الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين
…
الفصل الثامن: كيف غزة الاشتراكية بلدان المسلمين؟
من المعروف أن الأفكار تنتقل وتتسرَّب من شخص لآخر، ومن أمة لأمة دون أن تحدها حدود، فهي تتغلغل وتنتقل في الوقت الذي يتهيئ لها، وكما يقال:"لكل صائح صدى" مهما كان قبح صوت ذلك الصائح، فقد وجدت الاشتراكية القبيحة طريقًا إلى آذان بعض من تقبَّلها تحت أسباب متعددة، وذرائع مختلفة، وإغراءات برّاقة، والذين تقبلوها إما طلاب دنيا لهم أغراض في الوصول إلى الزعامة أو الثراء، أو أصحاب حقد شديد على أغنياء يريدون النيل منهم، أو جهَّال ينعقون بما لا يفقهون، ويصفقون لما لا يدركون حقيقته، أو إباحيون لا يريدون أن يحدَّهم دين أو شرع عن الوصول إلى شهواتهم، وهؤلاء العملاء قد يكونون تحت مسمَّى الإسلام ومن العرب أو من غيرهم، ولكنهم أشد أعداء الإسلام والمسلمين، باعوا دينهم وضمائرهم لأقطاب الاشتراكية الماركسية، وكونوا من أنفسهم طابورًا سريًّا في الصف الأول في الهجوم على الدين ومن يمثّله من أبناء جلدتهم، وبالإضافة إلى أن هؤلاء جواسيس على أمتهم ودينهم، فهم كذلك دعاة ترغيب تحسين لوجه الاشتراكية الكالح، يرددون الشعارات تلو الشعارات، والمدائح تلو المدائح، إمَّا تصريحًا وإما تلميحًا تحت دعاوي كثيرة باطلة، إما دعوى إنصاف الفقراء والمظلومين، وإما دعوى التحرر، وإما دعوى التقدُّم ونبذ الرجعية والجمود والتخلف ولحوق ركب الحضارة الغربية أو الشرقية، وما غير ذلك من الشعارات
البراقة والخطب الرنَّانية الفارغة بكل ما لديهم من قوة صاحب السلطة بسلطته، وصاحب القلم والرأي بقلمه ورأيه، وصاحب نشر الفحشاء والسوء بأسلوبه، فكم ألصقوا من التُّهم الشنيعة بشرفاء هم أنظف من الزجاجة وشوَّهوا سمعتهم بما أخلقوه من التهم والألقاب المنفرة ضدهم، وكم قرَّب الاشتراكيون من صعاليك سفهاء، وكم أبعدوا من أولي الحجى حتى صارت كلمة السفهاء وأصحاب الخنى هي المسموعة في وسائل إعلامهم المختلفة من مرئية ومسموعة ومكتبوة، وأبعدت الكلمة الصالحة، وجعلوا دون نشرها حجبًا كثيرة وأبوابًا مغلَّقة لئلَّا تفتح القلوب وتزيل غشاوة أبصار من افتتنوا بها.
أما بالنسبة لغزو الاشتراكية البلاد العربية فقد بدأ ظهورها في مصر وسوريا ولبنان في صورة ليست قوية إلى أن تبنَّاها رئيس مصر جمال عبد الناصر، الذي طغى وبغى في وقته، وتبنَّى الاشتراكية الماركسية ونشرها بأساليب شيطانية، وأحيط بها له من التغطية حيث كاد أن يدّعي ما ليس له بحق، لولا أنَّ الله عاجله بالعقوبة بهزيمته على يد اليهود أولًا وموته الفجاءة ثانيًا بعد أن علا اسمه وصار يلقب بأبي الأحرار ورائد الأمة، وما إلى ذلك من الأسماء الكاذبة، وكان بعضهم يصرّح بقوله: لن نهزم وناصر بيننا، فهزمهم الله في حرب سنة 1967م شرَّ هزيمة عرفت في التاريخ الحديث.
انتعشت الاشتراكية العلمية التي اختارها جمال عبد الناصر طريقًا، وقام الكُتَّاب المتزلِّفون وأطروْهَا مدحًا وجاءوا بخدع لا نظير لها لتحبيبها إلى قلوب المسلمين، ومن الملفت للنظر أن دعاة الاشتراكية العربية تناقضوا
مع أنفسهم تناقضًا فاحشًا، فبينما هم ينادون بالاشتراكية العلمية إذا بهم يقولون: إنها ليست الاشتراكية الماركسية، وهل هناك اشتراكية غير اشتراكية ماركس التي سمَّاها -كذبًا وزورًا - علمية.
وهؤلاء المغالطون يزعمون أن اشتراكيتهم علمية لكنَّها ليست هي الماركسية، فأي اشتراكية علمية هذه التي ينادون بها؟
ولو على سبيل الافتراض قبلنا زعمهم أنَّ اشتراكيتهم علمية، ولكنها ليست ماركسية، أليست هذه الاشتراكية أيضًا التي ينادون بها هي نفسها مبادئ الاشتراكية الماركسية، لا تختلف عنها اللهمَّ إلا في اختيار بعض الألفاظ ليغالطوا بها الناس السذج1.
وأما كذبتهم الكبيرة التي يزعمون في أن اشتراكيتهم هي نفسها مبادئ الاسلام: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} 2، فأين الإسلام وأين مبادئ ماركس؟ وهل يمكن أن يجتمع الليل والنهار في وقت واحد؟
وما تمسَّكوا به من أن مبادئ الاشتراكية الماركسية تتوافق مع كثير من مبادئ الإسلام، فهو من باب تمسُّك الغريق، أو حجّة من لا حجة له، فما
1 إذا أردت المزيد من الشواهد فاقرأ كتاب "التضليل الاشتراكي" للدكتور صلاح الدين المنجد، لترى فيه عجًبا من بعض الكُتَّاب في مصر في ثنائهم على الاشتراكية والماركسية، وأن الدين الإسلامي هو أساسهما؟!
وكتابه "بلشفة الإسلام" وأقرأ ما كتبه الدكتور عمر حليق في كتابه "دور الماركسية في الاشتراكية العربية".
2 سورة الكهف، آية:5.
أكثر التشابه بين الآراء المتضادة، ومع ذلك لا يصح القول: إن هذا التشابه يجعلها متَّفقة غير مختلفة كما تقدَّم. وأنَّ أول ما يكذبهم فيما زعموه هو أن الاشتراكية الماركسية تدعو إلى الثورات المتلاحقة والصراع الطبقي بكل شدة، بينما الإسلام لا يدعو إلى شيء من ذلك، بل يدعو إلى الهدوء والمحبَّة والعطف والبر والإحسان والصدقات، فأين وجه الشبه بينهما؟
كما يكذبهم كذلك اعتقادهم أن الملكية الخاصَّة يجب أن لا يبقى لها أي مكان، وإمَّا هي الملكية العامة التي تكون بيد الدولة فقط، فالإسلام يحترم الملكية الخاصة والملكية العامة، وينظم الجميع تحت لا ضرر ولا ضرار، فأين وجه الشبه بينهما؟
كما أنَّ الاشتراكية الماركسية تسلب حريات الناس وتكمِّم أفواههم وتفرض تعاليمها فرضًا بالحديد والنار، بينما الإسلام يحثّ على الحرية وعلى الجهر بالحق في حدود الشرع والمصلحة العامة، فأين وجه الشبه بينهما؟
وإنك لتندهش حقًّا وتعجب أشد العجب من عملاء الماركسية حينما يزعمون أن الاشتركية متوافقة مع الإسلام ومع فطرة كل شخص، وأنَّ الشعوب رضيت بها واعتنقتها ورأت فيها ضالتها المنشودة، قبَّح الله هؤلاء الكذابين الأفَّاكين، أليست الشعوب التي يزعمون أنها تقبَّلتها تلعنهم ليلًا ونهارًا؟ وأي شخص ارتاح إليها وهو يعلم أنها ستسلبه أرضه ومسكنه؟ ويعيش على بطاقة تصرفها له الدولة يتغدى بها ويتعشَّى بها، ثم يكون
عودًا ضمن الحطب، ما أشدّ جرأة هؤلاء الكذابين الذين يكذبون على الناس علانية دون حياء أو خجل، فلو لم يكن للشعوب إلّا تمسكهم بالإسلام لكان كافيًا في ردِّها ولعنها، كيف وقد انضاف إليهم الفقر الذي يتهدَّد معتنقيها بين عشية وضحاها؟
ولهذا تجد تلك الشعوب المسلمة تقول بكل حزم وعزم حينما تسمع أحد عملاء الاشتراكية الماركسية يقول: إن الإسلام يؤيد الاشتراكية والاشتراكية تؤيده، يقولون له: كذبت وافتريت أيها المخادع.