الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: الديمقراطية والشورى
المقصود بهذا العنوان: هو تفصيل الأمر في قضية العلاقة بين النظام الديمقراطي وبين نظام الشورى في الإسلام، هل هما بمنزلة واحدة أم أنهما يختلفان اختلافًا بعيدًا أو قريبًا، سنرى ذلك من خلال ما يلي:
أما الديمقراطية فقد تقدَّمت دراستها وتفصيل أمرها، وأما بالنسبة للشورى فإليك بيان أهمِّ ما يتعلق بها؛ ليتضح لك من خلاله معرفة الفرق بينهما.
معنى الشورى: تتلخَّص معاني الشورى في أنها محاولة إجماع الآراء حول القضايا المهمة، ومعرفة الصحيح منها من مجموع تلك الآراء، وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ولجوانب مختلفة فيها الثناء والامتنان والإرشاد.
- ففي بعض الآيات الثناء من الله تعالى على المؤمنين حينما تتآلف القلوب وتتحد الأهداف ويمثل الجميع جسمًا واحدًا.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 1، أي: لا ينفرد أحد برأي أو يستبدَّ به دون الآخرين، قال ابن كثير رحمه الله:"أي: لا يبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم"2.
1 سورة الشورى، الآية:38.
2 تفسير ابن كثير ج4، ص118.
- وفي بعضها أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يشاور أصحابه، وأن هذه المشاورة منهم له هي رحمة من الله تعالى عليه واصطفائه بالأخلاق الفاضلة، قال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 1.
- وفي بعضها أمر وإرشاد للمؤمنين في حال الخصومة بينهم أن يلجأوا إلى التشاور فيما بينهم للوصول إلى الأمر الذي يصلح به كلا الفريقين، فقال تعالى في شأن النزاع بين الزوج والزوجة:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} 2.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم دائمًا يشاور أصحابه امتثالًا لأمر الله تعالى له، وكان يأخذ بالرأي السديد من أيِّ شخص كان؛ إذ أن طالب المشورة إنما يبحث عن الرأي الذي يبدو أنه يحقق المصلحة، فقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة الخندق، وفي غزوة بدر، وفي أسارى بدر، وفي غزوة أحد، وفي غيرها من المواقف الكثيرة.
والسؤال الوارد هنا هو: هل هذا المفهوم للشورى في القرآن الكريم وفي السنة النبوية هو نفسه المفهوم الذي تحمله الديمقراطية؟ وما هو الدافع لكثير من المسلمين القول بأن الشورى في الإسلام هي نفس مفهوم الديمقراطية؟
1 سورة آل عمران، الآية:159.
2 سورة البقرة، الآية:233.
والواقع أنه انخدع كثير من المسلمين بنظام الديمقراطية، خصوصًا جانب الانتخابات منها، حين زعموا أن ذلك النظام هو مما دعى إليه الإسلام، بل وفرضه على المسلمين {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، ولا تنس كذبة الاشتراكية الإسلامية حينما افتروا وادَّعَوْا أن لها صلة بالإسلام وكذا الديمقراطية، وسبب وقوعهم في هذا الخطأ هو ظنِّهم أنه لا فرق بين الانتخاب الغربي وبين مسألة الشورى التي دعى إليها الإسلام في قول الله عز وجل:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، وهذا يدل على:
1-
جهلهم بحقائق الإسلام.
2-
جهلهم بما تحمله الديمقراطية من أخطار على الدين وأهله.
3-
وما تحمله كذلك من مساوئ في طريقة الديمقراطية في الانتخابات.
فإن نظام الانتخاب الديمقراطية هو أقرب ما يكون إلى الفوضى؛ إذ هو قائم على صياح الجماهير لمن يختارونه، بينما الشورى في الإسلام قائمة على اختيار أهل الحل والعقد من المسلمين لأفضل وأكفأ الموجودين في وقت أخذ البيعة، كما أن النظام الديمقراطية قائم على الدعاية والوعود الخلَّابة من قِبَلِ المرشح لنفسه، وما إلى ذلك، دون أن يكون لبعضهم سابقة خير أو شهرة بالعلم والتقوى في كثير منهم، بل يتَّكل على العامة. والعامة -كما يقال: لهم عقل واحد يتتابعون لتشريح الشخص بفعل تأثّر بعضهم ببعض، وبما يقدِّمه من الرشاوي.
