المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب العاشر: العلمانية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: حقيقة التسمية

- ‌الفصل الثاني: التعريف الصريح للعلمانية

- ‌الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين، وبيان الأدوار التي مرَّت بها

- ‌الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

- ‌الفصل السادس: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى العلمانية؟ وأسباب ذلك

- ‌الفصل السابع: انتشار العلمانية في ديار المسلمين، وبيان أسباب ذلك

- ‌الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌المسألة الاولى: العلمانية في الحكم

- ‌المسألة الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة

- ‌المسألة الثالثة: العلمانية والاقتصاد

- ‌المسألة الرابعة: العلمانية والعلم والتعليم والاكتشافات والدين

- ‌المسألة الخامسة: العلمانية في السلوك

- ‌الفصل التاسع: آثار العلمانية في سلوك بعض المسلمين

- ‌مدخل

- ‌العمل العام عند المسلمين بالعلمانية

- ‌ ظهور الولاءات المختلفة:

- ‌ ظهور أفكار العلمانية كحلول حتمية:

- ‌ الاختلاف في الدراسة والشهادة:

- ‌ ظهور التأثر في الأسماء:

- ‌ الهجوم على اللغة العربية:

- ‌ التأثر في التعليلات:

- ‌ التأثر في الأخلاق:

- ‌ العلمانية والآداب:

- ‌ علمنة الإعلام:

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: منزلة الديمقراطية في الحضارة الغربية

- ‌الفصل الثاني: معنى الديمقراطية ونشأتها

- ‌الفصل الثالث: الوصول إلى الغاية

- ‌الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة

- ‌الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية

- ‌الفصل السادس: هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية

- ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

- ‌الفصل الثامن: حكم من يتمسَّك بالديمقراطية الغربية

- ‌الفصل التاسع: نظرية السيادة

- ‌المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة

- ‌المبحث الثاني: أساس قيام نظرية السيادة

- ‌المبحث الثالث: ما مدى صحة نظرية سيادة الشعب

- ‌المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة

- ‌المبحث الخامس: حكم السيادة في الإسلام

- ‌الباب الثاني عشر: الإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌الفصل الثاني: سبب انتشار دعوى الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: أماكن انتشارها

- ‌الفصل الرابع: هل يحقق مذهب الإنسانية السعادة

- ‌الفصل الخامس: هل تحققت دعاوَى الإنسانية بالفعل

- ‌الفصل السادس: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السابع: الإنسانية والمغريات

- ‌الفصل الثامن: الإنسانية والقومية والوطنية

- ‌الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية

- ‌الفصل العاشر: زعماء الدعوة الإنسانية

- ‌الفصل الحادي عشر: الإنسانية الحقيقية، والرحمة الصادقة هي في الإسلام

- ‌الباب الثالث عشر: الوجودية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالوجودية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الوجودية

- ‌الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها

- ‌الفصل الرابع: من هو سارتر

- ‌الفصل الخامس: الوجودية هي الفوضى

- ‌الفصل السادس: أسباب انتشار الوجودية

- ‌الفصل السابع: الرد على الوجوديين

- ‌الباب الرابع عشر: الروحية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الروح

- ‌الفصل الثاني: ظهور الروحية

- ‌الفصل الثالث: إنتشار هذا المذهب

- ‌الفصل الرابع: منزلة فكرة "تحضير الأرواح

- ‌الفصل الخامس: أدلة دعاة تحضير الأرواح

- ‌الفصل السادس: مجمل عقائد الروحيين

- ‌الفصل السابع: حقيقة الروحية وأشهر زعمائها

- ‌الفصل الثامن: الروحية والملاحدة

- ‌الفصل التاسع: قضية الإلهام

- ‌الباب الخامس عشر: القومية

- ‌الفصل الأول: المقصود بالقومية

- ‌الفصل الثاني: دراستنا للقومية

- ‌الفصل الثالث: كيف ظهرت القومية

- ‌الفصل الرابع: متى ظهرت القومية

- ‌الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية

- ‌الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

- ‌الفصل السابع: ماذا يراد من وراء دعوى القومية

- ‌الفصل الثامن: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية

- ‌الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية

- ‌الفصل العاشر: خداع القوميون

- ‌الفصل الحادي عشر: إبطال فكرة القومية

- ‌الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

- ‌الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية

- ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

- ‌الفصل الخامس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

- ‌مصطفى الشهابي:

- ‌محمد معروف الدواليبي

- ‌ جمال عبد الناصر:

- ‌ الخاتمة:

- ‌الباب السادس عشر: الوطنية

- ‌الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية

- ‌الفصل الثاني: القومية والوطنية

- ‌الفصل الثالث: كيف نشأت دعوى الوطنية

- ‌الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب

- ‌الفصل الخامس: الإسلام والوطنية

- ‌الفصل السادس: نتائج تقديس الوطنية

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب السابع عشر: المذهب الوضعي

- ‌الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي

- ‌الفصل الثاني: زعماء المذهب الوضعي

- ‌الباب الثامن عشر: الإلحاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: المراد بالإلحاد

- ‌الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد

- ‌الفصل الثالث: أقسام الإلحاد

- ‌الفصل الرابع: أسباب ظهور الإلحاد

- ‌الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية

- ‌الباب التاسع عشر: الاشتراكية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: معنى الاشتراكية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الاشتراكية

- ‌الفصل الثالث: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌الفصل الخامس: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌الفصل السادس: قوانين الاشتراكية

- ‌الفصل السابع: خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام

- ‌الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين

- ‌الفصل التاسع: دعاة على أبواب جهنم

- ‌الباب العشرون: الشيوعية

- ‌الفصل الأول: دراسة عن الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ تمهيد عام عن الشيوعية:

- ‌المبحث الأول: قيام الشيوعية الأولى بقيادة رجل يسمَّى "مزدك

- ‌المبحث الثاني: من أكاذيب الشيوعيين

- ‌المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌المبحث الرابع: زعامة الشيوعية الماركسية

- ‌المبحث الخامس: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ المادية:

- ‌ الجدلية "الديالكيتك

- ‌ تعقيب:

- ‌ التطور:

- ‌المبحث السادس: التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية:

- ‌ المشاعية البدائية:

- ‌ الرِّق:

- ‌ الإقطاع:

- ‌ الرأسمالية "البرجوازية

- ‌المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان

- ‌المبحث الثامن: التفسير المادي للقيم الإنسانية

- ‌المبحث التاسع: حرب الأخلاق والقيم

- ‌المبحث العاشر: القضاء على الأسر

- ‌المبحث الحادي عشر: محاربة الدين

- ‌المبحث الثاني عشر: سبب قيام الحضارة الإلحادية على العداء للدين

- ‌المبحث الثالث عشر: هل يوجد بين الدين والعلم نزاع

- ‌المبحث الرابع عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌مدخل

- ‌ هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى

- ‌ شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس عشر: روافد أخرى

- ‌مدخل

- ‌ الإنسان التقدمي:

- ‌ الرجعية والجمود:

- ‌ الخرافة والتقاليد:

- ‌ الحرية والكبت:

- ‌ الإلحاد:

- ‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

- ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الثاني: رد مزاعم الملاحدة الشيوعيين

- ‌المطلب الأول: رد مزاعمهم في الملكية الفردية

- ‌المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي

- ‌تعقيب

- ‌المبحث الثالث: إيضاح بعض الجوانب الاقتصادية

- ‌المطلب الأول: التعريف بعلم الاقتصاد

- ‌المطلب الثاني: مدى أهمية العامل الاقتصادي في حياة الإنسان

- ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

- ‌المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد

- ‌المطلب الخامس: المال في الإسلام

- ‌المطلب السادس: وجود الموارد وندرتها

- ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

- ‌المطلب الثامن: تنظيم الإسلام للشؤون المالية وطريقة معالجته لمشكلة الفقر

- ‌المبحث الرابع: التكافل في النظم البشرية

- ‌المطلب الأول: التكافل في الرأسمالية

- ‌المطلب الثاني: التكافل في النظام الشيوعي

- ‌المراجع:

- ‌قائمة بأسماء بعض المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

الإسلام وهو صاحب الحل الشامل للقضية الاقتصادية نجده ينظر إلى المشكلة الاقتصادية من جميع جوانبها، سواء ما يتعلق منها بموارد الإنتاج، أو بتوزيع الموارد، أو بقيام المنتجين وكيفية سلوكهم تجاه موارد أرزاقهم المختلفة، وإلى الخلق الذي يكونون عليه في تعاملهم، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم أنَّ موارد الرزق متعددة ومتنوعة، وأنها تغطي حاجات الإنسان وزيادة أيضًا عن حاجته، وأن الأرزاق كلها مقدَّرة ومتوفِّرة بحكمة الله وتدبيره، قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 1.

