المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب العاشر: العلمانية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: حقيقة التسمية

- ‌الفصل الثاني: التعريف الصريح للعلمانية

- ‌الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين، وبيان الأدوار التي مرَّت بها

- ‌الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

- ‌الفصل السادس: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى العلمانية؟ وأسباب ذلك

- ‌الفصل السابع: انتشار العلمانية في ديار المسلمين، وبيان أسباب ذلك

- ‌الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌المسألة الاولى: العلمانية في الحكم

- ‌المسألة الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة

- ‌المسألة الثالثة: العلمانية والاقتصاد

- ‌المسألة الرابعة: العلمانية والعلم والتعليم والاكتشافات والدين

- ‌المسألة الخامسة: العلمانية في السلوك

- ‌الفصل التاسع: آثار العلمانية في سلوك بعض المسلمين

- ‌مدخل

- ‌العمل العام عند المسلمين بالعلمانية

- ‌ ظهور الولاءات المختلفة:

- ‌ ظهور أفكار العلمانية كحلول حتمية:

- ‌ الاختلاف في الدراسة والشهادة:

- ‌ ظهور التأثر في الأسماء:

- ‌ الهجوم على اللغة العربية:

- ‌ التأثر في التعليلات:

- ‌ التأثر في الأخلاق:

- ‌ العلمانية والآداب:

- ‌ علمنة الإعلام:

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: منزلة الديمقراطية في الحضارة الغربية

- ‌الفصل الثاني: معنى الديمقراطية ونشأتها

- ‌الفصل الثالث: الوصول إلى الغاية

- ‌الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة

- ‌الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية

- ‌الفصل السادس: هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية

- ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

- ‌الفصل الثامن: حكم من يتمسَّك بالديمقراطية الغربية

- ‌الفصل التاسع: نظرية السيادة

- ‌المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة

- ‌المبحث الثاني: أساس قيام نظرية السيادة

- ‌المبحث الثالث: ما مدى صحة نظرية سيادة الشعب

- ‌المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة

- ‌المبحث الخامس: حكم السيادة في الإسلام

- ‌الباب الثاني عشر: الإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌الفصل الثاني: سبب انتشار دعوى الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: أماكن انتشارها

- ‌الفصل الرابع: هل يحقق مذهب الإنسانية السعادة

- ‌الفصل الخامس: هل تحققت دعاوَى الإنسانية بالفعل

- ‌الفصل السادس: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السابع: الإنسانية والمغريات

- ‌الفصل الثامن: الإنسانية والقومية والوطنية

- ‌الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية

- ‌الفصل العاشر: زعماء الدعوة الإنسانية

- ‌الفصل الحادي عشر: الإنسانية الحقيقية، والرحمة الصادقة هي في الإسلام

- ‌الباب الثالث عشر: الوجودية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالوجودية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الوجودية

- ‌الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها

- ‌الفصل الرابع: من هو سارتر

- ‌الفصل الخامس: الوجودية هي الفوضى

- ‌الفصل السادس: أسباب انتشار الوجودية

- ‌الفصل السابع: الرد على الوجوديين

- ‌الباب الرابع عشر: الروحية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الروح

- ‌الفصل الثاني: ظهور الروحية

- ‌الفصل الثالث: إنتشار هذا المذهب

- ‌الفصل الرابع: منزلة فكرة "تحضير الأرواح

- ‌الفصل الخامس: أدلة دعاة تحضير الأرواح

- ‌الفصل السادس: مجمل عقائد الروحيين

- ‌الفصل السابع: حقيقة الروحية وأشهر زعمائها

- ‌الفصل الثامن: الروحية والملاحدة

- ‌الفصل التاسع: قضية الإلهام

- ‌الباب الخامس عشر: القومية

- ‌الفصل الأول: المقصود بالقومية

- ‌الفصل الثاني: دراستنا للقومية

- ‌الفصل الثالث: كيف ظهرت القومية

- ‌الفصل الرابع: متى ظهرت القومية

- ‌الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية

- ‌الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

- ‌الفصل السابع: ماذا يراد من وراء دعوى القومية

- ‌الفصل الثامن: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية

- ‌الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية

- ‌الفصل العاشر: خداع القوميون

- ‌الفصل الحادي عشر: إبطال فكرة القومية

- ‌الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

- ‌الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية

- ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

- ‌الفصل الخامس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

- ‌مصطفى الشهابي:

- ‌محمد معروف الدواليبي

- ‌ جمال عبد الناصر:

- ‌ الخاتمة:

