الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد
؟
…
الفصل الثاني: كيف تدرجوا في إظهار الإلحاد؟
عرفت مما سبق أن الإلحاد لم يكن ظاهرة جماعية على امتداد التاريخ الإنساني، وإنما كان نزعات شاذة، إلى أن تبنّت اليهودية العالمية هذا الفكر لتقضي به على جميع الأديان؛ ليسهل عليهم بعد ذلك استحمار العالم لهم، وإقامة دولة اليهود الكبرى العالمية التي يحلمون بإقامتها.
وفي بداية تبنيهم للفكرة كانوا يشجعون أيّ فكر أو حركة ضد الدين وأهله -أي دين كان، وينشرون الشعارات البراقة مثل: إقامة الحياة السعيدة، أو العيش السعيد للبشر في ظل أنظمتهم المزعومة.
والتركيز على ذمّ أهل الدين وتحقير أمرهم في أعين العامة، وخصوصًا علماء الدين؛ حيث ألصقوا بهم شتَّى التُّهم لتنفير الناس عنهم وعن مبادئهم، ثم تشجيع النظريات المعادية للدين أو لرجال الدين، أو الجانحة إلى التفلُّت من عقيدة الإيمان بالله تعالى، وإطلاق الألقاب الفخمة على كل شخص، أو فكر يظهر منه ذلك مما كانت حقارة القائل أو الفكر.
وكذا المناداة بإطلاق الحريات للناس: الحريات الشخصية، حرية الكلمة، حرية التصرف، حرية التدين، حرية الاقتصاد، حرية الفكرة، ونحو ذلك من الدعايات، انطلقوا في طريق واحد يصدّق بعضهم بعضًا خصوصًا حينما استولوا على وسائل الإعلام كلها، وبواسطة عملائهم المنتشرين في كل مكان، وقد توّج اليهود حربهم لله تعالى بإقامة الماركسية والالتفاف حولها دعمًا ومدحًا، وهيئوا لهاكل سبل النجاح للوصول إلى
مراكز الحكم، والتأثير بالترغيب وبالترهيب، فأصبح الإلحاد ظاهرة قوية في شكل جمعات من الناس، وفي شكل دول حكمت بالحديد والنار لنشر هذا الإلحاد، وقدموا الإلحاد في أثواب براقة وخدع خفية؛ حيث ربطوا كل تقدُّم أو نجاح للعالم بتنفيذه.
وبحكم تسلُّط الملاحدة في البلدان التي تمت السيطرة لهم عليها أدخل تعليم الإلحاد قهرًا، وبالتالي إبعاد تعليم الدين عن كل المجتمعات والحيلولة دون دراسته، وإطلاق أيدي الفسقة والفجّار للنيل منه ومن القائمين عليه، ووصفهم بالرجعية والخونة والمتخلفين، وما إلى ذلك من الألقاب الظالمة، وكذا إطلاق أيديهم لخداع أهل الدين، وأن الإلحاد هو الأساس الذي كان عليه البشر، إلى أن جاءت الرسل -عليهم الصلاة والسلام- فغيروا تلك المفاهيم الصحيحة، وربطوهم بالخرافات إلى أن أصبح الإلحاد مذهبًا فكريًّا وتتمّ بموجبه المولاة والمعادات، وأصبح له أنصار كثيرون بزعامة الاتحاد السوفيتي سابقًا ولا يزال له انصار ودول إلى اليوم.
ومما يجب الاهتمام والتأكيد عليه أن الإلحاد كان أمرًا طارئًا على البشرية؛ إذ الثابت أن الإيمان بالله تعالى هو الأساس الذي كان عليه آدم وذريته من بعده منذ أن أهبطه الله إلى الأرض، إلى أن نبغ قرن الشيطان في مفاهيم أتباعه بعد أن انحرفت أفكارهم ودُنِّست فطرهم.
ولا بُدَّ من القول أن الإلحاد قد اشتدَّ وكثر أتباعه، سواء أكان في الغرب النصراني أو الشرق الشيوعي، وهو يمشي بخطى حثيثة، وقد تقبَّله من تقبَّله من الناس، إمَّا لعدم إيمانهم بالدين، وإما لجهلهم وسخافة أفكارهم، وإما رغبة في الوصول إلى مآرب سياسية أو اقتصادية، أو رغبتهم في التفلُّت عن الدين، أو غير ذلك مما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد يتعرّض بعض المدافعين عن الإلحاد الشيوعي الماركسي ويقول: إن الإلحاد لم يكن وليد الشيوعية الماركسية، بل إنه قديم في البشرية، ظهر قبل ماركس وظهر بعده.
والواقع: إن الإلحاد ظهر في بعض المجتمعات البشرية قديمًا، ولكن اقتضت حكمة الله تعالى أن يتتابع الرسل مبشرين ومنذرين من عهد نوح عليه السلام إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله عن هؤلاء الملاحدة في كتابه الكريم وعلى ألسنة أنبيائه، ودحض حججهم وبيَّن زيفها -ولله الحجة البالغة، وكان الإلحاد في الزمن القديم يختلف قوة وضعفًا باختلاف القائمين عليه، فمنهم من كان إلحاده في إدخال شركاء مع الله تعالى كالوثنيين والمجوس وهم الأكثرية، ومنهم من كان إلحاده البعد عن الله تمامًا والالتجاء إلى الدهر {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} 1، ومن هؤلاء الدهرية صنف من معطِّلة العرب الذين أنكروا الخالق والبعث والإعادة فيما يذكر الشهرستاني2، ويظهر أنهم قلة من العرب، وظلَّ الصراع قائمًا على أشده بين أولياء الله الموحدين وأولياء الشيطان إلى أن جاء الإلحاد الحديث على يدي ماركس وأتباعه، فإذا به طوفان مبين لا يبقي ولا يذر، قائم على محاربة الله تعالى ورسله والأديان كلها، وإنكار وجود خالق الخلق في تنظيم وشمولية ليحلَّ محل كل الأديان بخطط مدروسة.
1 سورة الجاثية، الآية:24.
2 الملل والنحل "ج2" ص 215.