الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
التأثر في الأخلاق:
لقد جاء الإسلام بتهذيب الأخلاق والدعوة إلى المكارم وإلى حسن الخلق وكل معالي الأمور، وحذَّر من كل خلق رديء، وكان المسلمون في أزهى عصورهم يمثِّلون في العموم تلك الأخلاق الفاضلة، ثم خلفت خلوف زاغوا عن ذلك النهج الواضح والصراط المستقيم، وأخذوا ينحرفون رويدًا رويدًا، وينزلقون إلى الهاوية باتِّباع الهوى والانحرافات العلمانية، وكلما أحدثوا انحرافًا جعلوا له واجهة إسلامية ليقاوموا كلَّ من يحاول أن يثنيهم عن أهدافهم المنحرفة للوصول إلى تطبيق الأخلاق العلمانية تمامًا، ثم زاد الطين بلة اطِّلاعهم على الانحرافات الغربية التي يسميها أهلها حضارة وتقدمًا، فانغمسوا معهم، ونسوا ما عندهم من الفضائل التي دعا إليها الإسلام، فإذا بهم يواجهون الغرب برءوس منكَّسة، وكأنهم -بعد نسيانهم حضارتهم الإسلامية العريقة- يواجهون عباقرة ينبغي أن تُحْنَى لهم الجباه، فتركَّبت عقدة النقص في نفوسهم، بقدر ما ارتفعت أنوف الملاحدة اللادينيون الذين صرخوا فيهم بأنَّ تأخركم إنما يكمن في تمسككم بالإسلام وسلوكه
الذي حجر عليكم الانطلاق إلى كل الاتجاهات، ومنها: المتع والملذات بشتَّى أشكالها، حرامًا كانت أم حلالًا، باذلين الجهد الجهيد في الاستحواذ على عقل المرأة وإخراجها من عفتها وحشمتها، مكرِّهين إليها بيت الزوجية وتربية الأولاد، بححَّة أنها لا بُدَّ أن تتطوَّر وتكون مثقَّفة، مع أن هذه الدعوة معناها أن تكون شبيهة بالبهيمة المنطلقة، وهو عين التأخُّر والرجوع إلى البدائية.
وطالبوها بأن تنزع ثياب الحشمة الظاهرة -بعد أن رفعتها عن قلبها، فإذا بها ترى أن العري المتمَثِّل في إظهار نصف الفخذين والكتفين، ونزع غطاء الرأس، ومشاركة الرجل جنبًا إلى جنب في العمل، وتقليده في حلق شعر الرأس، ولبس الثياب الضيقة، وفي المشية، وغير ذلك، إذا بها ترى أن كل هذا السلوك هو السلوك اللائق بها، وحلّ بها الشقاء، ولحقها الخذلان والإهانات، من حيث تشعر أو لا تشعر.
بل وأصبح الكثير رجالًا ونساءً لا يرون مقياس التقدُّم في البلد إلّا بهذا السلوك المخزي للمرأة، ولم يبخلوا على المرأة التي تسلك مسالكهم بإطلاق المدح لها على جرأتها، وأنَّها يجب أن تظهر شخصيتها، وترمي بكل الأخلاق الفاضلة وراء ظهرها، وأجادوا خداعها، والتفنُّن في إغرائها، فانجذبت إليهم الكثيرات، وبقيت قلة محتارات في وسط الطريق، لا يدرين أين يتَّجهن، وقليل منهنَّ أدركن ماذا يراد لهن، ومدى خطر التخطيط المبيت وراء التزلف إليهن، ومطالبتهنَّ بالخروج على كل شيء، فكتبن يحذِّرن بنات جنسهنَّ من شر تلك المزالق الوخيمة، وأن المقصود بها في النهاية أن تكون المرأة متعة رخيصة بيد الرجل لمن عليهنَّ مسحة من ملاحة فقط.
وأخذت العاقلات منهنَّ بندبن حظَّهن حين جرفهنَّ تيار العلمانية، لقد تمنَّت كاتبة ألمانية أن تعيش مع رجل ناجح، ولو كان عنده عشر زوجات، وتمنَّت امرأة إنجليزية عجوز حينما اطَّلعت على وضع المرأة والأولاد في الإسلام، ومعاملة الزوج لزوجته وأولاده في الإسلام، تمنَّت لو أنَّها قضت حياتها من أولها مع رجل مسلم.