- ‌الباب السادس عشر: الوطنية

- ‌الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية

- ‌الفصل الثاني: القومية والوطنية

- ‌الفصل الثالث: كيف نشأت دعوى الوطنية

- ‌الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب

- ‌الفصل الخامس: الإسلام والوطنية

- ‌الفصل السادس: نتائج تقديس الوطنية

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب السابع عشر: المذهب الوضعي

- ‌الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي

- ‌الفصل الثاني: زعماء المذهب الوضعي

- ‌الباب الثامن عشر: الإلحاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: المراد بالإلحاد

- ‌الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد

- ‌الفصل الثالث: أقسام الإلحاد

- ‌الفصل الرابع: أسباب ظهور الإلحاد

- ‌الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية

- ‌الباب التاسع عشر: الاشتراكية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: معنى الاشتراكية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الاشتراكية

- ‌الفصل الثالث: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌الفصل الخامس: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌الفصل السادس: قوانين الاشتراكية

- ‌الفصل السابع: خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام

- ‌الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين

- ‌الفصل التاسع: دعاة على أبواب جهنم

- ‌الباب العشرون: الشيوعية

- ‌الفصل الأول: دراسة عن الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ تمهيد عام عن الشيوعية:

- ‌المبحث الأول: قيام الشيوعية الأولى بقيادة رجل يسمَّى "مزدك

- ‌المبحث الثاني: من أكاذيب الشيوعيين

- ‌المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌المبحث الرابع: زعامة الشيوعية الماركسية

- ‌المبحث الخامس: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ المادية:

- ‌ الجدلية "الديالكيتك

- ‌ تعقيب:

- ‌ التطور:

- ‌المبحث السادس: التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية:

- ‌ المشاعية البدائية:

- ‌ الرِّق:

- ‌ الإقطاع:

- ‌ الرأسمالية "البرجوازية

- ‌المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان

- ‌المبحث الثامن: التفسير المادي للقيم الإنسانية

- ‌المبحث التاسع: حرب الأخلاق والقيم

- ‌المبحث العاشر: القضاء على الأسر

- ‌المبحث الحادي عشر: محاربة الدين

- ‌المبحث الثاني عشر: سبب قيام الحضارة الإلحادية على العداء للدين

- ‌المبحث الثالث عشر: هل يوجد بين الدين والعلم نزاع

- ‌المبحث الرابع عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌مدخل

- ‌ هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى

- ‌ شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس عشر: روافد أخرى

- ‌مدخل

- ‌ الإنسان التقدمي:

- ‌ الرجعية والجمود:

- ‌ الخرافة والتقاليد:

- ‌ الحرية والكبت:

- ‌ الإلحاد:

- ‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

- ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الثاني: رد مزاعم الملاحدة الشيوعيين

- ‌المطلب الأول: رد مزاعمهم في الملكية الفردية

- ‌المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي

- ‌تعقيب

- ‌المبحث الثالث: إيضاح بعض الجوانب الاقتصادية

- ‌المطلب الأول: التعريف بعلم الاقتصاد

- ‌المطلب الثاني: مدى أهمية العامل الاقتصادي في حياة الإنسان

- ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

- ‌المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد

- ‌المطلب الخامس: المال في الإسلام

- ‌المطلب السادس: وجود الموارد وندرتها

- ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

- ‌المطلب الثامن: تنظيم الإسلام للشؤون المالية وطريقة معالجته لمشكلة الفقر

- ‌المبحث الرابع: التكافل في النظم البشرية

- ‌المطلب الأول: التكافل في الرأسمالية

- ‌المطلب الثاني: التكافل في النظام الشيوعي

- ‌المراجع:

- ‌قائمة بأسماء بعض المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

المقصود بهذا العنوان: هو تفصيل الأمر في قضية العلاقة بين النظام الديمقراطي وبين نظام الشورى في الإسلام، هل هما بمنزلة واحدة أم أنهما يختلفان اختلافًا بعيدًا أو قريبًا، سنرى ذلك من خلال ما يلي:

أما الديمقراطية فقد تقدَّمت دراستها وتفصيل أمرها، وأما بالنسبة للشورى فإليك بيان أهمِّ ما يتعلق بها؛ ليتضح لك من خلاله معرفة الفرق بينهما.

معنى الشورى: تتلخَّص معاني الشورى في أنها محاولة إجماع الآراء حول القضايا المهمة، ومعرفة الصحيح منها من مجموع تلك الآراء، وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ولجوانب مختلفة فيها الثناء والامتنان والإرشاد.

- ففي بعض الآيات الثناء من الله تعالى على المؤمنين حينما تتآلف القلوب وتتحد الأهداف ويمثل الجميع جسمًا واحدًا.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 1، أي: لا ينفرد أحد برأي أو يستبدَّ به دون الآخرين، قال ابن كثير رحمه الله:"أي: لا يبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم"2.

