليس وجودها كافيًا لتطور الإنسان، ومعلوم أن المادِّيين -وهم جاهدون وجادُّون- في محو كل القيم الإنسانية، أو أي شيء يؤدي إلى احترام إنسانية الإنسان، معلوم أنهم يعرفون تلك الحقيقة، ولكنهم يتحاشون البوح بها لئلَّا يؤدي ذلك إلى حترام القيم والمثل والتهذيب الديني للإنسان بجعل كل الفضائل للمادة خير من جعلها للإنسان في ميزان الملاحدة؛ إذ المادة لا خطر من ورائها، ولا يؤدي احترامها إلى فرض القيم الدينية التي يخافونها، التي تذكرهم استبداد الدين النصراني المحرَّف.
إن تطور الإنسان في حياته المادية في معيشته وفي طريقة سكنه وملبسه ومركبه أمرٌ واقع، فقد كان الناس يركبون الحمير والجمال والبغال والخيل، واليوم أصبحوا يركبون السيارات والطائرات والسفن، وغير ذلك من الوسائل التي تطوّر فيها الناس، وهذا التطور بهذا المفهوم أمر حقيقي لا يجهله أحد، إلا أنه لم يكن نتيجة لتصادم الحاجات، كما أن وجود القيم الإنسانية والأخلاق والدين وسائر الفضائل التي امتاز بها الإنسان عن الحيوانات البهيمية لم تنشأ عن صراع وتناقض، ولم يكن فيها الإنسان كالحيوان في المعايير والقيم والسلوك كما قرره الملاحدة حسب ما استخلصوه من نظرية "دارون" و"فرويد".