وقال تعالى عن الأرض: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 2.

فالأرزاق كلها مقدَّرة ومضمونة ووافية بحاجات البشر، وأن تعليل الواضعين للنظم الاقتصادية إنما هو دليل على جهلهم بحقيقة الأمر الذي قرَّره الإسلام وفصَّله على حقيقته وواقعه؛ حيث ذهبوا إلى أن الموارد شحيحة لا تفي بحاجات الناس، إلى آخر تعليلاتهم التي تكلَّفوها، فإن الواقع يدل على

1 سورة هود الآية: 60.

2 سورة فصلت، الآية:10.

ص: 1248

أن ندرة بعض الموارد لدى بعض المجتمعات إن يعود إمّا إلى قصورهم في استخراج تلك الموارد، أو لصارف آخر صرفهم عنها، وإلا فقد اقتضت حكمة الله -عز جل- أن الموارد تكفي لحاجات الناس لا لرغباتهم وشهواتهم التي لا تقف عند حد، وهذا يعود إلى مصلحة الإنسان نفسه إذ {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} 1.

وقد رتَّب الله عز وجل أن يكون للإنسان دور واضح في استخراج الخيرات، والقضاء على مشكلات الحاجة والفقر بالعمل الجاد، وحسن التصرف؛ لاستجلاب فوائد مختلف الموارد {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} 2.

فإذا حصل بعد ذلك فقر وحاجة فربما تكون أبرز أسبابه كسل الإنسان وخموله وعدم البحث وعدم المشي في مناكب الأرض كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 3.

أو يكون بعد بذل الأسباب ابتلاءً من الله تعالى، وقدر لا مفر منه، أمَّا حاجات الإنسان فإن الإسلام لا يمنع من تلبيته تلك الاحتياجات ما دامت ضرورية لحياة الإنسان الروحية والجسدية، ولا تصل إلى حد

1سورة الشورى، الآية:27.

2 سورة التوبة، الآية:105.

3 سورة الملك الآية: 15.

ص: 1249

الإسراف والتبذير، ولا يحد الإسلام إلّا من الإكثار في إشباع الرغبات التي لا تقف عند حد كما قال تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} 1.

وقوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} 2.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب"3.

وهكذا فإن الرغبات لا تقف عند حد أو نهاية، ولو كانت تقف عند حد لكان الوادي من ذهب رزق لا مزيد عليه، ومع ذلك فلو ملكه الإنسان لتمنَّى آخر، ومن لم يفرق بين الحاجات والرغبات تجده دائمًا يعيش في قلق وإحساس بالفقر؛ لظنه أن الرغبات التي تجول بخاطره هي حاجات ضرورية، فيتلهَّف على حصولها ويتأسَّف لعدمه.

ومن الدير بالذكر أن الإسلام لا يعترف بالفواصل التي وضعها البشر بين الاقتصاد الدنيوي وبين ارتباطه بالنظر إلى الجانب الديني، فإن الإسلام يعتبر الجانب الروحي والوازع النفسي هما أقوى دعائم الاقتصاد، ذلك أن الاقتصاد الذي يفتقر إلى مراقبة الله تعالى في كل التصرفات إنما يقوم

1 سورة آل عمران الآية: 14.

2 سورة الفجر الآية: 20.

3 أخرجه البخاري ج5، ص3264، ومسلم ج2، ص725.

