الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين
ما أكثر المغالطات التي توجَّه إلى خلط المفاهيم، إما على جهل بالحقائق، وإما عن معرفة وطوية مبيتة شريرة.
ومن العجيب حقًّا أن يتبجَّح منشئوا العلمانية بأنها حرب على الأديان، وتذويب للمجتمعات في بوتقة اللادينية، ثم يأتي بعد ذلك من يحاول تغطية هذا المفهوم الواضح فيدَّعي التوافق بينهما، بحجَّة أن العلمانية والدين يجتمعان في الحثِّ على نبذ التأخّر -حسب مفهومهم، وعلى الحثِّ على العلم والاكتشافات والتجارب، والدعوة إلى الحرية، أو أن العلمانية تخدم جوانب إنسانية، بينما الدين يخدم جوانب إلهية
…
إلخ.
ترهاتهم، ولنا أن نقول للمغالطين: إن العلمانية لم تظهر في الأساس إلّا بسبب الخلافات الشديدة بين دينهم وبين علمانيتهم، وإلّا فما الذي أذكى الخصومة بين الدين والعلمانية عندهم؟
نعم، إن الدين الصحيح يدعو إلى نبذ التأخُّر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب، ويدعو إلى الحرية، لكنه لا يجعل تلك الأمور بديلًا عن الخضوع للتعاليم الربانية، أو الاستغناء عنها وإحلال المخترعات محل الإله عز وجل، بل يحكم على كل من يعتقد ذلك بالإلحاد ومحاربة الدين علنًا، وهو ما سلكته العلمانية بالنسبة لنبذها للدين.
والدين الصحيح لا يفصل السياسة والحكم بما أنزل الله تعالى، ولا يجعل قضية التدين قضية شخصية مزاجية، ولا يبيح الاختلاط ولا السفور، وإعلان الحرب على القيم والأخلاق، بينما العلمانية لم تقم في الأساس إلّا على تكريس البعد عن الدين -النصراني- وإباحة الشهوات بكل أشكالها، فأيّ وفاق بينهما؟!
كذلك فإن الدين لا يبيح لأي شخص أن يشرِّع للناس من دون الله تعالى، ولا أن يتحاكموا إلى غير شرع الله تعالى، وهذا بخلاف العلمانية، كما أن التوافق بين شيئين في بعض الجوانب لا يجعلها متماثلين حتمًا.
أما هل يوجد وفاق بين الإسلام بخصوصياته وبين العلمانية؟
فإنها إذا كانت العلمانية لا تتوافق مع بعض المذاهب الوضعية الجاهلية وتقف ضد نفوذها، أفيمكن أن تتوافق مع الإسلام بخصوصه، إن الذين يتصورون ذلك لا يحترمون عقولهم ولا مشاعر الآخرين، أليس الإسلام هو العدو اللدود لجميع الجاهليات مهما اختلفت أسماؤها في حزم وصرامة دون أي تحفظ، لا يختلف في ذلك مسلمان؟
وكيف تتفق العلمانية القامئة على الشرك بالله عز وجل والكفر به ورفض التحاكم إلى شرعه عز وجل، وبين الإسلام القائم على عبادة الله وحده لا شريك له ذلًّا وخضوعًا وحكمًا في كل شيء.
لقد قامت العلمانية من أوِّل يوم على محاربة الدين وعدم التحاكم إليه، وعلى الخضوع لغير الله تعالى، إما الطبيعة وإما في عبادة بعضهم بعضًا، بعد أن ابتعدوا عن الدين وعن الخضوع لرب العالمين، وأشركوا معه سبحانه فئة من البشر يسمونهم بالمشرِّعين أو القانونيين، ويقدمون كل ما يقرره هؤلاء، وينفرون عن ذكر الشريعة الإلهية والرسل والرسالات؛ لأنها بزعمهم لا تقدم الحلول الناجحة كالتي اخترعوها. متناسين هذه الفوضى الفكرية والأخلاقية والاقتصادية.. إلخ، الفوضى التي تعيشها المجتمعات العلمانية ونقضها اليوم ما أثبتته بالأمس:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} 1.
ولعل الذي حمل بعض القائلين بأن العلمانية لا تحارب الدين ما يرونه من عدم تعرُّض العلمانيين لسائر أهل العبادات بخلاف النظام الشيوعيّ، ولكن يجب أن تعرف أن أساس العلمانية لا ديني، ولعل تركهم لأهل العبادات إنما هي خطة أو فترة مؤقتة.
1 سورة النساء، الآية:82.
