الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: نظرية السيادة
المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة
؟
1-
هذه هي إحدى النظريات التي نشأت في أوربا للتفلُّت من حكم الدين -النصراني- وقبضة القائمين عليه ممن يسمُّونهم رجال الدين.
2-
وهي -حسب تصوري- تصلح أن تكون تفسيرًا وإيضاحًا للمقصود بالديمقراطية الغربية.
3 قام أصحاب هذه النظرية يطالبون بالسيادة في الحكم حينما أحسّوا ببدء تفكك سلطة البابوات والإقطاعيين وبوجود الفراغ، بل والفوضى في قضية السلطة والمرجع النهائي فيها؛ إذ أصبحت الأوضاع في أوربا في تلك الحقبة التي انتقضت فيها لترويج كابوس الكنيسة وغبارها -أصبحت كالوضع الذي كان يعيشه الجاهليون قبل الإسلام، والذي يعبَّر عنه بشريعة الغاب، أو مَنْ عَزَّ بَزَّ وَمَنْ غَلَبَ اسْتَلَبَ.
4-
قام دعاة السيادة يطالبون بإسناد الحكم والتشريع إليهم بعيدًا عن تدخل الدين أو رجاله في ذلك، وكانت المطالبة في ظاهر الأمر باسم الشعب وحده، وتعاظمت هذه الدعوى إلى الحد الذي جعل من سلطة الشعب إلهًا جديدًا يجب الرضوخ له، وصار الجريئون منهم يقولون: لا حكم إلّا للشعب، ولا إرادة إلّا إرادته، ولا شرع إلّا ما شرعه، بينما يقول المنافقون منهم بنفس العبارات إلّا أنهم يضيفون فيها إرادة الله من إرادة الشعب، وأحيانًا العكس.
5-
وشعر الأوربيون أنهم في حاجة شديدة إلى تحقيق هذا النهج الجديد والسير فيه إلى نهاية الخط علَّهم يجدون ضالتهم المنشودة، ثم راقت هذه النظرية في عيون غيرهم من الناس، بل حتى عند بعض البلهاء من المسلمين الذين يرددون تلك العبارات كما تردد الببغاء صدى الأصوات، وجهل هؤلاء أنهم ليسوا في حاجة إلى تلك النظرية لعدم وجود ما يقتضيها في ظل الإسلام الذي يعتبر الناس كلهم عبيدًا لخالقهم، وبالتالي فلا سيادة لأحد على الحقيقة؛ إذ السيادة كلها لحكم الله تعالى العادل الذي لا تتطرَّق إليه المحاباة أو المصالح أو الظلم.
6-
لقد أراد دعاة السيادة في أوربا أن يخرجوا عن أوضاعهم المتردية والطغيان القائم عليهم -وكانوا على صواب في ذلك وغاية الإنصاف لأنفسهم، ولكنهم لم يهتدوا إلى الحل الصحيح الذي يأمنون معه الانتكاسة مرة أخرى، ولهذا ما أن تَمَّ لهم الوصول إلى تحقيق مطلبهم -وهو تنصيب الشعب- إلّا وكانت أولى ثماره بروز طغيان جديد وطغاة جدد لم تتغير إلّا التسمية فقط، وهم الوجهاء وأصحاب السلطة الجديدة، وهذا أمر بدهي؛ إذ كلا الوضعين الكنسيّ وتأليه الشعب لم يقوما على أساس صحيح وهو التسليم لله عز وجل والتحاكم إليه وحده، ولم يكن الخلاف بين الطغاة الجدد والقدامى إلّا اختلافًا لفظيًّا؛ القدامى يقولون: الله هو الذي فوَّضهم، والجدد يقولون: الشعب هو الذي فوضهم.
7-
وهذا المنصب الذي حصلت عليه الشعوب لم يكن إلّا مطية للركوب؛ إذ أصبحت الشعوب في واد والمسيرون لهم في وادٍ آخر، وانكمشت
سلطة الشعوب التي نادت بهذه السيادة إلى أن أصبحت في يد قلة يتحكَّمون في الشعوب -باسمهم- في مجالس خاصة بهم تحت تسميات مختلفة، ولم يكن للشعوب منها إلّا الموافقة التامَّة وإظهار السرور أيضًا، وإلا اعتبروا أعداءً للحرية والتقدم وللشعب أيضًا؛ لأن أحكام تلك السلطة التي نشأت بعيدة عن حكم الله وشرعه -زعمت لهم أنها هي التي ستحقق لهم كل ما يريدونه من الكرامة والعيش الرغيد- أي: في ظل حكم الإنسان للإنسان من خلال تطبيق تلك القوانين التي وضعها طغاة يدعون بلسان حالهم الإلوهية والسيادة التامّة بدلّا عن الله عز وجل، فهل تحققت تلك الوعود البراقة بسيادة الشعوب في ظل انحصار السيادة في طبقة البرلمانات أو المجالس النيابية وما إلى ذلك.
هذا ما سترى الجواب عنه إن شاء الله من خلال الدراسة لهذه النظرية.