ص: 1250

على شفا جرف، وما أكثر الشواهد على هذا الاختلاف في النظم البشرية وفرق شاسع بين اقتصاد يعتبر من جملة العبادات حينما يراد به وجه الله، وبين اقتصاد يقوم على جشع لا حدود له، أو اقتصاد مكبَّل لا يجد النور إليه سبيلًا، كما أن الإسلام يعتبر العمل والكسب الحلال والابتعاد عن الظلم والصدق وعدم الغش.. إلخ. يعتبر الإسلام ذلك كله عبادة يتقرَّب بها الشخص لخالقه إذا صاحبت ذلك النية الصادقة ومراقبة الله تعالى، وهذه المزية في الاقتصاد لا توجد في أيّ نظام غير الإسلام، فإن كل الأنظمة الوضعية إنما تهدف إلى جمع الثروة بأيّ طريق، والغاية تبرر الوسيلة فيها، ولا مكان للقيم والأخلاق والرحمة بالآخرين، ولا مراعاة لأحوال البؤساء؛ إذ لا يوجد في الأنظمة الوضعية أيّ داعٍ يحثّ على ذلك ويذكر به، فضلًا عن الإشارة إلى الثواب عليه في الدنيا أو في الأخرة عندما ينادون به من الإنسانية، وهي كلمة لا توحي بما يرغب عند الله، كما أن المراقبة القانونية هي الأخرى أصبحت تابعة لمصالح القائمين عليها والمنتفعين بها، فالرشوة والتحايل للتفلُّت من عقاب القوانين البشرية التي وضعوها لحماية الاقتصاد بزعمهم، أصبحت هي الأخرى ألعوبة في أيدي تلك النخبة التي تعرف من أين تؤكل الكتف، ففقد النظام الاقتصادي كل المكونات لحمايته وسيره سيرًا حسنًا، فلا وازع من قانون قادر على التصدي للخلل فيه، ولا وازع ديني يراقب فيه الشخص مولاه ووقوفه بين يديه عز وجل، وهي المزية التي يمتاز بها المسلم في تعامله الاقتصادي حين يراقب الله تعالى كأنه يراه، فلا يستحلّ من المال إلّا ما أباحه الله له، سواء فطن المتعامل معه إلى ذلك أو لم يفطن، وهذا توجيه إسلامي مشرق على أن

ص: 1251

الإسلام لم يكتف بالركون إلى هذه المراقبة فقط -وإن كانت من أسمى الأمور، ولكن الإسلام أضاف إلى هذا وازع السلطان لردع من قلت عندهم المراقبة الذاتية، فاكتمل بهذا أقوى وأفضل الأنظمة لتحقيق الصالح العام والخاص في الدنيا وفي الآخرة، الذي يجعل جميع موارد الرزق أمرًا مشاعًا بين الناس ما دامت في حدود الشرع وفي حدود "لا ضرار ولا ضرار".

أمَّا أصحاب النظام الوضعي فقد ارتكبوا خطأ استندوا فيه إلى أوهام ظنّوها صححية، وأتصوّر أن سبب هذا الخطأ عند غير المسلمين يعود إلى عدم إيمانهم بالله تعالى، وأنَّه هو الرزاق ذو القوة المتين، بيده مقاليد كل شيء، فذهبوا يعللون للمشكلة الاقتصادية بندرة الموارد، ومن الطريف في الأمر أنه قد خرج بعض مفكريهم عن هذا التصور وقرروا أن تعليل المشكلة الاقتصادية بندرة الموارد مجرد خيال وخرافة، وقد نقل الدكتور "شوقي أحمد"1 عن بعض مفكريهم "فرنسيس مورلاييه" و"جوزيف كولينز" نقولات ترد هذه الفكرة وتشنّع على معتنقيها، وترد العجز ليس إلى الموارد، وإنما إلى الإنسان نفسه وتقصيره، وألَّفَا في ذلك كتابًا سمياه "صناعة الجوع وخرافة الندرة" أكَّدَا فيه أن "مشكلة ندرة الموارد عن حاجات الإنسان هي مشكلة اصطنعها الإنسان واكتوى بنارها".

وأن الجوع والحاجة ليس بسبب ندرة الغذاء والأرض، وإنما الذي يلام عليه الإنسان نفسه، وذلك -كما تقدَّم- بسبب سوء توزيع الثروة إسرافًا

1 انظر كتابه "دروس في الاقتصاد الإسلامي، النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي" ص61.

ص: 1252

وتقتيرًا بلا عدل، وقلة استخدام خيرات الأرض واستثمارها بفاعلية ورشد، إضافة إلى سوء استخدام تلك الموارد واستصلاحها واستغلالها في غير ما خُلقت له؛ بحيث لم توجَّه إلى إنتاج الأهمّ فالأهم من الحاجيات، ومن الأدلة على ذلك "إن كمية الأسمدة المستخدمة في مروج الولايات المتحدة وملاعب الجولف فيها وساحات مقابرها تعادل كلّ السماد الذي تستخدمه الهند لإنتاج الغذاء"1.

كما أن ما تذهب إليه بعض الدول الغنية كالولايات المتحدة من تعمد إنقاص الفائض لهو دليل آخر على بطلان نظرية الندرة، وأنها دعوى خيالية أو مغرضة يراد بها أغراضًا شريرة.