الفصل الخامس: أسباب قيام العلمانية في أورب ا 1
لقد نشأت العلمانية في أوربا البلد المضياف لشتَّى الانحرافات والمذاهب الفكرية الضالَّة لأسباب عديدة، نذكر منها بعض الأسباب فيما يلي:
1-
السبب الأول: هو الظروف القاسية التي عاشتها أوربا قرونًا طويلة تحت سيطرة طغاة الحكام وطغاة رجال الدين الكنسي، الذين وصلوا في الطغيان وضروب الخرافات إلى ما لا يتصوره العقل من التجبُّر والتناقض، والظلم الفادح، واستعباد الناس وإذلالتهم، والفقر المدقع، ومحاربة كل فكر يخالف ما هم عليه.
2-
لقد أفاق العلمانيون الجدد على دين لا يقبله العقل ولا يقره المنطق، وعلى جرائم خلقية من جنس وبذخ ودعارة لا حدود لها بين رجال الكنسسية أنفسهم -رهبانها وراهباتها- وقد ذكر ول دبورانت:"إن سجلات الأديرة احتوت على عشرين مجلدًا من المحاكمات بسبب الاتصال الجنسي بين رجال الكنيسة وراهباتها"، واستمع للمزيد من إذاعة لندن في بيانها لمثل هذه الأمور بين فترة وأخرى تسمع العجب.
3-
ظهور أشنع الخرافات الهابطة مثل: صكوك الغفران، والعشاء الرباني، والتثليث، وغير ذلك مما تحدثنا عنه في دراسة النصرانية في مادة الأديان.
1 وبالأخص في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
4-
اتصال بعض الأوربيين بالمسلمين ومخالطتهم لهم في الجامعات لهم في الجامعات الإسلامية بالأندلس، واطلاعهم على حال المسلمين من حرية وعدالة اجتماعية، فتنبَّهوا لواقعهم.
5-
ما كان يمارسه رجال الدين الكنسي من سوء المعاملة لمن خالفهم في قول أو فعل، وما كانوا يفرضونه من ضرائب باهظة، وتسخير مشينن للناس التابعين لهم تحت تسمية نظام السخرة، وما كان يتميِّع به رجال الكنيسة من امتيازات لا حدود لها، وحياة الترف والبذخ التي كانوا يعيشونها على حساب الفقراء والمعدمين.
وعن فساد رجال الكنيسة تقول القديسة -كما يسمونها- "كاترين السينائية": "إنك أينما وليت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو غيرهم من رجال الدين، أو الطوائف الدينية المختلفة، أو الأخبار من الطبقات الدنيا أو العليا، سواء أكانوا صغارًا في السن أو كبارًا، لم تر إلّا شرًّا ورذيلة تزكم أنفك رائحة الخطايا الآدمية البشعة، إنهم كلهم ضيقوا العقل شرهون، اتخذوا بطونهم إلهًا لهم يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة؛ حيث يتمرغون في الأقذار، ويقضون حياتهم في الفسق والفجور"1.
ومن الأدلة على ضيق أفق رجال الدين النصراني موقفهم المشين من العلم، وقد وصف "نورليان" ذلك فقال: "إن أساس كل علم عندهم هو الكتاب المقدَّس وتقاليد الكنيسة، فالكتاب المقدَّس يحتوي على العرفان
1 قصة الحضارة، 21، 84، 85، عن الاتجاهات المعاصرة ص94.
على المقدار الذي قدر للبشر أن ينالوه، فجميع ما جاء في الكتب السماوية من وصف السماء والأرض وتاريخ الأمم، ما يجب أن نعتقد تسليمه مهما عارض العقل أو خالف شاهد الحس، فعلى الناس أن يؤمنوا به أولًًا، ثم يجتهدوا ثانيًا في حمل أنفسهم على فهمه، أي: على تسليمه أيضًا"1.
لقد أفاق المفكرون على هذا الغبن الفاحش والفساد العريض والظم الذي لا يردعه رادع باسم الدين والتقرب إلى الله تعالى بطاعة الرهبان والخضوع لهم.
فإذا بهم يطلقون الصرخات الحارة، والنداءات المخلصة للشعوب أن يفيقوا من تنويم الدين النصراني لهم، وأن ينفضوا عنهم غبار الجهل المتراكم بسببه.
فانفجر الناس وكأنهم البراكين الثائرة، وأخذوا ينادون بإقصاء الدين ومن يمثله عن طريقهم، وخرجوا وكأنَّهم طلاب ثأر موتورين، وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب الخفية والظاهرة بين رجال الكنيسة وبين المفكرين ومن تبعهم، وإذا بالأرواح تزهق، والضحايا تتوالى وتزداد، وحلَّ كابوس مخيف على أوربا، وليل داج أسفر بعد ذلك كله عن انتصار المارد الجديد، ودحض الكنيسة وترهتها، وتمريغ أنوف رجال الدين في الوحل، وابتلى الله الظالمين بالظالمين، وتنفَّست أوربا الصعداء، وإذا العداء بين الفريقين ملتهبًا لا يقر له قرار، ومن هنا أدار رجال الفكر ظهورهم للدين
1 الإسلام والنصرانية مع العلم والمدينة، ص27، 28، عن الاتجاهات المعاصرة ص94.