1 سورة الشورى، الآية:38.

2 تفسير ابن كثير ج4، ص118.

ص: 796

- وفي بعضها أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه، وأن هذه المشاورة منهم له هي رحمة من الله تعالى عليه واصطفائه بالأخلاق الفاضلة، قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 1.

- وفي بعضها أمر وإرشاد للمؤمنين في حال الخصومة بينهم أن يلجأوا إلى التشاور فيما بينهم للوصول إلى الأمر الذي يصلح به كلا الفريقين، فقال تعالى في شأن النزاع بين الزوج والزوجة:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} 2.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا يشاور أصحابه امتثالًا لأمر الله تعالى له، وكان يأخذ بالرأي السديد من أيِّ شخص كان؛ إذ أن طالب المشورة إنما يبحث عن الرأي الذي يبدو أنه يحقق المصلحة، فقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة الخندق، وفي غزوة بدر، وفي أسارى بدر، وفي غزوة أحد، وفي غيرها من المواقف الكثيرة.

والسؤال الوارد هنا هو: هل هذا المفهوم للشورى في القرآن الكريم وفي السنة النبوية هو نفسه المفهوم الذي تحمله الديمقراطية؟ وما هو الدافع لكثير من المسلمين القول بأن الشورى في الإسلام هي نفس مفهوم الديمقراطية؟

1 سورة آل عمران، الآية:159.

2 سورة البقرة، الآية:233.

ص: 797

والواقع أنه انخدع كثير من المسلمين بنظام الديمقراطية، خصوصًا جانب الانتخابات منها، حين زعموا أن ذلك النظام هو مما دعى إليه الإسلام، بل وفرضه على المسلمين {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، ولا تنس كذبة الاشتراكية الإسلامية حينما افتروا وادَّعَوْا أن لها صلة بالإسلام وكذا الديمقراطية، وسبب وقوعهم في هذا الخطأ هو ظنِّهم أنه لا فرق بين الانتخاب الغربي وبين مسألة الشورى التي دعى إليها الإسلام في قول الله عز وجل:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، وهذا يدل على:

1-

جهلهم بحقائق الإسلام.

2-

جهلهم بما تحمله الديمقراطية من أخطار على الدين وأهله.

3-

وما تحمله كذلك من مساوئ في طريقة الديمقراطية في الانتخابات.

فإن نظام الانتخاب الديمقراطية هو أقرب ما يكون إلى الفوضى؛ إذ هو قائم على صياح الجماهير لمن يختارونه، بينما الشورى في الإسلام قائمة على اختيار أهل الحل والعقد من المسلمين لأفضل وأكفأ الموجودين في وقت أخذ البيعة، كما أن النظام الديمقراطية قائم على الدعاية والوعود الخلَّابة من قِبَلِ المرشح لنفسه، وما إلى ذلك، دون أن يكون لبعضهم سابقة خير أو شهرة بالعلم والتقوى في كثير منهم، بل يتَّكل على العامة. والعامة -كما يقال: لهم عقل واحد يتتابعون لتشريح الشخص بفعل تأثّر بعضهم ببعض، وبما يقدِّمه من الرشاوي.

ص: 798

أما نظام الشورى في الإسلام فهو خالٍ من ذلك كله، فلا صياح للجماهير، ولا دعايات كاذبة، ولا رشاوي لاختيار المرشح، وإنما يكتفي فيه بموافقة أهل الرأي والصلاح لاختيار أفضل الموجودين للحكم، والبقية يكونون سندًا للحاكم ومستشارين أمناء، وليس له ولا لهم هدف في تقوية حزب على حزب، ولا آراء على آراء، ولا انحياز لفئة دون أخرى، وإنما همهم كله متوجه لجلب مصلحة الجميع ودفع الضرر عن الجميع في حدود الشرع الشريف، بل وقد ورد في السنة النبوية ما يفيد أن طالب الولاية لا يعطاها، وأن من طلبها وُكِّلَ إليها، ومن لم يطلبها وأعطيت له أُعِينَ عليها، فكيف يقال بعد ذلك بأنه لا فرق بين الديمقراطية وبين نظام الشورى في الإسلام؟! ألا يوجد فرق بين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة مغنمًا وفوزًا، وبين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة همًّا ومسئوليةً كبرى في الدنيا والآخرة، وبين نظام يقوم على الرشوة والوعود الخلَّابة، ونظام لا يجيز ذلك بحال؟

وهنا مسألة أحب أن أنّبه إليها لضرورتها، وهي: هل ما يظهر من التشابه في بعض الأمور بين الديمقراطية وبين بعض المفاهيم في الإسلام يجعلها في درجة واحدة؟

والجواب: إن ما يظهر من التشابه بين النظام الديمقراطي وبين ما جاء به الإسلام في بعض الجوانب، الواقع أن هذا لا يجيز القول بأنه تشابه حقيقي في كل ناحية، ولا يعطي الديمقراطية سبيلًا إلى الاختلاط بمبادئ الإسلام الناصعة، بل هو تشابه ظاهري يصحّ أن نسمي ما جاءت به الديمقراطية قشور بالنسبة لتعاليم الإسلام، أو صدًى من بعيد له، فلا يجوز القول باستواء المكاسب في الديمقراطية وفي الإسلام لبعد حقيقية كلٍّ منهما عن الآخر.