وعلى هذا، فإن دعوى انتشار الجوع بسبب عجز الموارد كلام باطل، بل إنّ حل مشكلة الجوع -فيما يرى بعض الباحثين- تكمن في توقف الإنسان عن العمل والكدّ، وتصديق خرافة أن مشكلة الجوع والحاجة أمر ضخم ليس في مقدور الإنسان التغلب عليه2، أو بسبب ما يطلقون عليه الانفجار السكاني.

وأما القول بأن حاجات الإنسان غير متناهية فهي قول غير مسلَّم

1 ص12 من كتابهما.

2 القول بأن الإنسان يمكنه التغلُّب على الفقر والحاجة بمجرد العمل ليس على إطلاقه، بل ينبغي ملاحظة أن العمل أحيانًا قد لا يثمر النتيجة المطلوبة لقضاء الله وقدره، فالجوع قد يكون من الابتلاء المقصود لله تعالى، كما قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة، الآية 155] وإنما الأسباب مطلوبة، ولكن ليس هي كل شيء.

ص: 1253

"فقد ظهرت كتابات وبحوث تفيد أن حاجات الإنسان الأساسية والتي يحتاجها الإنسان فعلًا يمكن تصنيفها، بل ويمكن حصرها، وقد جرت محاولات متعددة فردية وجماعية لحصر تلك الحاجات وتوصيفها"1.

وقد ذهب الدكتور "شوقي أحمد" إلى انه ينبغي ملاحظة أمر مهم في قضية حاجات الإنسان، وهل هي متناهية أو غير متناهية، وهو التفريق بين الحاجات والرغبات، وأن الحاجات هي ما تتوقف عليها حياة الإنسان حياة لائقة، أو شدة معيشته وضنكها، وهذا يدل على أن حاجات الإنسان مضبوطة بطبيعة الإنسان وفطرته، فهي محصورة ومحدودة.

وأمَّا الرغبات في أمر متجدد وغير محدود، وقد يتداخل مفهوم الرغبات مع مفهوم الحاجات، فمثلًا نجد أن الإنسان قد يرغب في شيء ما، وهذا الشيء قد يكون أساسيًّا للإنسان، فتكون الرغبة هنا حاجة، كما أنه قد يرغب في شيء لا حاجة له إليه، أو لا يمثّل أي إضافة جديدة له، وأن فقده لا يمثل أي حرمان له أو شقاء أوضنك في معيشته، فيسمّى رغبة، فمثلًا لو أن إنسانًا احتاج إلى شرب الماء فوجده، ولكنه أعرض عنه وطلب المشروبات الصناعية، فهذه رغبة وليست حاجة، وكذلك لو أن إنسانًا احتاج إلى وسيلة انتقال فتحقَّقت له عن طريق سيارة عامة أو خاصة، لكنه أحبَّ أن تكون له سيارة فارهة يملكها وينتقل بها، فتلك رغبة وليست حاجة2.

وأضيف إلى ذلك لو أن إنسانًا شكى الجوع فأعطي خبزة فرفضها

1 النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي ص64.

2 ص66 المصدر السابق.

ص: 1254

إلّا أن تكون دسمة وطرية، فهي رغبة وليست حاجة، وقد قيل شعرًا:

الجوع يطرد بالرغيف اليابس

فعلام تكثر حسرتي ووساوسي

وكل ما تقدَّم يدلل على أن المشكلة الاقتصادية لا تكمن في ندرة الموارد فقط، وإنما تكمن في أغلبها على سوء الإنتاج والتوزيع، وأن القول بعدم نهاية الحاجات إنما هو جري وراء الرغبات التي لا نهاية لها، وأنّ ما يقال عن ندرة الموارد إن هو إلّا وهم؛ إذ الندرة ليس في الموارد، وإنما في الإنتاج الذي يعود إلى كدِّ الإنسان وعمله، أو تكاسله وتقاعسه كما تقدَّم.

وقد أمر الله بالضرب في الأرض والعمل والجد في الاكتفاء في جميع الجوانب المعيشية، بل والحربية، كما قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} 1، والله تعالى لم يكلف الإنسان ما لم يكن باستطاعته، وهذا يدل على أن الموارد متاحة له إذا جاء بأسبابها.

1 سورة الأنفال، الآية:60.

ص: 1255