ورجاله، واتجهوا إلى عقولهم، وإلى نبش شتَّى الفلسفات القديمة لبناء مذهبهم اللاديني الجديد، وتبنَّوا كل فكر إلّا فكرًا يتصل بالدين وأهله.
وإذا طلبت كلمة الإنصاف، فإن الجواب أنَّ كل ما فعله المفكِّرون من محاربة الدين ومن يمثله قد يكون أمرًا منطقيًّا تمامًا، ولهم حجتهم فيما فعلوه تجاه الدين القائم على رءوسهم؛ لأنه دين باطل، ومن يمثلونه كانوا يمثلون الطغيان بكل معانيه، ولكنهم أقاموا باطلًا على أنقاض باطل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم لا يخرجون عن المسئولية تمامًا؛ لأنه كان يجب عليهم أن يبحثوا عن الدين السليم الذي يتفق مع فطرهم وعقولهم، وسيجدونه في متناول أيديهم، وسيجدون أنه الدين الذي يريحهم من ظلم وخرافات النصرانية البولسية المحرَّفة وطغاتها، ويتفق مع العقول، ويحثَّهم على إكمال مخترعاتهم، ويبارك جهودهم.
إنه الدين الإسلامي الذي يحارب الظلم والخرافات، وينير الطريق لأتباعه ويسعدهم في الدنيا والآخرة، ويحثهم على العلم والتعلم واحترام العلماء وتجاربهم، ولو اتجه العلمانيون إليه لكانوا في راحة وسعادة بدلًا عن الشقاء الجديد الذي انتقلوا إليه، والذي تمثَّل في ظلم وطغيان الشيوعية والرأسمالية، وخدع الديمقراطية والعنصريات القومية والوطنية، وغيرها من المذاهب التي تخبَّط العلمانيون في ظلماتها، ولا يزالون، لبعدهم عن الطريق الصحيح الذي كان يجب عليهم أن يسلكوه؛ إذ أن الظلم لا يرتفع بالظلم، والجهل لا يرتفع بالجهل، فكان انقلابهم من قبضة رجال الدين
النصراني، وإطلاق سيقانهم للريح هربًا منهم دون أن يلووا على شيء، أشبه ما يكون يهرب عبد آبق من سيده الظالم ليقع في يد آخر أظلم منه وأطغى.
وما تعيشه شعوب العلمانية اليوم من فوضى أخلاقية وظلم اجتماعي واستعلاء بعضهم على البعض الآخر، إنما هو دليل واضح على فساد تلك النقلة العلجة على أيدي المفكرين الغرييين، وهذا ما شهد به عقلاء الغرب والشرق على حدٍّ سواء، في انتقاداتهم لأوضاعهم الاجتماعية وحضارتهم القائمة على تأليه المادة وعبادتها.
6-
وإذا كان طغيان، رجال الكنسية وحماقاتهم هو السبب الأكبر في نشأة العلمانية، فإن هذ لم يكن هو السبب الوحيد، بل انضافت إليه أسباب أخرى لا تقلّ أهمية عن كل ما تقدَّم، وتمثَّل ذلك كما عرفت في تلك المواقف المخزية لرجال الدين الجامدين القساة ضد أصحاب العلم التجريبي، وما وصلوا إليه من اكتشافات جديرة بالاحترام والقبول، لولا أن هؤلاء قابلوهم بأنواع الاضطهاد والتعذيب، وكان لرجال الكنيسة صولات وجولات مع كل المفكرين، حيث أذاقوهم من التعذيب ما لا يعلمه إلا الله وحده، بعد أن نصبت لهم محاكم التفتيش التي استعملت من أنواع التعذيب بالمخالفين الذين أطلق عليهم رجال الدين لقب "الهراطقة" ما لا يتصوره العقل، حيث "كانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض، بها غرف خاصة للتعذيب، وآلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري، وكان الزبانية يبدأون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا حتى يهشم الجسم
كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم، وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى، منها آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت ثم يطبقونه عليه فيمزقه إربًا إربًا، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب، ثم تشد فتقطعه قطعة قطعة، وتعزر في أثداء النساء حتى تتقطع كذلك، وصور أخرى تتقزز منها النفوس وتشمئز لذكرها"1.
