الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية
ظهر جليًّا أن الإنسان دائمًا يتنكر لمن يجهله، ولا يأنس به إلّا بعد وقت، ثم يزول هذا الأنس فورًا عندما يحس أن مصالحه مهدَّدة من قِبَلِ الآخرين، وإلا فأين الإنسانية حينما تحتدم الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس في غياب العقيدة الدينية المشتركة التي تشعر كل شخص بمسئوليته عن كل تصرفاته أمام الله تعالى، التي تجعل الناس كلهم عبيدًا لخالقهم على الدوام، وتجعل محبتهم قائمة على أسس لها أيضًا صفة الدوام؛ إذ لم تقم على المصالح المؤقتة، أو تبادل المناقع المادية الناتجة عن المحبة الزائفة العارضة، أو الاستئناس بسبب ظروف مختلفة.
إن دعاة الإنسانية اليوم هم الذين يقصفون المسلمين في أفغانستان منذ أكثر من شهر ونصف ليلًا ونهارًا في طلعات جوية تملأ الأفق بطائرات حربية متقدمة، وقنابل متنوعة، مرةً يسمونها قنابل ذكية، وأخرى يسمونها قنابل غبية، وصواريخ تجرَّب لأول مرة على رءوس المسلمين1.
فهل يعتبرون المسلمين هناك جمادًا لا تشملهم كذبة الإنسانية؟ أليس دعاة الإنسانية هم الذين يقتلون كل يوم وكل ليلة أعدادًا من الفلسطينيين دون تمييز، ويجرِّفون مزارعهم، ويهدمون بيتوتهم بكل كبرياء؟ أليس دعاة
1 واليوم نعيش هذا الوضع تمام في العراق في وحشية لا نظير لها من قبل الغرب الحاقد بزعامة أمريكا وبريطانيا ومن سار على دربهم.
الإنسانية هم الذين يحكمون على الإسلام والمسلمين بأنَّهم إرهابيين يجوز قتلهم وسجنهم وتشريدهم دون رحمة، وأمثلة أخرى في كل العالم تقول: أين الإنسانية؟ وأين دعاتها الكاذبون؟ وأين حقوق الإنسان حينما تقدم أمريكا للمساكين في حرب أفغانستان الأكل عن طريق إسقاطه من الجو في مزارع الألغام؟ أو تسقط بعض القنابل التي تشبه في ظاهرها بعض كراتين الأكل زيادة في التمويه وإغراء الجائع بحيث لا يستطيع التمييز بين كون هذا أكلًا أم قنبلة؟ فحصدت أرواح كثيرة دون أن يحس أولئك الإنسانيون بزعمهم أدنى تأنيب من ضمير أو خلق.
إن الإنسانية حقيقة سلاح يهودي ونصراني ومجوسيّ ووثنيّ موجَّه ضد المسلمين، وضد كل المستضعفين في الأرض، ويجب على كل مسلم أن يكون مستيقظًا لهذه الأخطار، وأن لا يلدغ من جحر مرتين.
وقد اتضح جليًّا من خلال بيان الإنسانيين السابق أنها دعوة ماكرة يراد من ورائها في الدرجة الأولى سيطرة اليهود ومحاربة أديان الجوييم، وتذويب الأوطان في ديانتهم الإنسانية القائمة على أهوائهم ومفاهيمهم اليهودية الحاقدة برعاية الماسونية العالمية.
قال أحد الماسون: "إن ما تبغيه الماسونية وهو وصول الإنسانية شيئًا فشيئًا إلى النظام الأمثل الذي تتحقق فيه الحرية بأكمل معانيها، وتزول فيه الفوارق بين الأفراد والشعوب، ويسود فيه العلم والجمال والفضيلة"1.
1 الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص60.
فانظر إلى هذه المغالطة، بل الصحيح أن هذا المذهب والدعوة إليه كفيل لو نجح دعاته في إفساد البشرية وقلب الأمور رأسًا على عقب، حينما تتغلَّب ديانة الإنسانية وتتمّ وفق مفاهيم أقطابها -لا قدر الله، وينتصر اليهود فتلغي كل الأديان، وخصوصًا الإسلام الذي هو الهدف الأكبر في حملتهم لمحوه، ومحو أنه الدين الذي نسخ الله به كل الأديان التي قبله، كما تهدف كذلك إلى تمييع مفهوم الأديان حتَّى تشب الأجيال الجديدة وهي لا تفرق بين الأديان، ولا تعرف الصحيح من المزيف، والمستقيم من المعوَّج منها. فيختلط الكفر بالإيمان، فلا يعرف بعد ذلك الحق والباطل في خِضَمِّ هذا التيار الجارف، ومن هنا نجد أن هؤلاء الدعاة تتكاتف جهودهم على ذم الأديان وتجهيلها، وأنها لم تحقق للإنسان الحرية والعدل والمساواة التي يدَّعون أنهم يريدون الوصول إليها بحسب آرائهم الخيالية.
وحينما يزعم الإنسانيون أنهم رحماء بالإنسان والحيوان وهم يقاتلون بين الحيوانات حتى يقتل بعضهم بعضًا وهم يتفرجون ويضحكون، أين الإنسانية منهم؟ أو الرحمة بالخلق؟ وهل ستجد الإنسانية مثل الإسلام في إعطاء تلك الأمور حقها الذي تصلح به الحياة، وتستقيم به الأمور، ويأخذ كل ذي حق حقه؟ كلَّا، ولكن لجلهلهم بالإسلام يظنون أنهم هم الذين سبقوا إلى تلك الدعوى، بل وكثير منهم يعرفون ذلك، ولكن لحقدهم على الإنسانية ورغبتهم في استعباد البشر والسيطرة عليهم جحدوا بها واستقينتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا.