الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية
الحكم على الديمقراطية -حسب ما ظهر من خلال دراستها- أنَّها اشتملت على جوانب مختلفة، وبالتالي فإن الحكم سيختلف تبعًا لتلك الجوانب، وسنذكر الحكم عليها من الناحية الإسلامية ومن الناحية الاجتماعية لأوربا.
أما منزلتها في الإسلام: فقد ظهر أن بعض المنخدعين بها قد تصوَّر أنه لا فرق بين الديمقراطية وبين الإسلام، بل ويزعم أن مبادئ الديمقراطية هي نفس المبادئ التي دعا إليها الإسلام، ولا شكَّ أنَّ من قرأ ما كتبه علماء المسلمين عن الديمقراطية سيلمس الفرق واضحًا لا خفاء فيه، والقائل بعدم الفرق إما أن يكون جاهلًا أو مخادعًا أو ملحدًا مغالطًا، ومن الفوارق الواضحة أن أهداف الديمقراطية وحلولها للمشكلات كلها؛ سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك، هي غير الأهداف وغير الحلول التي جاء بها الإسلام، ولا بُدَّ أن يحصل الاختلاف، بكل بساطة ووضوح حلول الإسلام دائمة وعامّة، وحلول الديمقراطية مؤقَّتة ولمصالح، كما أنَّ تعاليم الإسلام جاءت من رب العالمين عالم الغيب والشهادة، بينما تعاليم الديمقراطية لم تقم إلّا بتجارب البشر بالاحتجاجات ضد طغيان السلطات الرأسمالية وقلبها الإقطاع، وبالمظاهرات الصاخبة والاضطرابات المتوالية، إلى أن ترقَّوا بمفهوم الديمقراطية إلى ما وصلوا إليه في ظاهر الأمر، بينما الأمر في الإسلام يختلف تمامًا، ذلك أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى سلوك مثل تلك المهامة،
ولا يحتاجون إلّا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ليجدوا أنفسهم في غاية السعادة وفي غاية التكافل الاجتماعي بمعناه الحقيقي، وفي أتمِّ ما يكون من الأحكام العادلة الرحيمة التي يطبقها المسلم على نفسه قبل أن يطالب بها غيره، ومن تصور هذا الفرق هان عليه معرفة الفرق بين الإسلام وبين الديمقراطية، كما أنَّ تعاليم الإسلام تجعل المرء يشعر ويحسّ بمسئوليته أمام الله تعالى، وتوجد في داخل نفسه المراقبة الذاتية لله تعالى، التي لا تصل إليها أيّ قوة غير قوة مراقبة الله تعالى، التي يتغير بموجبها سلوك الإنسان نحو معاملته لربه ومعاملته لإخوانه المسلمين، بل ومع غير المسلمين في تنظيمٍ بديع لن يصل إليه، بل ولن يقاربه أيّ تنظيم بشري هو عرضة للنقض والتغيير بين كل فترة وأخرى، وفرق بين سلوك ينتج عن مراقبة الله وخوفه، وسلوك ينتج عن غيره، فما مِنْ شخص يزعم أنَّ الديمقراطية هي التي تحقق السعادة للشعوب، أو أنها أرحم من التعاليم الربانية، ما من شخص يزعم ذلك إلّا وتجده إمَّا جاهلًا جهلًا مركبًا، وإمَّا ملحدًا لا يعرف عن حقيقة الإسلام شيئًا، أو مخدوعًا بشعارات الديمقراطية البرَّاقة، لم يتعظ بما يشاهده من حال بلدان دعاة الديمقراطية، كما نجد كذلك أن تعاليم الإسلام لا تجيز الفصل بين الدين والدولة، بل الدين الإسلامي هو الشامل والمهيمن على كل أمور الحياة، وما لم تصدر عنه فإنها تعتبر من الضلال، ومن اتخاذ البشر بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله تعالى، بينما تعاليم الديمقراطية قائمة على الفصل بينهما، فرجال الدين مهمتهم تنحصر في أماكن العبادة والمواعظ الدينية ونحو ذلك، ورجال الدنيا لا حدَّ لمهمَّاتهم، فهم المشرِّعون والمنفِّذون، ومعنى هذا أن الإسلام والديمقراطية الغربية ضدان هنا، فإين التوافق الذي يدعيه المغالطون.
كما أنّ الديمقراطية لا تعتمد الحكم بما أنزل الله وتنفر منه؛ لأنها في الغرب قامت من أوّل يوم على محاربة الأديان، وكل شيء يتصل بها، وأن الحكم فيها يجب أن يتمَّ على تشريع الشعوب والبرلمانات ورؤساء الدول، وقوانينهم مقدَّمة على الحكم بما أنزل الله تعالى، بينما الإسلام يعتبر هذا خروجًا عن الدين وكفرًا ومحادَّة لله وردًّا لشرعه، خصوصًا مِمَّن يعلم هذا الحق ولكنه يرفضه ويفضل حكم الجاهلية عليه، كما أن في الديمقراطية الوصول إلى الحكم مشاع لكل أحد؛ من حق المرأة أن تصل إلى القضاء والتمثيل الدبلوماسي والجندية والرئاسة وغير ذلك، بينما الإسلام يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب، فجعل للرجال مجالات وجعل للنساء مجالات أخرى تناسبها، ولهذا فإنّنَا نجده لم يجز للمرأة أن تتولّى الإمامة العظمى لأمور كثيرة تذكر في كتب العلم، ولا يجوز لها مزاحمة الرجال في حق الانتخابات.
- في الديمقراطية لا حرج في أن يتولّى الحكم أفسق الفاسقين وأكفر الناس، لا حرج أن يتولَّى الحكم على المسلمين وغيرهم ما دام قد فاز -كما يصفون- في الانتخابات، بينما الإسلام لا يبيح للكافر أن يحكم المسلم أو يشاركه في الحكم، ولا يجيز كذلك للمسلمين أن يولّوا ابتداءً شخصًا معروفًا بالفسق والفجور، بل عليهم أن يختاروا أصلح الموجودين، وأن يجتهدوا في ذلك ما أمكن.
- في الديمقراطية الشورى تتمَّ عن مشاورة عامَّة الشعب دون تخصيص أهل الرأي والعلم، فتحصل فوضى وتدخلات الأهواء، ويصبح الحق ما نادت به الأكثرية خيرًا كان أم شرًّا، بينما الشورى في الإسلام تعتمد على مجموعة هم أفاضل الناس وفقهائهم -كما سيأتي تفصيل هذا.
- في الديمقراطية لا حدود أخلاقية لحرية الفرد والجماعة، ولا مكان للفضيلة، ولا حاجز عن الفواحش وسوء المعاملات والكفر الصريح في الديمقراطية تحت مسميات عديدة: حرية الكلمة، والحرية الشخصية، حرية الفكر، حرية التملك، حرية التدين
…
إلخ.
بينما الإسلام يجعل للحرية طريقًا واضحًا يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آنٍ واحد؛ بحيث لا تختلط الحريات الفوضوية الظالمة بالحرية الحقيقية التي تحقِّق مصلحة الجميع وتؤلف بين القلوب.
- في الديمقراطية الحثّ على تفرق الناس، وقيام الأحزاب المختلفة، ومعارضة بعضهم بعضًا، ونشوب المكائد بعد ذلك، واحتقار وسب بعضهم بعضًا، وصار مثلهم كمثل اليهود والنصارى فيما أخبر الله عنهم:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} 1.
فإن كان حزب يهوّن شأن الحزب الآخر، ولا يهتم كل حزب إلّا بكيف يكسب أصوات الناخبين، ومن هنا تكثر الوعود الكاذبة والتنجيح بكثرة الإنجازات التي ستتم حينما يتولَّى الحكم فلان، بينما الإسلام لا يأمر بذلك، بل ينهى عن التفرُّق والكذب والخداع، ويأمر بالحب في الله والبغض فيه، والعمل لمصلحة الإنسان لنفسه ولغيره، واحتساب الأجر عند الله في تحمُّل المسئولية وفي أدائها، وهذا ما تفتقده الديمقراطية الغربية.
1 سورة البقرة، الآية:113.