الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع عشر: المذهب الوضعي
الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي
…
الباب السابع عشر: المذهب الوضعي
وتشمل دراسة هذا المذهب الفصول الآتية:
الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي
المذهب الوضعي، ويقال له: المذهب الواقعي أيضًا، أو سيادة الطبيعة والحس، وهو مذهب إلحادي محارب لله تعالى ولكل الأديان، لا يؤمن إلّا بالمحسوسات وما ينتج عن التجارب، وهو بمثابة تهيئة للماركسية فيما بعد، إلّا أنه كان في إحدى مراحله يؤمن بدور العقل في المعرفة في العصور الوسطى، إلى أن جاء عصر التنوير في القرن الثامن عشر، فكان له دور واضح أيضًا في المعرفة، ولكن انتهى اعتباره في القرن التاسع عشر هو والدين أيضًا؛ إذ لم يعد لهما دور بعد هذا التطور الذي تصوره الوضعيون.
وجاءت بعد ذلك الماركسية لتؤكد نهاية صلاحية الدين والعقل، والاعتماد فقط على الطبيعة، وإنكار العالم الآخر وسائر المغيبات التي أخبر بها الدين في الحياة الآخرة.
وأحلَّوا الطبيعة هذه محل الإله، فهي التي تخلق وتقدر الأمور على حقيقتها، واعتبار ما جاء خارجًا عنها ما هو إلّا وهمٌ وخداعٌ سواء جاء عن طريق العقل
أو غيره، مما تثبته الأديان من الوحي الإلهي الذي نتج -كما يكذبون- عن البيئة والوراثة والحياة الاقتصادية، وكان هدف الوضعيين هو مقارعة رجال الدين النصراني وإبطال مقالاتهم في الدين بالدين الوضعي الجديد، أو دين الإنسانية.
وقد جاء في الموسوعة العربية الميسَّرة أن الوضعية مذهب فلسفي يقيم المعرفة على نطاق الخبرة الحسية، وأمَّا ما يتجاوز الخبرة الحسية فمعرفته مستحيلة
…
كان "هيوم" رائدًا للمذهب الوضعي، و"أوجست كونت" داعية له1.
وقد بدأ ظهور مذهب الوضعية في شكل قوة ظاهرة مع بداية القرن التاسع عشر على أنقاض عصر التنوير كما يسمونه.
ثم اشتد بعد ذلك وأصبح يراد به سيادة الفكر المادي، أو سيادة الطبيعة والتجربة الإنسانية والواقع الذي هو أساس كل الأمور دون غيره.
وكان "هيوم" الذي تشبَّع بفكرة الوضعية يجادل لتصحيح مذهبه هذا، ويثير شبهات سخيفة لتقوية الإلحاد وإنكار وجود الخالق، فأنكر ارتباط الأسباب بمسبباتها على الحقيقة، واعتبر أنها فرضية عقلية غير حقيقية، بدليل أن الأسباب لا تفعل شيئًا تجاه مسبباتها، وسبب ذلك إنكاره قدرة الله تعالى وأنه هو المسبِّب الحقيقي في إظهار الأمور عند فعل أسبابها إذا أراد الله ذلك، وقد تفعل الأسباب، ولكن لا ترى المسببات إذا لم يشأ
1 انظر الموسوعة العربية الميسَّرة ج م، ص1954، وانظر الاتجاهات الفكرية المعاصرة ص42.
الله ذلك، فليست الأسباب هي الفاعلة بنفسها، كما أنكر إرادة الإنسان في عمله، بل هو يعمل كل ما يعمله آليًّا ودون إرادة مسبَّقة، وهو إنكار يدل على جهله، فإن كل إنسان يحسّ في نفسه إرادة مسبقة للعمل الذي يريده، سواء أكان فيه مصلحة أو مضرة، وقد يعمل الشخص العمل الذي فيه مضرَّة عاجلة لما يرجوه من المصلحة الآجلة فيه، فلو لم تكن له إرادة لما أقدم عليه ذلك.
وله مزاعم كثيرة لا يدل عليها أيّ دليل لا من العقل ولا من النقل ولا من التجارب، وإنما هي فلسفات خيالية1.
1 انظر كواشف زيوف ص453-456.