ص: 799

ومن العجب أن تمدح التعاليم الديمقراطية؛ لأنها اكتشفت تلك الجوانب، ولا يمدح الإسلام ويعترف له بالفضل وهو السابق لها بسنين عددًا، أليس الفضل للمتقدِّم؟ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} 1.

لقد قلَّ الإنصاف للإسلام حتَّى عند الكثير ممن ينتسب إليه من العاقلين له، الذين يحاولون أن يقدِّموا تعاليم الديمقراطية على تعاليمه، ملتمسين أنواع الخدع والاحتيال لتنفيذ ذلك في نفاق تامٍّ وأساليب مختلفة في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين، وقد اتَّضح بصورة جليّة أن أكثر ما يجتذب الناس إلى الديمقراطية الغربية إمَّا الهرب من أحكام الدين وتكاليفه الشرعية إلى الفوضى الجماهيرية التي يجدون فيها الحرية الفوضوية بكامل صورها، وإمَّا بسبب ما تنادي به الديمقراطية من الرجوع إلى الشعب في الأحكام، وهؤلاء يحبُّون هذا الجانب بحجَّة الحد من سلطان الحاكم وجبروته، وهم جادون في ذلك.

أما القسم الأول: فهم الغافلون الفوضويون من الجهال، وأما القسم الثاني: فعللهم لا يعلمون أن الإسلام لا يجعل الحاكم هو السلطان المطلق دون الرجوع إلى أحد. لا يعلمون أنَّ الله تعالى قد أخبر أنه يجب أن يكون أمر المؤمنين شورى بينهم، وكما أسند الله تعالى الحكم في بعض القضايا إلى أهل الرأي والمعرفة كالإصلاح بين الزوجين وما يحكم به الحكمان وكتقدير صيد المحرم، وغير ذلك مما سبق فيه الإسلام الديمقراطية الغربية، على أنه إذا وجد حاكم مسلم يتَّصف بالجور والطغيان وعدم الخوف من الله تعالى، وعدم استطاعة أحد من الناس مراجعته، أو الحدّ من طغيانه، فهذا لا يعني أنه لا حلَّ أمامنا إلى التزام الديمقراطية الغربية، بل الحل هو القيام

1 سورة النمل، الآية:14.

ص: 800

بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بتطبيق الحق جماعة وأفرادًا، والوقوف الجماعي ضد أي تسلُّط بالباطل ببيان الحق وبذل النصح بصدق وإخلاص، وسؤال الله له الهداية، إلى غير ذلك من الوسائل المتاحة حتى يصل التغيير إلى أحسن، أمَّا إذا لم يكن هناك تغيير وإصلاح، فإن المناداة بالديمقراطية لا يعطي الحل لهذه المشكلة أو غيرها، حتى لو زعم القائمون على السلطة بالتزامها، فإنَّ ذلك لا يجدي شيئًا من الإصرار على عدم التطبيق، سواء تطبيق الإسلام وهو الحق الحقيقي، أو تطبيق الديمقراطية وهو الحل الظاهريو وكلا الحلين لا يأتيان تلقائيًّا للناس ما لم يكن هناك قائمون عليه وجادُّون في تطبيقه، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 1.

والله تعالى عادل يحب العدل ولا يرضى بالظلم ولا يحب الصبر عليه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 2، فأيُّ لوم يمكن أن يوجِّهه الخاملون الكسالى إلى الإسلام مع تفريطهم وعدم يقظتهم للتمسك بدينهم الذي يعيشون في ظله آمنين مطمئنين أخوة متحابين "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" 3، ثم يفضلون عليه الأنظمة الوضعية البشرية التي تفسد أكثر مما تصلح، أو يزعمون أنهما في درجة واحدة مع الإسلام، فإنه يجب على هؤلاء أن يوجِّهوا اللوم إلى أنفسهم لا إلى الإسلام.

1 سورة الرعد، الآية:11.

2 سورة يونس، الآية:44.

3 صحيح البخاري ج5، ص2238، ومسلم ج4، ص1999.

ص: 801