وهكذا ظلَّ رجال الدين يطاردون العلم والعلماء خوفًا على مناصبهم أن تذهب بها فكرة أدراج الرياح.
ولم يكن لأولئك الرجال من سعة الأفق ما يحملهم على تفهم اكتشافات وآراء المفكرين، ومقابلة الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، بل قابلوا ذلك بالعنف الذي تحوّل لصالح المفكِّرين ونظرياتهم، وألهب قلوب الجماهير النصرانية في كل مكان.
7-
الثورة الهائجة لتي قامت في فرنسا على تعاليم الكنيسة الظالمة بعد أن ذاق الفرنسيون ألوان الحرمان والجوع والشقاء، وبعد أن تبيِّن لهم أن كل أسباب تلك المصائب هم طبقة النبلاء الأشراف وطبقة رجال الدين، فخاضوا ثورتهم المشهورة التي أسفرت عن انتصار الشعب وسحق رجال الدين، وكل ما يتصل بالدين انتقامًا لما أسلفه رجال الدين نحوهم، وكانت سببًا من الأسباب القوية التي
1 العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، ص132، نقلًا عن "التعصب والتسامح" لمحمد الغزالي ص311-318.
أدت إلى قيام العلمانية، حيث تعتبر تلك الثورة هي الفاتحة والمشجِّع الأوّل لقيام العلمانية وإخفات أصوات طغاة الكنيسة، وكذا المناداة بإقامة الحكم على اللادينية، وعلى القوانين التي يصنعونها بدلًا عن قوانين الكنيسة وفلسفتها، وذاق رجال الكنيسة وبال أمرهم على أيدي زعماء هذه الثورة الذين كانوا من أعدى أعداء الدين والقيم والأخلاق، وكل ما يتصل بالدين وبالله عز وجل.
ولقد استفاد زعماء الثورة العلمانية من مواقف رجال الدين الذين حاولوا عبثًا تخويف الجماهير الغاضبة وكبح جحاحهم وإرجاعهم إلى حظيرة الكنيسة، ولكن كان غليان قلوب الجماهير فوق تصورات البابوات، فقد شبَّ الشعب عن الطوق، وأبصروا بأمِّ أعينهم الغبن الفاحش الذي حلَّ بهم على أيدي البابوات.
8-
وانضاف إلى تلك الأسباب سبب آخر تمثَّل في الكيد اليهودي المندَّس ضمن الجماهير الهائجة في الميدان، فد اخترعوا مخططات لضرب الناس بعضهم بالبعض الآخر، وإشاعة الفوضى العارمة التي تسفك فيها الدماء بدون رقابة ولا تحقيق، إذا كانوا ينظرون إلى المسيحيين وإلى الدين المسيحي على أنه هو العدو الحقيقي الذي يحول بينهم وبين وصولهم إلى قمة العزة والكرامة، وملك اليهود العالم، كما أكدته الماسونية اليهودية.
لذلك كانوا هم المحرِّك الفعال والداعم لهيجان الجماهير على رجال
الدين، ثم حوَّلوهم إلى الهيجان على الدين المسيحي نفسه، وقد أسفرت المعركة عن سحق رجال الدين الكنسي، وعن مطاردة الدين وعدم السماح له بالاستقرار في أي مكان من أجهزة الدولة الناشئة.
9-
ثم جاء الإلحاد في ثورته العارمة ليضيف سببًا جديدًا لقيام العلمانية في أروبا، فساعد على زيادة النار اشتعالًا، والطين بلة، في موجة إلحادية قوية تمالأ عليها الملاحدة في شكل نظريات تبرهن على عدم وجود الله أصلًا، وأن الأشياء إنما وجدت بطبيعتها، وأن التدين إنما هو من صنع الإنسان وخيالاته، وليس من قوة إلهية خارجة عن البشر، وقد شكلت هذه الظاهرة مع ظاهرة الغضب الجماهيري كمَّاشة قوية على أعناق رجال الدين، وعلى الدين نفسه، مما أتاح فرصة سانحة لقيام العلمانية وسائر المذاهب في أوربا بقسميها الشرقي والغربي.
وأودُّ هنا أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن دراسة حال أوربا قبل مجيء روَّاد الفكر والحرية، وبيان ما وصل إليه طغاة الكنيسة في الانحراف والخروج بالدين النصراني إلى الوثنيات على يد بولس وأتباعه، قد تمَّت دراسة كل ذلك في مادة الأديان، فارجع إليه إن شئت، وإنما الغرض هنا هو التنبيه إلى بيان السبب وراء ظهور العلمانية بإيجاز، ثم دراسة هذا المذهب بعد أن أصبح دينًا للقائمين عليه.