الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: الرد على الوجوديين
لقد أقام سارتر وجوديته على غاية التناقض "فزعم أن الشيء يوجد أولًا ثم يصنع الشعور الإنساني له ماهية"1.
فبأي عقل يتصوّر الإنسان أن الشيء يوجد من غير موجِد، ويكون أيضًا في غاية الإتقان إن لم يكن هناك خلّاق عالم أوجده على الماهية التي يريدها؟ ومعلوم أن الذي أضطره إلى هذا الزعم هو قيام فلسفته على الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى، وتصديق الأوهام والأفكار الفارغة.
ولقد هاجم سارتر كل القيم الاجتماعية وفنَّدها وقلب الأمور فيها رأسًا على عقب، بدافع حقده اليهودي وخلاعته ورغبة اليهود في استحمار العالم كله، حينما يصبح العالم مثل الحيوانات لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، ولقد ابتكر سارتر أفكاره من محض خياله دون أن يستند على أيّ دليل لا عقلي ولا نقلي، مزخْرِفًا كلامه بشتَّى المغالطات والأساليب الفلسفة التي يحسبها الجاهل ماءً، فإذا هي سراب أضافه إلى ما تلمَّسه من الفلسفات التي سبقته، كما أن دعواه أن الإنسان ليس له إلّا هذه الحياة التي يجب على حدِّ زعمه أن يتمتَّع بكل ما تريده نفسه، هي حياة حيوانية لا تليق بالإنسان الذي كرمه الله تعالى، كما أن الحرية التي نادى بها هي حرية فوضوية لا تليق كذلك بالإنسان.
كواشف زيوف ص371.
يقول أبو جمعة: "ولقد عارض النظرية الوجودية مفكرون غربيون كثيرون، وحصروا أخطارها في عدة نقاط أساسية هي:
1-
أنها تجعل الإنسان في عزلة عن الجماعة.
2-
أنها تستطيب إبراز القبيح من جوانب الطبيعة الإنسانية وتدعو إلى الانحلال.
3-
أنها تبطل الأوامر الإلهية وتنكر القيم الخالدة.
4-
أنها تدعو إلى اليأس المطلق والتشاؤم الكلي، وتدعو إلى هدم الحياة.
5-
أنها دعوة إلى التمرد على الواقع والقيم جميعًا، وترفض كل ما يتصل بالمغيبات والنفس الإنسانية، وتقف عند الإيمان باللحم والدم.
6-
أنها تنكر محصول البشرية من القيم والتجارب، وتدعو إلى أن يبدأ الإنسان من جديد.
7-
تحتقر الدين والعلم والأخلاق.
8-
ليس فيها نقطة واحدة تفتح الطريق أمام التقدُّم أو بناء الحياة، أو العمل من أجل مجتمع أفضل.
9-
هي فلسفة موغلة في الفردية تنكر الحقيقة الموضوعية للواقع الإنساني.
10-
الأخلاق الوجودية هي أخلاق: المرض، القلق، القنوط، التشاؤم، الأنانية المفرطة.
11-
تعمل على تقويض المجتمعات وهدم الأمل والخلق والغيرة ومعارضة الشجاعة والتضحية1.
إن الوجودية فوضوية بكل ما تحمله الفوضوية من معانٍ آخذة من دعوى الحرية الشخصية ستارًا، مع أنَّ هذه الدعوى تعادل بالتعبير الصحيح الفوضى، وليست الحرية التي يفهمها العقلاء، وإنما هي حرية حيوانات لا حدَّ لجماحها ونزواتها، حرية انحطاط وتخلف شائن واستعباد للشهوات دون أدنى تمييز أو تفكير، فإن من تأمَّل مذهب الوجودية سيتضح له تمامًا أنها تدعو إلى الحياة البهيمية، وأن يعيش الإنسان مكبًّا على وجهه لا يرتبط بأية فضيلة أو سلوك، بعيدًا عن تكريم الله للإنسان ورفعه فوق كثير من الخلق، وهي دعوى إلى عبادة الإنسان لنفسه وهواه، وقد قال الله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} 2.
وفي حديث يرويه حذيفة أن عمر رضي الله عنه قال لجلسائه: "أيكم سمع قول رسول صلى الله عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر، فسكت القوم، وظننت أنه إياي يريد. قلت: أنا سمعته. قال: أنت سمعته!! قال: "أنت لله أبوك. قال: قلت: "تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، ونِصْفُ قلبٍ
1 الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص80-81، نقلًا عن "الإسلام والدعوات الهدامة" لأنور الجندي ص194.
2 سورة الجاثية، الآية:23.
أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين؛ أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدًا كالكوز مجخيًّا" وآمال كفه "لا يعرف معروف ولا ينكر منكرًا إلّا ما أشرب منه هواه" 1.
الحديث، وهكذا تفعل الفتن بأصحابها، وفي الفتن كما قال الشاعر:
يقضي على المرء في أيام منحته
…
حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
1 انظر مسند أبو عوانه ج1، ص56، ومسند البزار ج7، ص263، ومسند أحمد ج5، ص386، ص405.
قال أبو عوانة -أحد رواة الحديث -وتفسير الكوز مجخيًّا قال: منكوسًا. مسند أبو عوانة ج1، ص57.