إن فطرة المرأة السليمة كانت تحتِّم عليها أن تكون مطلوبة للرجل لا أن تكون طالبة له، ولكن بسلوك العلمانية ودعاة تحرير المرأة، اضطرت المرأة هناك أن تبدأ هي بمغازلة الرجل واسترضائه، بعد أن عرف الرجل كيف يجرَّها إلى هذا المصير بدهاءٍ شيطانيٍّ، وصار حالها كما قال الشاعر:
أمرتمهوا أمري بمنعرج اللوى
…
فلم يستجيبوا النصح إلَّا ضحى الغد
وعسى أن تستبينه النساء اليوم قبل غد، وعسى أن يضعن حدًّا رادعًا للمستهترين بهنَّ المتاجرين بأعراضهن.
فالمرأة الأوربية لو نظرت إلى حالها بعين الإنصاف لهالها الأمر، ورجف قلبها خيفةً؛ إذ أصبحت مثل الدابة التي تقوم بكفالة أولادها الغير شرعيين، وأصبحت بمفردها تعاني آلام الحمل والولادة، وطلب المعيشة، وتربية أطفالها، في الوقت الذي ترى فيه تكالب الناس على المادَّة واقتناصها دون أدنى رحمة بالفقراء والمحتاجين.
فلا تستبعد حينما تسمع الإقدام على الانتحار بين الناس في الغرب
مذهلة رغم بهرجة الحياة هنا، إنه احتجاج صارخ على سوء أوضعاهنَّ وعلى المجتمع الذي يعشن فيه.
أفلا تتعظ المسلمات بها وصلت إليه المرأة الغربية في ظلِّ حضارة مادية زائفة، أفلا تتعظ بذلك وتبقى ملكية في بيتها، ومسئولة عن رعيتها في هدوء واستقرار، كما أراد لها الإسلام؟ وتحافظ على حشمتها وكرامتها أن تداس وتهان في غفلة منها.
وعن التضجُّر والشكوى من انفلات المرأة واستهتارها الواضح اقرأ ما جاء في جريدة الشرق الأوسط تحت هذا العنوان "حظر التنورات القصيرة في إقليم روسي": "مسوك رويترز، طالبت حكومة أحد أقاليم روسيا موظَّفَاتها بالتوقُّف عن ارتداء التنورات القصيرة، وتخفيف مساحيق التجميل على وجوههن، على أساس أنَّهن يثرن بذلك غرائز حيوانية لدى زملائهن الذكور"، وهذا طلب وجيه نابع عن بقية حياة في الفطرة، ولكن انظر بماذا قوبل هذا الطلب، حسب ما جاء في هذه جريدة:"وأثار الأمر الذي أصدره "أوليج شليك" نائب رئيس بلدية كاليننجراد على ساحل البطليق بروسيا، حالة سخط بين كثيرين في الإقليم، بما فيهم الرجال، وقال "شيليك" لشبكة تلفزيون "إن تي في": "بالطابع يتعيِّن على المرأة لفت نظر الرجل، لكن ليس لدرجة كبيرة تتجاوز العرف، وتثير أمورًا لا علاقة لها بالعمل، بل غرائز حيوانية فقط"، وقال معلق "إن تي في": "إن أمر شليك يعني أنَّ النساء في مقارِّ إدارة كاليننجراد سيتعيِّن عليهنَّ التخلي عن ارتداء تنورات قصيرة، وتفصيل بدلات عملية عليهنَّ، والابتعاد عن ارتداء مجوهرات غير مألوفة، ووضع مساحيق تجميل بسيطة"، وقال "يوري ماتوشكين" النائب في البرلمان الإقليمي بسخط: "إن الأمر يلحق الخزي بشيك نفسه"، وأوضح ماتوشكين: "إذا كان هذا يحوّل انتباهه، فقد اختار إذن وظيفة خطأ، وإذا لم يكن بمقدوره السيطرة على نفسه لتوجيه طاقته بشكل صحيح، فإنه يتعين عليه تغيير وظيفته"1.
وتوجد عشرات الأمثلة للشكوى من حال انفلات النساء وقلة الحياء لديهن، ممن تربَّيْنَ تلك التربية، وما أكثرهن.
1 جريدة الشرق الأوسط، العدد: 9322، تاريخ: 18/ 4/ 1425هـ.