أما نظام الشورى في الإسلام فهو خالٍ من ذلك كله، فلا صياح للجماهير، ولا دعايات كاذبة، ولا رشاوي لاختيار المرشح، وإنما يكتفي فيه بموافقة أهل الرأي والصلاح لاختيار أفضل الموجودين للحكم، والبقية يكونون سندًا للحاكم ومستشارين أمناء، وليس له ولا لهم هدف في تقوية حزب على حزب، ولا آراء على آراء، ولا انحياز لفئة دون أخرى، وإنما همهم كله متوجه لجلب مصلحة الجميع ودفع الضرر عن الجميع في حدود الشرع الشريف، بل وقد ورد في السنة النبوية ما يفيد أن طالب الولاية لا يعطاها، وأن من طلبها وُكِّلَ إليها، ومن لم يطلبها وأعطيت له أُعِينَ عليها، فكيف يقال بعد ذلك بأنه لا فرق بين الديمقراطية وبين نظام الشورى في الإسلام؟! ألا يوجد فرق بين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة مغنمًا وفوزًا، وبين نظام يعتبر الوصول إلى السلطة همًّا ومسئوليةً كبرى في الدنيا والآخرة، وبين نظام يقوم على الرشوة والوعود الخلَّابة، ونظام لا يجيز ذلك بحال؟
وهنا مسألة أحب أن أنّبه إليها لضرورتها، وهي: هل ما يظهر من التشابه في بعض الأمور بين الديمقراطية وبين بعض المفاهيم في الإسلام يجعلها في درجة واحدة؟
والجواب: إن ما يظهر من التشابه بين النظام الديمقراطي وبين ما جاء به الإسلام في بعض الجوانب، الواقع أن هذا لا يجيز القول بأنه تشابه حقيقي في كل ناحية، ولا يعطي الديمقراطية سبيلًا إلى الاختلاط بمبادئ الإسلام الناصعة، بل هو تشابه ظاهري يصحّ أن نسمي ما جاءت به الديمقراطية قشور بالنسبة لتعاليم الإسلام، أو صدًى من بعيد له، فلا يجوز القول باستواء المكاسب في الديمقراطية وفي الإسلام لبعد حقيقية كلٍّ منهما عن الآخر.
ومن العجب أن تمدح التعاليم الديمقراطية؛ لأنها اكتشفت تلك الجوانب، ولا يمدح الإسلام ويعترف له بالفضل وهو السابق لها بسنين عددًا، أليس الفضل للمتقدِّم؟ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} 1.
لقد قلَّ الإنصاف للإسلام حتَّى عند الكثير ممن ينتسب إليه من العاقلين له، الذين يحاولون أن يقدِّموا تعاليم الديمقراطية على تعاليمه، ملتمسين أنواع الخدع والاحتيال لتنفيذ ذلك في نفاق تامٍّ وأساليب مختلفة في ديار الإسلام وبين ظهراني المسلمين، وقد اتَّضح بصورة جليّة أن أكثر ما يجتذب الناس إلى الديمقراطية الغربية إمَّا الهرب من أحكام الدين وتكاليفه الشرعية إلى الفوضى الجماهيرية التي يجدون فيها الحرية الفوضوية بكامل صورها، وإمَّا بسبب ما تنادي به الديمقراطية من الرجوع إلى الشعب في الأحكام، وهؤلاء يحبُّون هذا الجانب بحجَّة الحد من سلطان الحاكم وجبروته، وهم جادون في ذلك.
أما القسم الأول: فهم الغافلون الفوضويون من الجهال، وأما القسم الثاني: فعللهم لا يعلمون أن الإسلام لا يجعل الحاكم هو السلطان المطلق دون الرجوع إلى أحد. لا يعلمون أنَّ الله تعالى قد أخبر أنه يجب أن يكون أمر المؤمنين شورى بينهم، وكما أسند الله تعالى الحكم في بعض القضايا إلى أهل الرأي والمعرفة كالإصلاح بين الزوجين وما يحكم به الحكمان وكتقدير صيد المحرم، وغير ذلك مما سبق فيه الإسلام الديمقراطية الغربية، على أنه إذا وجد حاكم مسلم يتَّصف بالجور والطغيان وعدم الخوف من الله تعالى، وعدم استطاعة أحد من الناس مراجعته، أو الحدّ من طغيانه، فهذا لا يعني أنه لا حلَّ أمامنا إلى التزام الديمقراطية الغربية، بل الحل هو القيام
1 سورة النمل، الآية:14.
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بتطبيق الحق جماعة وأفرادًا، والوقوف الجماعي ضد أي تسلُّط بالباطل ببيان الحق وبذل النصح بصدق وإخلاص، وسؤال الله له الهداية، إلى غير ذلك من الوسائل المتاحة حتى يصل التغيير إلى أحسن، أمَّا إذا لم يكن هناك تغيير وإصلاح، فإن المناداة بالديمقراطية لا يعطي الحل لهذه المشكلة أو غيرها، حتى لو زعم القائمون على السلطة بالتزامها، فإنَّ ذلك لا يجدي شيئًا من الإصرار على عدم التطبيق، سواء تطبيق الإسلام وهو الحق الحقيقي، أو تطبيق الديمقراطية وهو الحل الظاهريو وكلا الحلين لا يأتيان تلقائيًّا للناس ما لم يكن هناك قائمون عليه وجادُّون في تطبيقه، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 1.
والله تعالى عادل يحب العدل ولا يرضى بالظلم ولا يحب الصبر عليه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 2، فأيُّ لوم يمكن أن يوجِّهه الخاملون الكسالى إلى الإسلام مع تفريطهم وعدم يقظتهم للتمسك بدينهم الذي يعيشون في ظله آمنين مطمئنين أخوة متحابين "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" 3، ثم يفضلون عليه الأنظمة الوضعية البشرية التي تفسد أكثر مما تصلح، أو يزعمون أنهما في درجة واحدة مع الإسلام، فإنه يجب على هؤلاء أن يوجِّهوا اللوم إلى أنفسهم لا إلى الإسلام.
1 سورة الرعد، الآية:11.
2 سورة يونس، الآية:44.
3 صحيح البخاري ج5، ص2238، ومسلم ج4، ص1999.